الثورة الناجحة هي التي تحدد أهدافها بدقة ، تحدد السياق الزمني الذي سيتم خلاله تحقيق تلك الأهداف ، وإن لم يكن التحديد الزمني بالدقة نفسها التي تتحدد فيه الأهداف ، بمعنى لا بأس ان يكون هناك هامش خطأي يتراوح من 2-5% (زائد ناقص)، كأن يكون التحقيق في 52 سنة بدلا من خمسين ، او 75 سنة بدلا من 70 ، لكن ان تقفز الأرقام بعشرات السنين او ضعف المدة المحددة ، فهذه علامة فشل ذريع .
الثورة الفاشلة ، هي التي لا تحدد أي سياق زمني ، بمعنى تفتحها على الغارب ، و تتركها للتساهيل والتواكل على القدر او على الظروف ، وهي التي بالتالي سرعان ما تغير أهدافها وفقا للتساهيل والتصاعيب ، فمثلا من تحرير الأرض التي اغتصبت الى إقامة دولة مستقلة على جزء صغير من هذه الأرض ، ومن عاصمتها (س) الى عاصمتها (س الشرقية ) ومن عودة اللاجئين الى ديارهم التي شردوا منها الى عودتهم الى حدود الدولة المستقلة .... الخ . بعد تغيير الأهداف ، سرعان ما يتم تغيير وسائل تحقيق الأهداف ، فبدلا مثلا من اعتماد الكفاح المسلح كأرقى اشكال التحرير ، يتم اعتماد النضال السلمي نضالا وحيدا وتجريم الكفاح المسلح ومطاردته واعتقال ممارسيه كمجرمين وجنائيين ، وبشكل فجائي وفج وبدون أي مقدمات تدخل الثورة الفاشلة الى سرداب ما يسمى بالمفاوضات ،... مفاوضات تستمر لاكثر من نصف عمرها ، دون ان تسمع واحدا من اقطاب وأصحاب هذه الثورة يقول ان هذه مفاوضات عبثية ، بل يصبح اعلى ما تبتغيه الثورة هو تحسين هذه المفاوضات و ضرورة ان يلتزم العدو – الذي لم يظل عدوا – بتنفيذ نتائج هذه المفاوضات .
الثورة الناجحة تحدد معسكر اصدقائها ومعسكر اعدائها ، وفقا لمبادئها لا مصالحها ، ولكن عندما تبدأ الثورة الفاشلة في خلط كل ما ذكر أعلاه ، فإنها وبالضرورة ستخطيء في تحديد اصدقائها واعدائها ، بل ستذهب الى الخلط بينهما وعدم معرفة هذا من ذاك ، وقد يصل الامر حد مصادقة الأعداء ومعاداة الأصدقاء .
الثورة الناجحة تحرص على رص كل مقومات الشعب في بوتقتها ، لانها تدرك ان الوحدة هي الميكانزم الناظم للانتصار، وبدون هذه الوحدة لن يكون هناك أي انتصار . وعلى العكس منها في الثورة الفاشلة التي تريد الوحدة مع حالها ، وكل من ينتقدها او يختلف معها يصبح عدوا لها يجب اقصاءه وسحب البساط الوطني من تحت اقدامه حتى تجد نفسها وقد تشظت الى قطع وأجزاء ، ومن خلال هذا التشرذم و التشظي، يستطيع العدو ان يتغلغل ويتسلل لفرض رغباته وتحقيق أهدافه لافراغ هذه الثورة من مضامينها التحررية والتقدمية والإنسانية ، فتعم نزعات الايثارية والفساد و التفوق والتفرد ، وكما يقال : "لا على دولة حصلت ولا على ثورة أبقت" .