أوسلو... بعد ثلاثين سنة

08131783070030779318284182254500.jpg
حجم الخط

بقلم نبيل عمرو

مرّت ثلاثون سنة على اتفاقات وتفاهمات أوسلو، وما كان في الأعوام الأولى يختلف كلّياً عمّا كان في الأعوام الأخيرة.
صوّت الفلسطينيون بنسبة عالية في أوّل انتخابات عامّة لأوّل مجلس تشريعي، ولياسر عرفات رئيساً، فانتقل النظام السياسي الفلسطيني من نظام الثورة إلى نظام السلطة الذي كان يجب أن يتحوّل خلال خمس سنوات إلى نظام الدولة.
أوجد حجم التبنّي الإقليمي والدولي لأوسلو وما يعِد به اطمئناناً لدى الفلسطينيين إلى أنّهم للمرّة الأولى في تاريخهم ذاهبون حتماً إلى دولة مستقلّة تُقام على حدود الرابع من حزيران 1967، مع فتح مفاوضات في ما سُمّي بقضايا الوضع الدائم كالحدود واللاجئين والاستيطان والقدس.
لم ينتبه الفلسطينيون ومعهم داعمو فكرة أوسلو مشروع السلام التاريخي إلى أنّ حجراً صغيراً إذا نُزع من البناء فسيؤدّي حتماً إلى انهياره، وكان هذا الحجر هو الصوت الواحد الذي مرّر أوسلو في الكنيست، والذي إذا ما انتقل إلى المعارضة فساعتئذ يدخل المشروع كلّه في نفق يفضي إلى أمكنة غير تلك التي صُمّمت كخلاصات له.

هل تعود الحياة للاتّفاق؟
بعد ثلاثين سنة مرّت على اتفاقات وتفاهمات أوسلو، ما هي صورة الوضع الآن؟ وهل هنالك مسوّغ منطقي لإعادة الحياة إليها، ولو بتنزيلات باهظة؟!!!

الوضع الآن يُختصر بجملة قصيرة. أوسلو السنوات الأولى التي كانت في عهد الثنائي رابين وبيريز أضحت كومة ركام لا تصلح لاستخلاص تسوية منها. أمّا أوسلو في زمن نتانياهو فلم يبقَ منها إلا فتات تنسيق أمنيّ يُحرج الفلسطينيين ولا يرضي الإسرائيليين. وذلك مع سلطة آيلة إلى السقوط، ومصيرها (بقاءً أو انهياراً) بيد الشفاعات الأميركية لدى إسرائيل بأن تضخّ بعض الماء في قنواتها الجافّة. وبدل أن يكون أصل الحكاية حجم ومواصفات الدولة الفلسطينية العتيدة، صار ما يمكن أن يُقدَّم للسلطة كي تظلّ على قيد الحياة، ليس رهاناً على قدراتها في قيادة شعب وشراكة فعّالة مع الخصم، إنّما خوفاً من الفراغ الذي سينتج عن انهيارها فاتحاً الأبواب على مصاريعها لتطوّرات غير مسيطَر عليها.

صورة الوضع الآن
1- في إسرائيل حكومة هي الأكثر يمينيّةً وتشدّداً من كلّ الحكومات التي سبقتها بما في ذلك حكومات بيغن وشامير وشارون.
2- في أميركا إدارة ديمقراطية ترفع شعار حلّ الدولتين، من دون بذل أيّ جهد لبلوغه.
الأدهى من ذلك أنّ انقلاباً في الصيغة رعته الإدارة الأميركية وضع العربة أمام الحصان وأعطى أولوية للتطبيع العربي مع إسرائيل على حساب أولوية حلّ القضية الفلسطينية.
3- في فلسطين تعدُّد الخيارات لدرجة الاختلاف وحتى التناقض بين سلطة في رام الله لم تيأس من إمكانية استخلاص حلّ سياسي من ركام أوسلو وبين سلطة في غزّة لا يعرف أحد ما يمكن أن تفعل أو لا تفعل لتسويق نفسها في المعادلات الإقليمية والدولية.
أمّا الفصائل فبعضها يُقاتل بصورة مباشرة حيثما وصلت رصاصات بندقيّته، وبعضها الآخر يقاتل بالواسطة مكتفياً بمباركة العمليات من دون تبنّيها، وبعضها الثالث اندمج في السلطة فعليّاً مع احتفاظ بالمسمّى. هذا على صعيد الطبقة السياسية المنقسمة على نفسها. أمّا على صعيد المجتمع الذي يشكّل ما فوق ثمانين في المئة من فعّاليات الشعب والقضية، فقد اختار المضيّ قدماً في بناء حياته من دون الاضطرار إلى التفريط بثوابت قضيّته. وما ترونه في الوطن من منشآت هو من صنعه وبفعل مبادراته. تحوّلت وعود أوسلو الوردية إلى كومة من ركام، غير أنّ ذلك لا يعني إطلاقاً تصفية قضية ونهاية شعب، بل العكس تماماً هو الذي يحدث. فالفلسطيني داخل الوطن أو خارجه، غنيّاً كان أو فقيراً، ما يزال يشعر بألم فقدانه الكرامة والحرّية داخل الوطن، والهويّة الوطنية خارجه. وبفعل هذا الشعور ستظلّ قضيّته حيّة وسيظلّ متعِباً لإسرائيل وللعالم كلّه إن لم يجد حلّاً يرضى عنه ويرى فيه خلاصه.

كلّ من ساهم في تدمير الحلّ، عليه أن يندم، لأنّه دمّر الإمكانية التي كانت متاحة لإنهاء الاستثناء الوحيد في هذا العالم، وهو وجود شعب يُعدّ بالملايين بلا دولة ولا هويّة.