خطاب الرئيس أمام الثوري وردود الفعل "الغاضبة"!

تنزيل (9).jpg
حجم الخط

بقلم المحامي زياد أبو زياد

 

ردود فعل بعض الدول الأوروبية بشكل خاص، وأمريكا ودول أخرى بشكل عام على خطاب الرئيس محمود عباس أمام الدورة الحادية عشرة للمجلس الثوري لحركة فتح التي انعقدت برام الله بتاريخ 24/8، إن دلت على شيء فإنما تدل على ذروة النفاق الدولي لإسرائيل والكيل بمكيالين كلما كان الأمر يتعلق بالشعب الفلسطيني وقضيته.


فالغرب الذي يسمح لبعض الزنادقة حرق المصحف الشريف بحجة حرية التعبير ينكر على الرئيس محمود عباس أن يقول وجهة نظر مدعمة بالحقائق التاريخية جوهرها هو أن يهود شرق وأواسط أوروبا هم من الخزر التتر الذين اعتنقوا الدين اليهودي بعد أن اعتنق ملكهم هذه الديانة وأنهم ليسوا من نسل إسرائيل، بنو إسرائيل، الذين ورد ذكرهم في القرآن وأنهم ليسوا من الساميين نسل سام بن نوح.


وانصافا ً للحقيقة العلمية فإن ما ورد على لسان الرئيس عباس لم يكن من مبتكراته ولا من اختراعاته وإنما هو بعض ما قاله العديد من الباحثين سواء ممن درسوا وتخصصوا في التاريخ الأوروبي واليهودي أو من تخصصوا في دراسة الهولوكوست باعتبارها من أبشع الجرائم ضد الإنسانية في التاريخ الحديث.


فالرئيس لم ينكر المحرقة وإنما أتى على ذكر بعض النظريات التي تبناها العديد من المؤرخين والباحثين الدوليين مع العلم بأن بعضها موضع جدل وخاصة من قبل اليهود والمتعاطفين معهم من الأوروبيين الذين يحملون على ظهورهم أوزار أجدادهم المجرمين النازيين الملطخة أيديهم بالدم، ولكن هؤلاء المنافقين الذين يصطادون في الماء العكر بادروا الى اخراج خطاب الرئيس من سياقه إمعنا ً في ولائهم ونفاقهم لليهودية العالمية.


ولكي توضع الأمور في سياقها الصحيح فإن علينا أن نتفق بأن المحرقة هي حقيقة تاريخية وأنها وصمة في تاريخ أوروبا، وأن شعبنا دفع ثمن جرائم النازية ضد اليهود بأن تواطأت أوروبا وساعدت على تشريد شعبنا من وطنه وسلب أملاكه ومقدراته وتحويل غالبيته العظمى الى لاجئين ، كل ذلك من أجل إقامة وطني قومي لليهود في فلسطين.


ردود الفعل الأوروبية والأمريكية والكندية وغيرها تتجاهل أنه تم تشريد شعبنا من 78% من أرضه عام 1948 وتم احتلال ما تبقى منها عام 1967 وأن أكثر من ستة ملايين من الفلسطينيين يخضعون اليوم للاحتلال العنصري اليهودي الذي يلقى الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي من الغرب المنافق المتغطرس الأعمى عن جرائم الاحتلال ضد شعبنا.


ولا شك بأن بعض ردود الفعل على خطاب الرئيس لا تُشكل إهانة ليس للرئيس فحسب بل ولكافة أبناء الشعب الفلسطيني لأن الرئيس عباس ليس شخصا ً عاديا ً وإنما هو رمز يمثل كافة أبناء شعبه سواء من اتفق منهم مع سياساته أو من عارضها. تلك السياسات التي تقوم في جوهرها على احترام الشرعية الدولية والالتزام بها وتبنى النهج السياسي السلمي في البحث عن وسيلة تعيد لشعبنا حقوقه المسلوبة، وهي السياسة التي تتعرض الى نقد قاس ولاذع من شريحة واسعة من أبناء شعبنا ممن أفقدته السياسة الغربية المتواطئة مع الاحتلال ثقته وايمانه بالشرعية الدولية واضطرته لأن يميل لانتهاج العنف كوسيلة لاسترداد حقوقه ويصطدم برفض الرئيس انتهاج العنف واصراره على الالتزام بمنهج البحث عن مخرج سياسي يُفضي الى تحقيق السلام العادل.


واذا كان هناك من درس يجب أن نتعلمه من ردود الفعل المهينة على خطاب الرئيس والتي تجاوز بعضها كل حدود اللباقة والأعراف السياسية المتبعة في العلاقات الدولية فإنه لا بد من الإشارة الى درسين يجب أن يؤخذا بعين الاعتبار:


الدرس الأول، هو أن علينا أن نفهم بأن من يريد أن يشتغل في اطار الشرعية الدولية ويلعب على الساحة السياسية الدولية، عليه أن يكف عن الدخول في حقول الألغام السياسية وأن يعي أن هناك أمورا ً حساسة عليها شبه اجماع دولي وأن ليس من مصلحته ولا مصلحة قضيته أن يخوض فيها بل عليه أن لا يقترب من تلك المسلمات الدولية كي لا يساء فهمه أو يؤخذ كلامه على غير محمله.


والدرس الثاني، وهو الأهم، وهو أننا فقدنا احترام المجتمع الدولي لنا وأن هناك نزعة دولية جديدة تتم بلورتها تحاول التعامل معنا على أساس أننا قضية اجتماعية، وأننا جماعة من المتسولين على أبواب دول العالم، وأننا فاسدون فقدنا الشرعية المؤسساتية نلهث وراء المال ومستعدون للتنازل عن كرامتنا لقائه.


يجب ألا نخجل من الاعتراف بأن مكانتنا الدولية في تقهقر مستمر وأن من بيننا أشخاص ومنظمات مجتمع مدني تتساوق مع دول ومنظمات دولية في ترويج الاغتيال المعنوي للسلطة الفلسطينية ورموزها ولا تتورع عن الخوض في اتهام السلطة بالفساد بحق أحيانا ً وبغير حق في بعض الأحيان الأخرى. وعلى السلطة الفلسطينية بكل مكوناتها أن تعترف بأنها بأدائها السيء تُسهم هي أيضا ً في حملة تشوية صورة شعبنا وقيادته وعدالة قضيته.


كل شيء شاخ! والشيخوخة أحيانا تفقد هيبتها وقدرتها على حسن الأداء.


واذا لم يتم تدارك حالة الانهيار التي أوصلتنا الى الهوان الذي وصلنا اليه والذي جعل الغريب يطمع فينا قبل القريب فأن علينا وعلى قضيتنا السلام.


واذا لم نحترم أنفسنا فلن يحترمنا الآخرون. وأول خطوة نحو احترامنا لأنفسنا هي خطوة جريئة نحو استرداد الشرعية، شرعية المؤسسات والقيادة وكل من يدعي أن مخول للحديث باسم هذا الشعب، وانتهاج الشفافية وافساح المجال للطاقات الشابة لتأخذ دورها في كل المرافق والمفاصل من القاعدة الى رأس الهرم. كل ذلك من خلال شرعية صناديق الاقتراع الحر والشفاف والنزيه للبدء في إعادة بناء المنهج الديمقراطي الذي حلمنا به عشرات السنين والذي حاولنا بناءه عند قيام السلطة ولكنه تعثر بعد خطواته الأولى!