انتفاضة الرئيس عبّاس: إقالات بالجملة

تنزيل (17).jpg
حجم الخط

بقلم عبير بشير

من ضمن إعادة رسم المشهد في السلطة الفلسطينية، وتجديد شرعية النظام السياسي الفلسطيني في ظلّ غياب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، يستعدّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس لإجراء أوسع التغييرات داخل هياكل السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنيّة والسلك الدبلوماسي والسلك القضائي، وسيطال التغيير إقالة الحكومة الفلسطينية الحالية برئاسة محمد اشتيه، أو سيجري تعديل وزاري وشيك، قبل أن تذهب حركة فتح إلى الخطوة الأهمّ التي تضمن انتقالاً سلساً للسلطة، وهي عقد المؤتمر الثامن لحركة فتح قبل نهاية العام الحالي لاختيار لجنة مركزية جديدة ومجلس ثوري جديد.

ماذا فعل عبّاس؟
أقال الرئيس محمود عباس بشكل مفاجئ معظم محافظي المدن الفلسطينية في الضفّة الغربية وقطاع غزّة بشكل جماعي.
وجاء القرار الرئاسي بإقالة 12 محافظاً فلسطينياً بشكل مباغت للجميع حتى للمحافظين أنفسهم الذين وصلهم نبأ إحالتهم إلى التقاعد من وسائل الإعلام الرسمية. وبموجب المرسوم الرئاسي أحال أبو مازن محافظي غزّة وشمال غزّة وخان يونس ورفح إلى التقاعد، إضافة إلى محافظي جنين ونابلس وقلقيلية وطولكرم وبيت لحم والخليل وطوباس وأريحا والأغوار، واستثنى الرئيس الفلسطيني محافظي القدس ورام الله والبيرة وسلفيت من الإحالة إلى التقاعد.
في السياق ذاته، أعلنت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية أنّها أبلغت عدداً من السفراء ببدء إجراءات إحالتهم للتقاعد. وقالت الوزارة في بيان صحافي إنّه "بناءً على تعليمات الرئيس محمود عباس، قامت الوزارة بإعلام عدد من السفراء، الذين وصلوا سنّ التقاعد أو تخطّوه، بأنّ إجراءات تقاعدهم ستبدأ خلال فترة زمنية من الوقت وحسب الأصول، وسيتمّ إبلاغهم بذلك في حينه". وذكرت مصادر إعلامية محلية أنّ عدد السفراء الذين أُبلغوا بقرار إحالتهم للتقاعد بلغ 30 سفيراً، بينهم 17 سفيراً فوق سنّ الـ 70 عاماً و18 سفيراً فوق سنّ الـ 65 عاماً.
 

هزّة في الأجهزة الأمنيّة
هذا ويستعدّ الرئيس الفلسطيني لإحداث هزّة في الأجهزة الأمنيّة من خلال إحالة عدد من الضبّاط للتقاعد المبكر وتدوير بعض المواقع الأمنيّة، ولإجراء تغييرات واسعة في مجلس القضاء الأعلى.
أثارت هذه الخطوات الكاسحة تساؤلات حيوية وشبكية حول توقيتها ومضمونها في الوقت الذي تُظهر فيه السلطة الفلسطينية ضعفاً عميقاً بعد خسارتها لانتخابات مجالس الطلبة في مواجهة حركة حماس وقوى اليسار في الضفّة.
كشف مسؤول سياسي فلسطيني مطّلع  مغزى هذه الإقالات والتغييرات قائلاً إنّ "إقالة المحافظين هي بداية لموجة من التغييرات الكبيرة خلال المرحلة المقبلة لمواجهة التحدّيات الضخمة". وبحسب المسؤول، جاء قرار الرئيس عباس بداية لسلسلة تغييرات تهدف إلى تحسين مكانة السلطة التي شهدت في الآونة الأخيرة تراجعاً ملحوظاً في ظلّ الاعتراضات الشعبية على سلوكها، إلى جانب غياب الانتخابات. وبرأي المسؤول، كان بقاء عدد من الوزراء والمحافظين والسفراء في مواقعهم لفترات طويلة، مع وجود نفور شعبي من أدائهم، دافعاً للرئيس عباس لإنجاز تلك الخطوة. وأوضح المسؤول أنّ "لدينا 35 سفيراً تجاوزوا السبعين من العمر، ولدينا أعضاء في مجلس القضاء الأعلى تجاوزوا سنّ التقاعد منذ سنين طويلة، ولدينا وزراء ومحافظين سجّلوا إخفاقات كبيرة. وفي ظلّ غياب الانتخابات سيلجأ الرئيس إلى إجراء بعض التغييرات المهمّة المطلوبة، حتى لو بدت دراماتيكية".
من ناحيته، اعتبر مصدر أمني فلسطيني لـ"أساس" أنّ أجهزة مخابرات عربية حثّت الرئيس محمود عباس على خطوة إقالة المحافظين، لأنّها تعتقد بأنّ المحافظين فشلوا فشلاً ذريعاً في منع حركتَي حماس والجهاد من السيطرة على مناطق واسعة في الضفة الغربية، إذ أدّى سوء أداء المحافظين إلى نفوذ متزايد لحركتَي حماس والجهاد الإسلامي اللتين تستغلّان الفوضى الأمنية لتشكيل قاعدة تنظيمية لهما في الضفة الغربية. وأضاف المصدر لـ"أساس" أنّ "أجهزة المخابرات العربية أعربت عن قلقها للرئيس محمود عباس من تراجع شعبية السلطة الفلسطينية، وقصور أداء المحافظين، وخصوصاً بالمجال الأمنيّ الذي تملأه التنظيمات المسلّحة، الأمر الذي يسحب البساط من تحت أقدام السلطة الفلسطينية ويعجّل في انهيارها. وهذا سيناريو مرفوض وخطير لدى العديد من الدول العربية لأنّها تعتبره يهدّد أمنها القومي في الصميم".

الجدير ذكره أنّه جرت العادة في فلسطين أن يأتي معظم المحافظين من الأجهزة الأمنيّة الفلسطينية، بخاصة من جهازَي الأمن الوقائي والاستخبارات العامّة.

التقليل ممّا يحصل
قلّل المحلّل السياسي الفلسطيني طلال عوكل، في حديثه إلى "أساس"، من أهميّة خطوة الرئيس عباس باعتبارها "طبيعية لا تعني وجود تغييرات في مواقف وسياسات السلطة الفلسطينية، أو اتّباع سياسة أمنيّة جديدة سيجري تطبيقها بأدوات جديدة"، معتبراً أنّ التغيير على مستوى المسؤولين هو الأمر الطبيعي لا الاستثنائي. وأضاف عوكل أنّ قرار الإقالة يتمّ بحثه منذ فترة طويلة في المطبخ السياسي، وأنّه ليس جديداً ويهدف إلى "ضخّ دماء جديدة في مفاصل السلطة الفلسطينية".

كانت العديد من الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، طالبت الرئيس الفلسطيني بإجراء الانتخابات والقيام بخطوات إصلاحية من أجل استمرارية الدعم المالي للسلطة الفلسطينية. ويتردّد اسم محمد مصطفى رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني كأحد المرشّحين المحتملين لخلافة اشتيه في رئاسة الحكومة، في حال جرى التوافق على تعديل وزاري شامل، ويبرز ترشيحه في هذا الموقع بعدما أعطت إسرائيل الضوء الأخضر لتطوير حقول الغاز الطبيعي قبالة سواحل غزّة، إذ يعتبر صندوق الاستثمار الذي يرأسه مصطفى منذ عام 2005 ممثّلاً للطرف الفلسطيني في المفاوضات الجارية مع كلّ من مصر وإسرائيل.