العلاقة بين الدولة والمجتمع

تنزيل (4).jpg
حجم الخط

بقلم الدكتور ناجي صادق شراب

 

لعل من أهم المقاربات التي تفسر لنا التطورات السياسية والتفاعلات بكل أشكالها وشكل السلطة وظاهرة الإنقلابات العسكرية وحالات الأستقرار وعدم الاستقرار السياسي وإنتشار ظاهرة العنف السياسي مقاربة العلاقة بين الدولة والمجتمع. هذه العلاقة هي التي تفسر لنا تعدد أشكال وتباين أنظمة الحكم .

 

وبقدر عدد الدول بقدر هذه الأشكال من فرضية أن بيئة السلطة السياسية تختلف بمتغيراتها ومكوناتها من دولة إلى أخرى. فالحكم ركيزته الدولة والتي تقوم على عناصر ثلاث الإقليم وهو حدود الحكم والسلطة والشعب الذي تمارس عليه السلطة والسيادة التي تشكل الإرادة العليا وهي أساس السلطة ومنها تستمد وجودها. 

 

وعليه الحكم تفاعل بين المجتمع والدولة وبقدر قوة المجتمع وتماسكه بقدر الحد من توغل السلطة. 

 

فالمجتمع يمثل الجانب اللاسلطوى للسلطة والحكم والدولة تمثل الجانب السلطوي. والسلطة في أوسع معانيها تعني القدرة على التاثير على ألأخرين والزامهم بما تقرره السلطة من قرارات وقوانين وسياسات.، وتلجأ الدولة في ذلك لإمتلاكها كل عناصر القوة الصلبة من قوة عسكرية أمنية وقوة إقتصادية. 

 

وتحكمها في القوة الناعمة التي هي من ابرز سمات قوة المجتمع. والعلاقة بينهما تأخذ أكثر من شكل، الشكل الأول تغول المجتمع كما في أنظمة الحكم الماركسية الشيوعية ، وتغول الدولة على المجتمع كما في الكثير من أنظمة الحكم في دول العالم الثالث بما فيها النموذج العربي .

 

 والشكل الثالث التوازن في العلاقة والذي تمثله أنظمة الحكم الديموقراطية والرشيده. وهنا تثار العديد من التساؤلات عن شرعية السلطة ونشأتها وفرض طاعتها ، وتاثيرها على شكل المجتمع وفاعليته. وفي هذا السياق تبرز المدرسة السلوكية وان السلوك هو أساس التغيير ومن يحدد العلاقة ، والمدرسة الهيكلية والمؤسساتيه وانها من تحدد العلاقة وتتحكم في مساراتها. فالتغيير يعنى حرية الفاعليين فى ممارسة حقوقهم ، وأما انصار المدرسة الثانية يرون الإلتزام والخضوع لما هو قائم من قوانين وأوامر.

 

 وهناك من يرى أن المجتمع سابق على الدولة وهو من يفرض شكل الحكم :فالمجتمع المتعدد إثنيا ومذهبيا واقليات يفرض شكل الحكم الفيدرالي وعلى العكس المجتمع المتجانس يفرض مركزية السلطة على أساس ان السياسة تعرفنا من يحصل على ماذا ومتى وكيف؟ والسلطة تحكم سيطرتها من خلال سيطرتها على وسائل القسر والإجبار. 

 

وحيث ان العلاقة بينهما علاقة عضوية تكاملية , وان الأساس في العلاقة الحد وكبح جماح السلطة. يبقى شكل التوازان هو الذي يحقق الاستقرار والتنمية واساسه المواطنة الواحدة ومقاربة الحقوق المتساوية.وتتوقف العلاقة على مجموعة من المحددات على مستوى المجتمع والدولة. فعلى أساس المجتمع تبرز عوامل التناسق المجتمعي والحقوق ومستوى التعليم والفقر والبطالة وقوة الثقافة المدنية ومؤسسات المجتمع المدني وقوة القوة الناعمة المتاحة، والتعددية السياسية وهي كلها عوامل ومحددات تزيد من فاعلية المجتمع. 

 

وعلى مستوى الدولة تبرز قوة المؤسسات السياسية ومنظومة القوانين والعلاقة بين العسكر والسلطة ومدنية الحكم والإلتزام بالشرعية السياسة القائمة , وطبيعة العلاقة بين مؤسسات السلطة الثلاث بما يحقق التوازن. وكما نرى الأن محاولة الحكومة الإسرائيلية إجراء تعديلات قضائية بهدف زيادة تغول السلطة التنفيذية وتراجع السلطة القضائية. 

 

وهو ما يفسر لنا الإحتجاجات الشعبية وتعر ض النظام كله لخطر البقاء. وتفسر لنا أيضا ظاهرة الإنقلابات العسكرية في النيجر والصراع العسكري في السودان وظاهرة الحروب الداخلية في العديد من الدول العربية كليبيا والعراق وسوريا وسببها محاولة تغول الدولة على المجتمع دون مراعاة لمحدداته وتطوراته.

 

 وبالمقابل توجد لدينا أنظمة حكم رشيده وفاعله بتحقيق التوازن بين الدولة والمجتمع ، كما في ألنموذج الذي تقدمه الإمارات والذي يقوم على قاعدة حكم رشيد ومجتمع رشيد . 

 

ولعل الإشكالية التي تحتاج منا للفهم والتحليل ان الدولة من تفعل وتخلق عوامل التغير في المجتمع إضافة لتأثير العامل الخارجي ، وبقدر إستجابة الدولة لهذه التغييرات بقدر تحقيق التوازن وهذا من خلال توسيع دائرة المشاركة السياسية والتمكين السياسي لكل الشرائح بما فيها المرأة وتداول السلطة وتحييد دور الجيش في الحياة السياسية. وبقدر تاصيل ظاهرة المؤسساتية السياسية وتقليص ظاهرة الفردانية الشخصانية في الحكم.

 

 ويبقى هناك عامل ثالث لا يمكن تجاهل تأثيره وهو تأثير البيئة الخارجية , وهنا بقدرة قوة العلاقة بين الدولة والمجتمع بقدر تحييد التأثيرات السلبية لهذا العامل الذي يفسر لنا الكثير من التطورات في عالمنا العربي.وهنا أهمية الحفاظ على الدولة لإرتباطها بالقانون وحفظ المجتمع وإستقراره والحفاظ على فاعلية المجتمع الذي يمنح الشرعية والقوة للدولة .

 

 وهذه هي الحلقة المفقودة في السياسة العربية وهي المقاربة المطلوبة لتحقيق الحكم الرشيد الديموقراطي ومجتمع المواطنة الواحدة.