هارتس : حلم القطار الرابط بين الهند والشرق الأوسط: ألغام في الطريق

تسفي-برئيل.jpeg
حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل



الرؤية مثيرة للإعجاب من حيث حجمها. إقامة بنية تحتية لقطارات وموانئ تربط بين الهند ودول الشرق الأوسط وأوروبا – برعاية ودعم الولايات المتحدة – ببنية تحتية تنافس مشروع "الحزام والطريق" للصين، وهو ما يبدو على الأقل في نظر من يسوقون حلم أميركا باعتباره العملية الاستراتيجية الأكثر ثورية في النصف الأول من القرن الواحد والعشرين.
بالنسبة لإسرائيل هذا يمكن أن يكون البشرى السياسية والاقتصادية الأكثر أهمية التي ستدمجها بشكل كامل، ليس فقط في الشرق الأوسط بل أيضا في آسيا.
لكن قبل بدء الخيال في وصف قوافل القطارات التي ستخرج من أبو ظبي والرياض نحو الأردن ومن هناك إلى بيسان وموانئ اسرائيل، من الجدير أخذ نفس عميق وفحص حقول الألغام التي تنتظر هذا الحلم.
من أجل أن تكون إسرائيل شريكة فإنه مطلوب تطبيع كامل بينها وبين السعودية.
في مؤتمر "جي 20" الذي عقد في نهاية الأسبوع الماضي في نيودلهي لم يتم قول أي شيء عن تقدم أو انعطافة ستؤدي إلى هذا التطبيع. اكتفى مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك ساليبان، بأقوال بحسبها "هذا الممر سيعمل على أساس جغرافي بصورة ممتازة إذا كانت إسرائيل داخله وليس في خارجه، وأن الدول المشاركة تعتبر ذلك أفضلية".
ولكنه أوضح بأن هذا المشروع لا يبشر بالتطبيع مع السعودية.
في هذه الأثناء يتعلق هذا التطبيع بالأساس بقدرة واستعداد رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، على إعطاء ردود مقنعة بما فيه الكفاية على طلبات الفلسطينيين، والتغلب على السور المفخخ الذي وضعه أصدقاؤه في الحكومة أمام تقديم أي تنازلات.
على أي حال، هذا المشروع غير مرتبط بالتطبيع بين اسرائيل والسعودية، وهو لن ينهار في ظل غيابه.
استهدف المشروع الأميركي إقامة منظومة دفاع اقتصادية واستراتيجية ضد النفوذ الأمني والاقتصادي للصين في المنطقة، لكن أيضاً أمام مثل هذا الطموح تقف عدة عوائق عالية. توجد للصين شبكة علاقات متشعبة مع السعودية، أيضاً الإمارات توجد لها علاقات تجارية متشعبة مع الصين.
وتوجد لإيران، التي وقعت مع الصين على اتفاق، استثمارات بمبلغ 400 مليار دولار في غضون 25 سنة.
الهند الدولة الرائعة أكثر لكونها دولة رئيسة لإقامة المشروع، ويبدو أنها حليفة الجميع. توجهها أميركي ولذلك صرحت أيضاً بأنها تريد الاستمرار في إدارة سياستها. وهي زبون مهم جداً لصناعة السلاح الإسرائيلية بمبلغ مليار دولار في السنة.
إضافة إلى ذلك فإن الهند وإسرائيل تقومان بإنتاج السلاح والوسائل القتالية في شبه القارة. وتشغل الهند أيضاً مدربين من إسرائيل، وهناك مناورات عسكرية مشتركة بينهما.
هذه الدولة أيضاً هي عضو مؤسس في منتدى الـ "آي 2 يو 2"، الذي تم تأسيسه في 2021 مع الإمارات والولايات المتحدة بهدف تشجيع استثمارات مشتركة والتعاون في مجالات مدنية.
في الوقت ذاته توجد للهند علاقات وثيقة، اقتصادية وعسكرية، مع إيران. فالهند استثمرت عشرات مليارات الدولارات في تطوير حوض للناقلات في ميناء شهبهار، الذي يستخدم نقطة انطلاق للبضائع من الهند إلى دول وسط آسيا.
وفي حزيران ناقشت الدولتان اتفاقا بعيد المدى تستطيع فيه الهند الحصول على السيطرة على نصيب أكبر في الميناء.
بالمناسبة، حصلت الهند على إعفاء من العقوبات الأميركية بسبب استثمارها في الميناء في إيران، لأن هذا الميناء يتوقع أن ينافس الميناء الذي تقيمه الصين في باكستان.
هل سيطلب من الهند التنازل عن نصيبها في الميناء الذي تقيمه في إيران من أجل الانضمام لمشروع القطارات والموانئ الجديد؟ ليس بالضبط. هي أيضاً لن تضطر إلى التنازل عن مشروع مهم آخر للمواصلات وهو الممر الشمالي – الجنوبي الذي يربط بين روسيا، إيران، الهند، وباكستان.
في الحقيقة ما زال هذا المشروع متعثراً لأنه لا توجد لإيران الأموال المطلوبة لاستثمارها في البنية التحتية للمواصلات، لكن روسيا دخلت إلى هنا، واستثمرت في السابق على الأقل في جزء من هذا المسار الذي تم تدشينه في تموز 2022 والذي من خلاله انتقلت بضائع روسية إلى ميناء بندر عباس في إيران ومنه عبر البحر إلى الهند.
شبكة العلاقات المتشعبة للهند تستند إلى الاستراتيجية التي صاغها قبل ثلاث سنوات وزير الخارجية الهندي، س. جايشنكار، والتي بحسبها لن تكون الهند في أي يوم جزءا من أسلوب الكتل.
أي أن الهند ستدير سياسة خارجية مستقلة، لا يتم إملاؤها عليها من قبل انتماء "للكتل"، الشرق أو الغرب، روسيا، الصين أو الولايات المتحدة.
علاقات الهند مع الصين توجد بشكل دائم على شفا الأزمة بسبب النزاعات على الحدود في شمال الهند.
وغاب رئيس الصين عن اجتماع "جي 20"، لكن الدولتين عضوان مؤسسان في "البريكس" وعضوان في منظمة التجارة في شنغهاي، التي انضمت إليها إيران في هذه السنة.
تثير شبكة العلاقات المعقدة للهند سؤالاً: إلى أي درجة هي بحق سترغب في الانضمام لحملة بايدن ضد الصين؟ إذا كان هذا السؤال لا يقلق بشكل خاص إسرائيل فيجب عليها أن تسأل نفسها إلى أي درجة يتوقع أن يخدم مشروع بايدن أيضا توق إسرائيل إلى تأسيس تحالف مناوئ لإيران من جديد.
الهند، التي باركت استئناف العلاقات بين السعودية وإيران، لا تنوي أن تكون جزءا في لعبة إسرائيل الاستراتيجية.
السعودية والإمارات انسحبتا في السابق من التحالف المناوئ لإيران. ومصر من شأنها أيضاً أن تستأنف علاقاتها مع طهران.
بالنسبة لهذه الدول، ويبدو أنه أيضاً بالنسبة لواشنطن، لم تعد إيران تمثل كل شيء.
من هنا فان مشاركة إسرائيل في مشاريع استراتيجية إقليمية لا تعتبر أساساً حيوياً لا يمكن العمل دونه.
على هذه الخلفية يبدو أن سؤال التطبيع مع السعودية أيضاً، الذي أهميته الاستراتيجية بالنسبة لإسرائيل كبيرة، أصبح سؤالاً ثانوياً أمام هدف الولايات المتحدة الأساسي وهو محاربة الصين.
إسرائيل، التي تدعي بدرجة معينة من الصحة بأن القضية الفلسطينية لا تفشل علاقاتها مع دول المنطقة، يمكنها أن تدرك في هذه المرة بأن رام الله تلقي بظلال كبيرة على عضويتها الاستراتيجية في خطوات إقليمية مصيرية.

عن "هآرتس"