في مثل هذا الأسبوع قبل 30 سنة وُقّع في ساحة البيت الأبيض على اتفاق أوسلو، الذي كان معداً ليأتي بحل للنزاع الدموي بيننا وبين الفلسطينيين. غير أن الطريق إلى جهنم مبلطة بالنوايا الحسنة، وعمليا أبعد الاتفاق السلام، ولعلّه جعله هدفا غير قابل للتحقق.
في إحدى لحظات الذروة في الانتفاضة الثانية تباهى محمد دحلان، رجل السلطة الفلسطينية، المعروف حتى اليوم بعلاقاته الطيبة مع إسرائيل، بالإنجازات التي منحها اتفاق أوسلو للفلسطينيين. على حد قوله، في الانتفاضة الأولى كان عدد المصابين الإسرائيليين متدنيا، وفي المقابل أثناء الانتفاضة الثانية ارتفع تقريبا عشرة أضعاف إلى أكثر من 1200 قتيل وذلك على حد قوله بفضل اتفاق أوسلو الذي منح الفلسطينيين مجال عمل آمنا: التهديدات، التسلح والاستعداد للعمليات.
جاء اتفاق أوسلو في اللحظة القاسية لـ م.ت.ف، في اللحظة التي كانت فيها المنظمة ملقاة على الأرض، تعيش عزلة إقليمية ودولية. فقد فقدت المنظمة سيطرتها في "المناطق"، وكانت الانتفاضة الأولى، التي علقت عليها آمالها، في حالة خبو.
من ناحية الفلسطينيين كان هذا اتفاقا هدفه إنقاذ م.ت.ف، ولهذا السبب فقد حيك ليتناسب ومقاييس قادة م.ت.ف الذين كانوا يستقرون في حينه في تونس وكان بعيداً عن أن يلبي تطلعات واحتياجات السكان الفلسطينيين في "المناطق".
ينبغي الاعتراف بأن الأيام الطيبة التي شهدها الفلسطينيون كانت بالذات في سنوات ما بعد حرب "الأيام الستة"، عندما أزيلت الحواجز وفتحت الحدود، واندمج سكان الضفة وغزة في نسيج الحياة الإسرائيلي، وعلى الأقل في الاقتصاد وفي سوق العمل.
جذر المشكلة في هذا الاتفاق كان افتراض الموقعين عليه من الجانب الإسرائيلي بأن النزاع مع الفلسطينيين هو نزاع حدود، كذاك الذي كان لنا مع مصر، والذي يختلف فيه الطرفان على قطعة أرض تقع على حدودهما، وبالتالي مطلوب حل وسط إقليمي لأجل تسوية النزاع. أما عمليا، فكان هذا نزاعا وجوديا يتصارع فيه الطرفان على "بلاد إسرائيل" كلها ومن المشكوك فيه إذا كانت القيادة الفلسطينية، وتلك الإسرائيلية اليوم أيضا، تريدان أو تستطيعان على الإطلاق اتخاذ القرارات الواجبة لأجل إيجاد حل لمثل هذا النزاع.
خطأ آخر كان الاعتقاد الساذج في أنه إذا ما ترك الفلسطينيون والإسرائيليون يعيشون واحدا إلى جانب الآخر، وفي واقع الأمر واحدا داخل الآخر، ففي أثناء سنوات أوسلو سيتغلبون على رواسب الماضي، وسيكتسبون أمن وثقة الواحد بالآخر. أما عمليا فقد أدى الأمر إلى النقيض التام، وليس صدفة أن قاعدة حديدية في حل النزاعات هي أن أسوارا عالية هي الضمانة لعلاقات جيرة طيبة.
لقد صفى اتفاق "أوسلو" بجرة قلم أحد الإنجازات الكبرى لدافيد بن غوريون أثناء "حرب الاستقلال".
خلال السنين رفعت فيها الوطنية الفلسطينية رأسها، لكن في اتفاق "أوسلو"، الذي وقع من خلف ظهر الأردن، رفعت إسرائيل مستوى م.ت.ف إلى مكانة شبه دولة. لكن المهم هو ليس فقط ما كان بل ما ينبغي عمله من هنا لاحقا.
استهدف اتفاق أوسلو أن يؤدي، حتى لو لم يعترف الموقعون عليه بذلك، إلى إقامة دولتين – إسرائيل والى جانبها دولة فلسطينية.
ويدل انهيار مسيرة أوسلو على أن حلا كهذا لم يعد عمليا. لهذا السبب يجدر التركيز على إدارة النزاع، وليس على الجهد للوصول إلى حله. فمثل هذا الجهد حكمه أن يفشل وهو سيوقف فقط توقعات ستتبدد وتؤدي إلى عنف و"إرهاب".
يجدر بنا أن نسأل أنفسنا إذا كان الوضع القائم – الذي على ما يبدو سيتواصل لسنوات طويلة أخرى – يخدمنا، وإذا كان يمكننا أن نتحمل ثمنه. من جهة، نزف لا يتوقف و"إرهاب" وكذا سيطرة غير مباشرة على ملايين الفلسطينيين، ومن جهة أخرى قدرتنا على أن نواصل التمسك ودق الأوتاد في "المناطق".
وإذا كان الجواب سلبيا، فإن على إسرائيل أن تفكر من خارج الصندوق وتبحث عن حل واقعي وألا تسير أسيرة خلف هذيانات مسيحانية، حل يضمن أمنها وسيطرتها في "المناطق" الحيوية والعزيزة عليها أيضا.
عن "إسرائيل اليوم"