الابرة التي تبحثون عنها في كومة القش

lFDcS.png
حجم الخط

بقلم حمدي فراج

 

لا يفترض ان تكون هناك أية شكوك قد تبقت لدى قيادات الشعب الفلسطيني السياسية والاجتماعية و الفكرية بعد سبعين سنة من قيام الدولة العبرية على ارضهم ، و حوالي نصفها قبل القيام ، حول الجرائم التي ترتكب ، و المكائد التي تحاك ضد الشعب الفلسطيني بتورط هذه الدولة في نسجها وارتكابها والوقوف خلفها ، فكل شيء تقريبا يفضحها . نتحدث هنا عما يدور في مخيم عين الحلوة جنوبي لبنان ، و بعد أيام تحل ذكرى مجزرة مخيمي صبرا و شاتيلا ال 41 ، التي حاولت إسرائيل التنكر من ارتكابها ، و ما كان يمكن ارتكابها بدون ان تعرض نفسها لأي مساءلات دولية قبل ان تحتل عاصمة لبنان . قتل ياسر عرفات في مقره بالسم الزعاف ، و بعد أيام تحل ذكرى محاولة اغتيال خالد مشعل في عاصمة الأردن ال 25 بأوامر مباشرة من نتنياهو الذي كان آنذاك رئيسا للوزراء ، لكن ليس بائتلاف فاشي كما هو اليوم .

 

استغرق كشف النقاب عن جريمة تعرية خمس نساء فلسطينيات في مدينة الخليل ، نحو شهرين ، لأن الفلسطينيات عموما يخجلن التحدث عن شأن من هذا القبيل ، يعضضن على جرحهن الغائر و يكظمن غيظهن "لأن الله أمرهن بالستر" حتى على عدو بهذه الاخلاق و هذه الدونية ، و بالمناسبة فإن الذي كشف عنها مؤسسة حقوقية إسرائيلية في جريدة إسرائيلية ، و يذكّرنا هذا بالمصور الصحفي الإسرائيلي "أليكس ليفاك" الذي التقط صورة للأخوين أبو جامع من غزة اللذان اختطفا باص إسرائيلي ثمانينات القرن الماضي و هما معتقلان يسيران جنبا الى جنب مع مدير الشاباك "أفراهام شالوم" قبل ان تعلن الحكومة برئاسة شامير عن مقتلهما في تبادل اطلاق النار معهما .

 

شهيد العروب الأخير "ميلاد الراعي" طفل في الخامسة عشرة قنص في ظهره ، و كان بالإمكان "تحييده" بقنصه في الجزء الأسفل من جسمه فيبقيه القناص على قيد الحياة ، خاصة انه لم يكن ليشكل خطرا على أحد لطالما انه أدار ظهره لهم . و مع ذلك لم تخجل وسائل اعلامهم "الديمقراطية" من ان تقول : مقتل مخرب قرب العروب.

 

الاسرى في سجون هذه الدولة ، بالآلاف ، محكومون بالقوانين العسكرية الانتدابية ، بالمؤبدات ، البعض منهم امضى ثلاثة عقود وأربعة، مقتصرة زيارتهم على القربى من الدرجة الأولى "العائلة النووية" ، اما بقية افراد العائلة الموسعة كالجد والجدة و العم والعمة و الخال و الخالة .. الخ فهم محرومون منها ، و مع ذلك يأتي الوزير العتيد بن غفير ليجعل زيارتهم كل شهرين بدلا من كل شهر ، لكنه قبل ذلك اغلق عليهم افران الخبز و قنن استخدام المياه في الحمامات و ألغى التسريح المبكر .

 

أما الباحثون عن السلام ، فانهم للأسف يبحثون عن ابرة ضاعت في كومة من القش في حديقة البيت الأبيض ، و التي بعد أيام تمر ذكراها ال 30 ، "أوسلو" ، و انتقلوا للبحث عنها في كومة العقبة و شرم الشيخ ، ما لم يجدوه في اوسلو وواشنطن ، لن يجدوه في العقبة و شرم الشيخ ، لانهم في الحقيقة لا يبحثون عن ابرة ، بل عن قشة على شكل إبرة في أكوام من القش .