هل اتفاقية أوسلو سفينة تايتانك؟!

تنزيل (6).jpg
حجم الخط

بقلم توفيق أبو شومر

 

 

 

يختلف تقييم اتفاقية أوسلو من وجهة النظر الإسرائيلية عن تقييم الفلسطينيين والعرب ودول العالم، أما العقيدة السائدة أو الاستراتيجية الرئيسة عند معظم الإسرائيليين، بخاصة في ظل حكومة اليمينيين الحالية هي أن الغالبية العظمى من السياسيين الإسرائيليين يُجمعون على أن اتفاقية أوسلو التي مرَّ على توقيعها ثلاثون عاماً هي إحدى أكبر الكوارث على إسرائيل، وقد أكَّد أحد الليكوديين البارزين، وهو من مستشاري نتنياهو، وهو رئيس أهم جمعية لتهجير يهود العالم إلى وطننا، وهو، متشل فروند، أكَّد على العقيدة السابقة في مقالٍ له في صحيفة الجروسالم بوست يوم 10-9-2023، شبَّه اتفاقية أوسلو بسفينة تايتانك الغارقة، وأنها شجعت الإرهاب، حين سمحت للفلسطينيين (الإرهابيين) أن يعودوا ومعهم الذخيرة والسلاح. أورد متشل فروند إحصاءً عن عدد القتلى الإسرائيليين يؤكد نظريته: "قُتل في الخمس السنوات الأولى من اتفاقية أوسلو 279 إسرائيلياً، وهذا العدد أكبر مما قُتل من الإسرائيليين في خمسة عشر سنة قبل توقيع اتفاقية أوسلو، فقد بلغ عدد القتلى الإسرائيليين خلال 15 سنة، قبل اتفاقية أوسلو 254 إسرائيلياً فقط"!
ردد الكاتب ادعاءات إسرائيل الرسمية، وهي أن السلطة الفلسطينية تُحرِّض على القتل، وتدعم الإرهابيين بالمرتبات والمزايا، وكذلك فإن غزة تُطلق الصواريخ على المدنيين!
أورد كل ذلك ليؤكد مطالبه بأن تُعلن إسرائيل لأميركا والعالم، بأن حل الدولتين أصبح مستحيلاً، وهو لا يكتفي بذلك، بل إنه يعتبر حل الدولتين أكبر النتائج الكارثية أكبر من الاتفاقية نفسها، أوسلو أفرزت شعار (حل الدولتين) هذا الحل لم يعد شعاراً بل أصبح حلاً مُتبنَّى من أميركا وأوروبا ومعظم دول العالم!
وهو أيضاً يُحذر الإسرائيليين من توقيع أي اتفاقية سلام لأن السلام سرابٌ خادع، وهو أيضاً يردد ما زعمته إسرائيل، أن الفلسطينيين أعداء السلام، لأنهم رفضوا مشروع إيهود باراك للسلام، ورفضوا أيضا عروض إيهود أولمرت رئيس الوزراء الأسبق، وكأن أولمرت وباراك قدما مشروعا وتنازلات للفلسطينيين!
 أشار الكاتب إلى أن رابين وبيريس اللذينِ وقعا اتفاقية السلام جلبا الكارثة على إسرائيل!
أوردتُ شطراً من هذا المقال لأنه يمثل وجهة نظر الأكثرية في حكومة نتنياهو!
لم يكتفِ متشل فروند بنقد الاتفاقية، بل إنه وضع إستراتيجية وخطة طريق لكل حكومات إسرائيل، وهي: لا للتفريط في أمن إسرائيل بالاعتماد على الضمانات الأميركية والدولية، يجب أن يظل الأمن في يد إسرائيل وحدها فقط، أما الاستراتيجية الثانية فهي منع أية حكومة من العودة إلى اقتراح حل الدولتين، لأن التاريخ لم يحفظ في سجله تأسيس أية دولة فلسطينية، إن حل الدولتين كارثيٌّ على إسرائيل، لأن ذلك سيمنع أصحاب الأرض الإسرائيليين من البناء في أرضهم، أما الإستراتيجية الأخرى فهي استراتيجية الاستيطان المركزية، ملخصها، الإسرائيليون هم أصحاب الأرض فقط، وكأن أصحاب الأرض الفلسطينيين أصبحوا في عقيدة هذه الحكومة غُزاة أرض إسرائيل!
أما نحن فقد اكتفى ناقدو هذه الاتفاقية من الفلسطينيين، بمن فيهم معظم من وقَّعوا عليها، وأبرزهم الرئيس أبو عمار نفسه اكتفوا بنقد الاتفاقية أو بعض بنودها، واكتفوا بتبرير ظروف توقيعها، وبأنها كانت هي الخيار الوحيد أمام النضال الفلسطيني المهدد بالتصفية في معظم بلدان العالم، فمن قائلٍ: إنها كانت أسوأ كوارث التاريخ الفلسطيني، ومِن قائلٍ إنها كانت ناتجة عن مؤامرةٍ دولية وكلُّ مَن وقعوها متآمرون!
وما أكثر الذين نحتوا تبريراتٍ تسوِّغ توقيعها وجدتْ قبولا، وكان من أبرز تلك التبريرات، أنها سمحت للفلسطينيين المناضلين أن يعودوا لممارسة نضالهم في وطنهم، وليس في أوطان المنفى الأخرى!
نعم مرتْ ثلاثون سنة على توقيع اتفاقية أوسلو، فهل كانت هذه الاتفاقية إنجازا تاريخيا فلسطينيا، أم أنها كانت كارثة فلسطينية أيضا؟! لم يُناقش هذا الموضوع مناقشة كافية، تضع في الختام استراتيجيات فلسطينية نضالية يمكنها أن تقود  النضال الفلسطيني، فمعظم الدراسات الفلسطينية كانت تؤكد فقط على بندٍ واحد وهو إنهاء حالة الانقسام!
أغفلتْ معظم الدراسات الفلسطينية اقتراح بند إجراء الانتخابات، لأن الانتخابات تشبه الجرافات التي تمهد الأرض للبناء، وتعيد تأسيس التربة الوطنية الفلسطينية، وهي تعيد صياغة وسائل النضال الفلسطيني!
كذلك لم يتنبه كثيرون من محللي السياسة الفلسطينيين، أن اتفاقية أوسلو جاءت في إطار مشروعٍ دولي جديد وخطير في الوقت نفسه، بدأ هذا المشروع في الألفية الثالثة بعد فشل مشاريع التسوية السياسية، تحت شعار شرق أوسط جديد بدون قضية فلسطين باعتبارها قضية فلسطينية وعربية ودولية حقوقية، أي تحويل قضية فلسطين من قضية حقوق وطنية إلى قضية ثانوية اقتصادية، هدفها تحسين ظروف أصحاب الأرض الفلسطينيين، بتلبية حاجاتهم البيولوجية من الطعام والدواء والكساء، أما الهدف الرئيس هو نزع القضية الفلسطينية من أجندة العرب والعالم، وتحويلها من قضية حقوقية عربية ودولية مقدسة إلى قضية ثانوية مُدنَّسة تُعطِّل مسار عربة العالم المتحضر، يجب وضعها في إطار جديد شعاره دعم وإغاثة، وتمويل مشاريع الحياة اليومية، وهي كل الحقوق الفلسطينية!