حدث جدل على صفحات "هآرتس" في الآونة الاخيرة بين ميخائيل سفارد، الذي زعم أن "الاحتلال سينتهي في يوم ما" وأنه "حينما يحدث هذا سيتبين أن الجميع ضده"، وبين جدعون ليفي، الذي زعم أن "الاحتلال لن ينتهي في أي يوم" وأن "اسرائيل قادرة على الاستمرار فيه كما تريد، فلماذا تنهيه؟". ربما يكون الاثنان مخطئين. تحليل الوضع الجيوسياسي في الضفة سيظهر أن الاحتلال منذ زمن لم يعد احتلالاً. لم يتم حسمه ولم يتم الغاؤه، بل تطور إلى المرحلة التالية: سيطرة كولونيالية مدنية ومعها عملية ابرتهايد زاحفة باتجاه كافة الأماكن الموجودة تحت سيطرة اسرائيل بين البحر والنهر. اليسار الاسرائيلي، الذي يحارب هذا الوضع الصعب، يجب أن يتأقلم مع تغيير الواقع وأن يتبنى مفاهيم جديدة: لا مزيد من "الاحتلال" الذي هو ليس قائما وبحد ذاته يمكن أن يكون قانونياً بل "ابرتهايد" يتشكل أمام ناظرينا، وهو جريمة دولية خطيرة. الاحتلال هو حالة سيطرة عسكرية مؤقتة وخارجة عن مناطق سيادة الدولة. مميزات السلطة الاسرائيلية في معظم مناطق الضفة عكسية: السيطرة هي مدنية، دائمة (حسب تصريحات قادتها) وداخلية. يسكن مئات آلاف المواطنين الاسرائيليين بشكل دائم في الضفة (بما في ذلك القدس ووراء الخط الاخضر)، وتوجد معظم اراضي الضفة تحت سيطرة مجالس اسرائيلية. المواطنون الاسرائيليون في الضفة يحاكمون حسب القانون الاسرائيلي، ويصوتون للكنيست، واكثر من مليون دونم، ارض فلسطينية عامة وخاصة، مسجلة على اسم الدولة، وهي تعتبر عقارات قابلة للبيع والشراء في اسرائيل. تسيطر اسرائيل على الخروج والدخول للبضائع والضرائب، وعلى السياحة والتجارة وتسجيل الولادات والأموات في "المناطق". يوجد حصار على غزة، وتكمل السلطة الفلسطينية و"حماس" المعادية ايضا الصورة لتمدن الاحتلال، بكونهم أطر سلطة خاضعة للاطار الاسرائيلي. الضرر الاساسي بحقوق الانسان وحواجز اقامة الدولة الفلسطينية ليست نتيجة للحكم العسكري، بل تنبع من عملية المواطنة. حاول اليسار الاسرائيلي دائما الفصل: الديمقراطية "هنا" والاحتلال "هناك". ولكن حسب المعطيات فان هذا الفصل قد تلاشى منذ زمن، حيث خلقت اسرائيل مكانا مدنيا يهوديا متواصلا. أما الفلسطينيون فيعيشون في كانتونات منفصلة وغيتوات. صحيح أن مواطني اسرائيل يتمتعون من الاقتصاد المزدهر والتشريع المتطور الذي يدافع عن حقوق النساء والمهاجرين، لكن توجد للعرب مواطنة جماعية متدنية في الدولة اليهودية. وهذا يرتبط بشكل وثيق بكونهم فلسطينيين. في ظل هذا الوضع الجغرافي السياسي، لا مجال للحديث عن ديمقراطية رغم وجود انتخابات في اسرائيل. لأن الانتخابات الديمقراطية الحقيقية ستسقط اليمين من السلطة: لو كانت الانتخابات تتم داخل الخط الاخضر فقط، أي في المناطق السيادية الاسرائيلية كما هو جدير بالديمقراطية، لكان اليسار – الوسط سيكسب في جميع الانتخابات منذ مقتل رابين باستثناء انتخابات واحدة (2001 حيث هزم شارون اهود باراك داخل الخط الاخضر ايضا، ومن اسباب ذلك مقاطعة العرب في اسرائيل للانتخابات). واذا تمت الانتخابات بمشاركة جميع السكان الذين تسيطر عليهم اسرائيل (يهودا وعربا) كما يفترض أن تكون الانتخابات العامة، فمن المرجح أن اليمين سيخسر. ومع ذلك فهو موجود في السلطة منذ عشرات السنين، وهو يستخدم مفهوم الديمقراطية بشكل هزلي. حسب القانون الدولي، الدولة التي تضم مناطق خارج حدودها تسمى كولونيالية، جنوب لبنان كان مثالا للاحتلال العسكري، أما في الضفة الغربية فتوجد كولونيالية. تريد خلق استقرار لفترة طويلة من الوقت، والمحافظة على امتيازات المجموعة المسيطرة، وهكذا يتكون نظام الابرتهايد. الابرتهايد في الضفة يتسلل الى كافة "المناطق" بين البحر والنهر، يحدث هذا في الضفة مع توسيع المستوطنات اليهودية ومحو الفارق بين "هناك" و"هنا"، وهذا يحدث غرب الخط الاخضر مع طرائق القمع التي تنتقل الى اسرائيل مثل ملاحقة منظمات حقوق الانسان وطرد البدو من اراضي آبائهم. النمو الاقتصادي اللافت لاسرائيل أدخل مصادر ضخمة بالذات لليهود على جانبي الخط الاخضر، وهذا التفضيل زاد من عملية "التطور المنفصل" الذي يميز انظمة الابرتهايد. هذه العمليات تخلق انواع مواطنة مختلفة، تذكر بجنوب افريقيا في السابق: اليهود بين البحر والنهر هم مواطنون "بيض" والعرب في اسرائيل لهم مواطنة "ملونة"، أي جزئية، والفلسطينيون في "المناطق" لديهم مواطنة "سوداء" بدون حقوق سياسية. ما العمل، اذاً؟ أولا يجب تسمية المشكلة باسمها. أي أن على معارضي الاحتلال تعديل وصف الظاهرة والتسلح بالادوات القانونية والسياسية التي تُمكنهم من محاربة هذه الظاهرة. الاحتلال العسكري يمكن تبريره كأمر ضروري وقانوني كما يفعل الكثيرون في اسرائيل. أما الكولونيالية والابرتهايد فهما ليسا قانونيين ولا ديمقراطيين. ان استخدام هذه المفاهيم سيعزز النضال بشكل كبير. ثانيا، بسبب التاريخ والجغرافيا المعقدة، يجب التفكير بطرق جديدة وابداعية لا تقتصر على حلول مثل الانسحاب أحادي الجانب. مثال على ذلك حركة "دولتين ووطن واحد" التي قامت في الاونة الاخيرة، والتي تقترح حلم توحيد اسرائيلي- فلسطيني، حيث تقام دولتان على اساس الخط الاخضر الذي يتحول الى حدود مفتوحة مع حرية الحركة، وتكون القدس عاصمة مشتركة وموحدة للدولتين. ولكن بغض النظر عن طبيعة الحل، على المجتمع الاسرائيلي أن يكف عن وضع رأسه في الرمل، وأن يفهم أن الابرتهايد هو التهديد الامني الأخطر على جميع سكان البلاد – "بيض" و"ملونون" و"سود".