قرأت بأسف مقالة جدعون ليفي حول المؤتمر السياسي لحزب العمل. الأسف لأن ليفي، الذي كان ذات يوم بوصلة اخلاقية، تحول الى بوصلة معطوبة: في جميع الحالات وبغض النظر عن الملابسات والواقع، فان بوصلة ليفي تعبر عن السلبية واليأس وأبعد كثيرا من حدود اليسار المعافى والجدير، والشعور بالارتياح لأن ليفي يتعامل معي ومع قيادة الحزب بتعال واستخفاف لدرجة تقترب من التحريض، وحينما يحدث هذا فمن الواضح أننا قمنا بعمل شيء في الاتجاه الصحيح. النقاش الفكري في مؤتمر الحزب كان مشهداً لم نر مثيلا له في أي حزب اسرائيلي في السنوات الاخيرة، بما في ذلك حزبه. هذا النقاش الذي حضرت له منذ عامين ودفعت باتجاه أن يحدث. صحيح ما يقوله الصحافيون عن السياسيين الذين يقضون معظم وقتهم في الصفقات، وها هو حزب كامل ومئات النشطاء وقادة جمهور من جميع البلاد يجتمعون للنقاش بعيداً عن الصفقات والمعسكرات، بل نقاش فكري وقيمي. نقاش يخرج منه الحزب وهو يحمل اقتراحات جيدة ومناسبة ومبادرة لتشكيل البديل عن الخوف وغياب الأمل لبنيامين نتنياهو ومعسكر اليمين. أما ليفي؟ متعال، مستخف. إنه لا يعرف كما يبدو كيفية تقبل ذلك، أو أنه يعرف لكنه قرر عدم السماح للحقائق بأن تشوشه. بالنسبة لليفي، أي خطة سياسية تعتمد ايضا على الاهتمام بالمصالح الامنية الاسرائيلية والحفاظ على الاغلبية اليهودية في الدولة مرفوضة أساسا. حتى لو كانت نتيجتها على المدى البعيد انهاء الصراع واقامة دولة فلسطينية كما هو مكتوب بالاسود والابيض في خطتنا. يبدو احيانا أن ليفي لا يهتم بالفلسطينيين الذين يتحدث عنهم منذ سنوات مثل اولاد معفيين من المسؤولية عن افعالهم. ما يهمه فقط هو مناهضة اسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية ومناهضة مصالح اسرائيل الامنية من اجل تعزيز صورته كمحارب من اجل العدالة في نظر مؤيديه من حركة المقاطعة. إن الخطة التي تبناها حزب العمل تعود وتؤكد التزام الحزب بحلم الدولتين، وتضع طريقة واقعية للوصول الى ذلك بعدة مراحل. المسألة هي أنه، على عكس ليفي، لا توجد لنا وصفة سحرية. نضغط على الزر وفجأة تقام الدولتان وتعيشان بجانب بعضهما بسلام. اذا كان يوجد لليفي وصفة كهذه فلماذا لا يقوم باستخدام هذا السحر؟ لقد اقترحنا في الخطة وقف البناء في المستوطنات وتفكيك البؤر غير القانونية والعودة بشكل رسمي الى مبادرة السلام العربية وخلق فصل امني بيننا وبين الفلسطينيين، بما في ذلك اعطاء السيطرة للسلطة الفلسطينية في هذه "المناطق". ما هي مشكلة ليفي في ذلك؟ الجواب هو أنه بالنسبة له فان دولة فلسطينية في الضفة وغزة هي كفر بما هو اساسي، والذي هو القضاء على الفكرة الصهيونية والقضاء عمليا على اسرائيل واقامة دولة ثنائية القومية مع اغلبية عربية. في ظل غياب من يشتري بضاعة ليفي فانه يذهب باتجاه الاهانات الشخصية الرخيصة. كل نشيط هو منفذ صفقات وكل قول هو تزوير وكل مبادرة سياسية هي محط سخرية. وقد وصل الى الذروة عندما وصف أحد نشطاء الحزب بأنه "شاب محلوق الرأس". عندها، ولأنه لم يكتف بالمقارنة الرمزية مع النازيين الجدد، قام بمقارنة الحزب بكوريا الشمالية وليس أقل من ذلك. جدعون ليفي لم يعد يساراً منذ زمن، كاليسار الذي أنتمي اليه. لقد تحول الى حصان طروادة، تسلل الى معسكرنا من اجل التخريب من الداخل وتشويه الصورة أمام الجمهور. وللأسف الشديد هو ينجح احيانا. ففي الانتخابات الاخيرة قدم خدمة لنتنياهو. اليسار الخاص بي وبحزب العمل اقام هذه الدولة وهو يحبها من اعماق قلبه وهو يريد ضمان مستقبلها وأمنها ومصلحتها – وليس القضاء عليها. ليفي واصدقاؤه هم الحلفاء الخفيون لليمين المتطرف الغريب، شركاؤه في مؤامرة الدولة ثنائية القومية التي ستعود بالدمار على الحلم الصهيوني لو تركت لهم فرصة ذلك. أفتخر بأن اكون سكرتير عام حزب العمل وأتمنى أن يأتي اليوم الذي يناقش فيه حزب السلطة ايضا القيم لساعات من اجل طرح خطة لحل الصراع. ولن تضر ليفي المشاركة في نقاش كهذا – حتى لو تم بينه وبين نفسه فقط – بدل الاستمرار في أحلام اليقظة. ليجرب ذلك. فالأمر جدير.