خزعبلات المشاركة في انتخابات بلدية القدس

image_processing20230407-280474-q4ljnr.jpg
حجم الخط

بقلم المحامي إبراهيم شعبان

 

يشهد اليوم الأخير من شهر تشرين الأول – أكتوبر من العام الحالي، إنتخابات بلدية شاملة لكل مدن الكيان بما فيها بلديات عربية عديدة في الداخل، عبر أسلوب التمثيل النسبي ووفق القانون الإسرائيلي النافذ،. كما تشهد بلدية القدس المحتلة انتخابات مماثلة وفي ذات التاريخ.


ونظرا لأن هذه الإنتخابات البلدية كانت مقاطعة من الجمهور الفلسطيني المقدسي على مر عشرات السنين، رغم دعوات الترغيب والترهيب من قبل السلطة الحاكمة، فقد قامت فئة تزعم الحرص على حقوق المواطنين المقدسيين الفلسطينيين وتستغل أوضاعهم المأساوية، بالدعوة للمشاركة في تلك الإنتخابات البلدية القادمة لتزيل المظالم التي لحقت بهم ، مع أنهم مقيمون وليسوا بمواطنين وفق القانون الإسرائيلي،


ولم تنس تلك الفئة أن تستعمل كل الظلم والحيف الذي وقع على مواطني القدس الشرقية من قبل أجهزة السلطات الحاكمة سواء أكانت بلدية أو سياسية أو أمنية أو إقتصادية أو إجتماعية أو تأمينية، وفي كل القطاعات الخدماتية كوسيلة تبريرية لدعوتهم الجديدة القديمة للمشاركة في إنتخابات بلدية القدس القادمة. بل ذهبوا بعيدا في ضخ الدماء في هذه الدعوة المقعدة، وكالوا المديح واستقطبوا وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية لهذه الخطوة ، وكأنها وسيلة الإنقاذ المتفردة لمعاناة أهل القدس من ضوائقهم وحوائجهم وبها تحل جميع مشاكلهم.


بداية، تجاهلت تلك الفئة أن أس ّ البلاء هو الإحتلال الإسرائيلي لشرقي القدس وضمها للكيان وتطبيق القانون الإسرائيلي عليها في مخالفة صريحة وجسيمة لقواعد القانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن الدولي المتعاقبة ابتداء من قرار رقم 252 لسنة 1968، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ابتداء من قرار 2253 لسنة 1967، وقرارات محكمة العدل الدولية في رأيها الإفتائي عام 2004 .

 

 وقرارات منظمة التربية والثقافة والعلوم ( اليونسكو ) ومنظمة الطيران المدنية. بل كان القرار الأول الذي خرقته السلطات الإسرائيلية منذ بداية الخمسينيات هو قراررقم 181 الخاص بتقسيم فلسطين عام 1947.


رغم أهمية القواعد القانونية في حل أي نزاع دولي، إلا أن الوقت سيطول في شرح هذه القواعد الدولية ، لذا سأكتفي بالإشارة إليها فقط وهي قطعا تحول دون المشاركة أو حتى مجرد التفكير بالمشاركة في الإنتخابات البلدية .فلن أسرد قواعد السيادة الفلسطينية على القدس، وعدم التفريط بها من خلال المشاركة في الإنتخابات البلدية. 

 

ولن أطرح عدم وجود سفارات أجنبية في القدس رفضا للإعتراف بها من المجتمع الدولي وأن المشاركة الإنتخابية من سكان شرقي القدس تبريرا لهم لنقل سفارات بلادهم للقدس. ولن اسمح بانتخابات بلدية إسرائيلية لأن هذا يعني زوال الإحتلال العسكري الإسرائيلي لمدينة القدس. ولن أتنازل عن تطبيق اتفاقتي جنيف الرابعة لعام 1949 ولاهاي الرابعة لعام 1907 على القدس، رغم تساهل وتهاون الصليب الأحمر في هذا المجال. ولن أقر بالضم الإسرائيلي للقدس بسبعين ألف دونم من أراضيها التي بنيت عليها مستعمرات استيطانية. ولن أعترف بقانون الدخول لإسرائيل لعام 1954 والمطبق على أهل القدس وسلب حقهم وحق عائلاتهم في العيش بكرامة على وطنهم. لن أنكر حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم في القدس وحقهم في السيطرة على ثرواتهم ومواردهم الطبيعية. ولن أجد إلا تأكيدا على ملكية المسلمين للمسجد الأقصى ونفيا لهيكل وحرية دينية مفقودة للمسلمين والمسيحيين في ربوع القدس، وعروبة متواصلة على القدس على مر التاريخ بدون انقطاع سوى من غزوتين واحدة صليبية وأخرى صهيونية.


تطرح هذه الفئة الداعية للمشاركة في انتخابات بلدية القدس، خزعبلات وأوهام وأمان وأحلام لتداعب وتدغدغ البسطاء المحبون لحياة كريمة وتوهمهم بأنها قاب قوسين أو أدنى على تحقيق ذلك. وتعلن لهم أن عدد السكان في شرقي القدس قد بلغ أربعين بالمائة وأن هذه النسبة تستطيع أن توقف هدم المنازل بجرة قلم وبقدرتها منح الرخص بلمحة عين، وهم يستعملون هذه النسبة المئوية وكأنها ضغطة زر، وبذا يخدعون الجمهور المقدسي بطرح مستحيل التحقيق ولأغراض خاصة.


بحمد الله، تضاعف عدد الفلسطينيين في القدس الشرقية بحيث بلغوا اليوم ما يقارب أربع مائة ألف أي أكثر من خمسة أضعاف عن عدد سكانهم في عام 1967 وفق أول إحصاء إسرائيلي، رغم كل العقبات والعوائق الإسرائيلية. لكن بلدية القدس والأجهزة الإسرائيلية المختصة تقدم خدمات دنيا لسكانها وتجبي الكثير من أموالها وتصرفها على القسم الغربي الغني في مفارقة ملحوظة، بل إن غرامات البناء المخالف في شرقي القدس، لا تصرف على التعمير في القدس الشرقية بل على الغربية. وهي تقوم بهدم منازلهم، وتسحب هوياتهم وتمنع شمل عائلاتهم، وتخالفهم بناء وسيارات وبلدية وأرنونة، ولا تقدم أدنى الخدمات اللائقة بهم، لا تنظيم ولا شوارع ولا مدارس ولا نظافة ولا حدائق ولا مراكز ثقافية، ولا أماكن لركن السيارات، بل تغلق الجمعيات والنشاطات والإتحادات وتصادر الأراضي الخاصة وكأن هناك فائضا فيها، لحدائق توراتية مزعومة لمزيد من الإستيلاء على العقارات وتهجير المواطنين ورفع أسعار رخص البناء. بل إن نظرة سطحية عابرة، على مدن فلسطينية كانت ملحقة بمحافظة القدس مثل بيت لحم ورام الله وأريحا، سنجد بها تقدما أكبر بكثير من القدس بكل أحيائها في جميع القطاعات وبرسوم أقل بكثير .


لو أسقطنا كل تلك الحجج القانونية والعملية والسياسية ضد الإنتخابات البلدية، وقبلنا نظريا وللجدلية، التوجه لانتخابات بلدية . فماذا سيكون الحال وبخاصة إذا كانت نسبة المشاركين لا تتجاوز الخمسة بالمائة كما كانت طيلة السنوات السابقة بل أقل بكثير، أو في حدها الأقصى عشرة بالمائة. قطعا سيستغل الإسرائيليون المشاركة الفلسطينية المقدسية الرضائية في الإنتخابات البلدية، وهم بارعون في ذلك، على التنظير على تنازل الفلسطينيين عن دفوعهم القانونية بخصوص الإحتلال الإسرائيلي والقدس. وهم سيكررون في المحافل الدولية بأنهم تنازلوا عن حقهم بتقرير المصير وقبلوا راضين دونما إكراه العيش والحياة في الكنف الإسرائيلي المحتل.


دعونا نستأنس ونلقي نظرة على ما جرى في الداخل المحتل في انتخابات ما يسمى بالكنيست. انقسم المجتمع العربي بين رافض وبين قابل للمشاركة السياسية. حتى الحركة الإسلامية انقسمت على نفسها بين رافض ومؤيد، وكذلك الحركة الوطنية انقسمت وتبعثرت. أي أن المواطنين الفلسطينيين ليسوا على قلب واحد – وأعتذر - في الموضوع السياسي. فهل سيحدث عندنا في شرقي القدس نفس الأمر، وإذا لم يحدث فما هي نسبة المشاركين المتوقعين.


إذا كانت نسبة المشاركين في الإنتخابات البلدية أقل من عشرة بالمائة بل أقل من ذلك وهو المتوقع وفي ظل قائمة واحدة وبدون تمزيق للصوت الفلسطيني أو بعثرته، في ظل نظام انتخابي يعتمد النسبية ، وفي ظل مدينة يسيطر عليها المتدينون اليمينيون المتطرفون بطوائفهم المختلفة المتعددة، فماذا سيكون نصيب المقدسيين من عدد المقاعد التي سيشغلونها. لا شيء يذكر فلا طال بلح الشام ولا عنب اليمن وفقد كل دفوعه. حينها سيقال لم نحسر شيئا ولم لا نجرب، وهم لا يعلمون أن الحقوق الوطنية ليست ساحة تجارب أو ألعاب.


دعونا نأخذ بالفرضية المستحيلة وهي أن تأتي منظمة التحرير الفلسطينية بشكل مباشر أو غير مباشر، وتصدر بيانا أو تصريحا أو تلميحا، تسمح للمقدسيين وتحثهم على المشاركة في الإنتخابات البلدية. وكنا بصدد قائمة موحدة وبنسبة تصويت مرتفعة، فهل سيسكت ويسلم الإسرائيليون بهذا الأمر وبخاصة أنك تتحدث عما يسمى " بالعاصمة الأبدية للشعب اليهودي ". وهل سيقسم المنتخبون الفائزون المقدسيون على يمين الولاء لدولة إسرائيل . ولو سلمنا بكل تلك الشكليات الإجرائية فكيف بالله عليكم يمكن إلغاء قانون مثل قانون " كيمنستر " الخاص بالبناء المخالف للقانون، ونمنع هدم المنازل، أولم تسمعوا وتقرؤوا عن هدم المنازل في البلدات العربية والدرزية بل لم يزودوا بالخدمات التحتية كالكهرباء والمجاري. أنظروا هناك عشرات البلديات العربية والدرزية المنتخبة بشكل قانوني، ولها مجالس بلدية، واختصاصات قانونية وميزانيات ومعتمدة من قبل وزارة الداخلية، إلا أنها لم تستطع أن تغير قيد أنملة في هذا القانون المجحف التمييزي في جميع أراضي الكيان وليس محصورا في القدس. أي أن الأمرالجلل الذي تروجون له للدخول في المعترك الإنتخابي فقد معناه، وغدا مستحيلا، وبالتالي فقدتم الذريعة والسبب لخوضه. فكونوا عقلانيين ولا ترقصوا على جراح المواطنين ولا تروجوا له أفكارا خاطئة بل تمثل الخطيئة بعينها.


البلديات العربية في الداخل لم تستطع أن توقف مصادرة الأرض العربية رغم قلتها وعدم وجود فائض فيها، ولعل ما جرى في يوم الأرض من أحداث خير تعبير على ذلك. البلديات العربية لم تعط أراض من سلطة أراضي إسرائيل أو الكيرن كيّمت لاستعمالها لحل ضائقة السكن الشبابية مما حدى بهم إلى الهجرة الداخلية. البلديات العربية لم تعط الأموال أو الميزانيات لممارسة الأنشطة البلدية بل فرضت عليهم الغرامات وحلت أحيانا، وعين لها موظفون حكوميون لإدارتها. بل هناك مناطق في النقب لم يعترف بها ويسكانها ولم تقم لها بلديات ولا خدمات بلدية. البلديات العربية لم تستطع أن تفرض خططها التنظيمية القطاعية السكنية بل ما زالت تقاتل من أجل حصة تنظيمية فجميع اللجان المختصة يهودية قلبا وقالبا. وهل تستطيع البلديات العربية رغم معرفته بخفايا القانون والمجتمع الإسرائيليين ، أن تفرض منهاجا تدريسيا خاصا بالمجتمع العربي .


هذه دولة صهيونية وعمادها وأساسها قانون عنصري يقوم على يهودية الدولة، أفبعد ذلك يمكن لأي فئة أن تغير الواقع العربي الموجود في الكيان. قوانين عنصرية تخطيطا وبناء ولا أمل بتغييرها. وكل هذه الخزعبلات والأحلام وإن أحسنت الظن باماني بالتغيير، ما هي إلا هلوسات أو شطحات تنفيها الوقائع الثابتة في الداخل أم أن وراء الأكمة ما وراءها وستعودون بخفي حنين لأن الموضوع أكل الدهر عليه وشرب!!!