"نيويورك تايمز" : لماذا تصرّ إدارة بايدن على التوصّل إلى اتفاق سعودي - إسرائيلي؟

تنزيل (19).jpg
حجم الخط

بقلم: حسين إبيش*


لا تدخر إدارة بايدن جهداً لتعزيز ما يمكن القول، إنه ميزة واشنطن الأهم أمام القوى العظمى المنافسة لها، خاصة الصين. وتكمن هذه الميزة في الشرق الأوسط.
وبمزيد من التحديد، تدفع الولايات المتحدة بشدة إلى صياغة اتفاق تمنح بموجبه الولايات المتحدة ضمانات أمنية رسمية للمملكة العربية السعودية، وفي المقابل يقيم السعوديون علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وتقدم إسرائيل تنازلات للفلسطينيين. وقد حدث في لقاء قمة العشرين في نيودلهي أن تبادل الرئيس، جو بايدن، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مصافحة دافئة. في الأسبوع الماضي، قام وفد أميركي رفيع المستوى بزيارة الرياض سعياً إلى اتفاقية محتملة في أعقاب رحلتين منفصلتين قام بهما في الصيف الحالي مستشار الأمن الوطني، جاك سوليفان، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن.
يسهل أن نرى ما الذي سوف يكسبه السعوديون والإسرائيليون، في ظل مواجهتهم تهديدات أمنية في المنطقة، خاصة من إيران. سوف تكسب المملكة العربية السعودية حماية أمنية يمكن الركون إليها، فضلاً عن منافع محتملة أخرى. وبالنسبة لإسرائيل، من شأن إقامة علاقات رسمية مع المملكة العربية السعودية أن تعزز موقفها أمام إيران. ويمكن أيضاً أن تكون أهم فتح دبلوماسي لإسرائيل منذ معاهدة السلام سنة 1979 مع مصر، ومن شأنها أن تكون حافزاً على اقتداء دول أخرى ذات أغلبيات سكانية مسلمة سنية بالمملكة العربية السعودية.
غير أن السعوديين والإسرائيليين لا يبدون لهفة كبيرة على إبرام الصفقة، في حين جعلتها إدارة بايدن أولوية واضحة. فما نفع هذه الصفقة لواشنطن بعيداً عن النصر الدبلوماسي؟
الميزة الأساسية التي تقدمها هذه الصفقة الثلاثية للولايات المتحدة هي تقوية قبضتها على ثلاثة ممرات مائية ذات أهمية حيوية محيطة بشبه جزيرة العرب هي: مضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب. وهذه الشرايين روابط حيوية للصين، ومحور اهتمام أميركي.
يمكن القول: إن مضيق هرمز الذي يصل الخليج العربي ببحر العرب وبالمحيط الهندي بصفة عامة هو الصمام البحري الأهم في العالم، إذ يمر به قرابة ثلث النفط المنقول بحرياً ونسبة أقل قليلاً من الغاز الطبيعي المسال كل عام. ويتجه أغلب هذه الطاقة إلى آسيا، ومن ذلك 45% من واردات الصين النفطية السنوية.
ولا تقل قناة السويس أهمية، فهي التي تربط البحرَين الأحمر والأبيض المتوسط، وتربط آسيا وإفريقيا وأوروبا. يمر بها قرابة 12% من التجارة العالمية سنوياً، والصين هي المستخدم الأكبر لها. إذ تمثل السفن الصينية 10% من السفن التي تعبر القناة. ومما تحمله هذه السفن على سبيل المثال أكثر من 60% من السلع التي تبعثها الصين إلى أوروبا.
وفي الطرف الآخر من البحر الأحمر الممر المحوري الثالث وهو مضيق باب المندب الذي يسيطر على مدخل البحر الأحمر المفضي إلى قناة السويس، فهو مماثل لها في الأهمية بالنسبة للتجارة العالمية. وليس من قبيل الصدفة أن القاعدة العسكرية الصينية الوحيدة خارج الصين تقع في جيبوتي، على بعد ثمانية وستين ميلاً فقط من باب المندب، ولا من قبيل الصدفة أن الصين استثمرت مليارات الدولارات في ذلك البلد.
وفي سياق سعي حثيث إلى توسيع حضورها في ممرات التجارة والموارد، سعت الصين إلى التودد لكل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لكسب موطئ قدم إستراتيجي في الخليج العربي، وتقيم ميناء صغيراً نسبياً على مقربة من أبو ظبي حذرت واشنطن من أنه قد يخدم أهدافاً عسكرية.
في الوقت الراهن، ليس أمام الصين مجال كبير للمناورة. إذ تسيطر الولايات المتحدة وحلفاؤها على هذه الممرات المائية المحيطة بشبه جزيرة العرب. وبوسع صفقة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية أن تضمن هذه الميزة لعقود قادمة. فقد تضع شريكَي الولايات المتحدة العسكريين الرئيسيين في الشرق الأوسط في تعاون معلن، فتخلق بذلك عملياً سلسلة إقليمية متشابكة توشك أن تحيط شبه الجزيرة العربية إحاطة تامة بضمها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين وإسرائيل ومصر والأردن، والجميع أصدقاء قدامى لواشنطن.
والأدهي أن الضمانات الأمنية الأميركية للرياض من شأنها بلا شك أن تضمن ألا تؤدي مغازلة المملكة العربية السعودية المتزايدة للصين أبداً إلى موطئ قدم إستراتيجي ذي شأن لبكين في المملكة، وذلك خط حرص السعوديون حتى الآن على تفادي اجتيازه.
قد تسمح أخيراً هذه الشبكة المائية المعززة للولايات المتحدة، في حال تحققها، بتحقيق هدف قديم لها وهو تقليص بعض قواعدها العسكرية الضخمة في منطقة الخليج، ومنها قاعدة العيديد الجوية في قطر، التي تعد فعلياً من بقايا غزو العراق، العام 2003. ويمكن إعادة تشكيل القواعد الأصغر لتتولى الاستجابات السريعة للتهديدات المحلية بالتنسيق مع الشركاء الإقليميين، وقد تُستثنى من ذلك قاعدة البحرين التي تضم القيادة المركزية للقوات البحرية والأسطول الخامس.
تسعى إدارة بايدن بقوة إلى هذه الصفقة الثلاثية؛ لأن من شأنها أن تضمن ميزة تنافسية عالمية لا تقدر بثمن.
لكن الأمر الذي لم يزل غير واضح حتى الآن هو ما إذا كانت واشنطن تتمتع بنفوذ كاف على الحكومة الإسرائيلية، التي تبدو حساسة تجاه التنازلات التي تسعى إليها المملكة العربية السعودية تجاه الفلسطينيين، أو ما إذا كان هناك ما يكفي من الوقت للتوصل إلى مثل هذا الترتيب المعقد قبل إعادة انتخاب الرئيس.
يبدو أن واشنطن والرياض قد تكونان مستعدتين للتغلب على خلافاتهما الثنائية. لكن دونما مشاركة إسرائيلية وتطبيع سعودي إسرائيلي، لن يمنح اتفاق ثنائي واشنطن ما تحتاج إليه، وهو الشبكة القوية من الدول الصديقة التي تعتمد على التقارب بين الشريكَين الإستراتيجيَّين الرئيسيين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
إن الطبيعة الثلاثية لهذه المبادرة تضيف صعوبة خاصة إلى صعوبة تحقيقها. لكن الفوائد الإستراتيجية الهائلة المحتملة تفسر بسهولة سبب قيام الإدارة بهذه المهمة الضخمة الآن، مع احتمال وجود وقت كاف قبل الانتخابات والتقبل الظاهري من السعوديين. وسوف تستفيد كل من إسرائيل والمملكة العربية السعودية كثيراً وبوضوح، لكن الولايات المتحدة سوف تكون الرابح الأكبر.

عن "نيويورك تايمز"

ــــــــــــــــــــــــ
* باحث كبير بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن.