في خضم الخلاف السياسي الإسرائيلي والاحتجاجات المستمرة منذ أكثر من 8 أشهر ضد ما يسمى خطة الإصلاح القضائي لإضعاف القضاء، وتغيير طبيعة وهوية دولة الاحتلال، والمس بمكانة وصلاحيات المحكمة العليا التي تستخدم كأداة من أدوات السيطرة ضد الفلسطينيين، وتنفذ سياسة الحكومة الإسرائيلية.
والادعاء بتأثير ذلك على مناعة الإسرائيليين، وبوادر تفكك المجتمع اليهودي، والحديث عن انهيار مؤسسات وأجهزة دولة الاحتلال القضائية والاقتصادية، وتراجع كفاءة الجيش الإسرائيلي وقدرات سلاح الجو وغيرها من القضايا.
وتنفذ دولة الاحتلال سياسة غايتها تحقيق طرد الفلسطينيين وتقليص المساحات التي يعيشون عليها، من أجل نقل الأرض إلى أيدٍ يهودية، عبر سلسلة طويلة من القيود والمضايقات وممارسات التنكيل ضد سكان التجمعات الفلسطينية في الضفة الغربية مغادرة مكان إقامتهم لم يأت من فراغ. إنّما هو نتيجة مباشرة للسياسة الإسرائيلية التي لطالما كانت تعتمد هذه السياسة على تعمل دولة الاحتلال بشكل حثيث على جعل حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية بشكل عام، وسكان التجمعات بشكل خاص بائسة ومريرة.
وحسب تقرير منظمة بيتسيلم الإسرائيلية لحقوق الانسان الذي نشر اليوم الإثنين، يتم تنفيذها بطريقتين متوازيتين: الطريقة الأولى التي تصنع بواسطة الأوامر العسكرية والمستشارين القانونيين والمحكمة العليا، تقوم دولة الاحتلال ذاتها بطرد الفلسطينيين من أراضيهم. والطريقة الثانية الموازية للأولى، يمارس المستوطنون الإرهاب ضد الفلسطينيين، بمساعدة الجيش الإسرائيلي الذي يوفر الدعم والحماية للمستوطنين.
هذه السياسة أدت إلى تهجير سبعة تجمّعات فلسطينية بشكل قسري، ولكن تجمّعات كثيرة أخرى في أنحاء الضفة الغربية لا تزال تعيش في هذا الواقع من إرهاب وعنف المستوطنين والجيش الإسرائيلي، وتتعرّض لخطر الترحيل الفوري في كل وقت.
هناك شبه اجماع على تنفيذ هذه السياسات من الحكومة الحالية والحكومات المتعاقبة تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا يوجد أي تأثير لإعاقة الخطط والسياسات المتسارعة لضم الضفة الغربية وفرض الفوقية والسيادة اليهودية.
دولة الاحتلال مستمرة في تهجير الفلسطينيين وطرهم من أراضيهم، واستكمال نهب الأراضي الفلسطينية، وبناء المزيد من المستوطنات، ليس في الضفة الغربية فقط، بل في النقب والجليل لتهوديهما. وبدعم وتسهيل تنفيذ السياسات من قبل الائتلاف اليميني العنصري الفاشي، ومباركة من المعارضة الإسرائيلية الديمقراطية، اللذين يحتجوا على خطة الحكومة القضائية.
وبحسب خطة الحسم الذي وضعها وزير المالية بتسلئيل سموترتش وتسير بشكل حثيث لإخضاع الفلسطينيين واستسلامهم، أو ترحيلهم طوعاً خارج فلسطين. واستهداف فلسطيني الداخل بمزيد من القوانين العنصرية، والقتل الجماعي وفق خطط وقرارات وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير الفاشية والعنصرية ضد الأسرى الفلسطينيين.
تتخذ دولة الاحتلال منذ سنوات سلسلة من الإجراءات لجعل حياة عشرات التجمعات الفلسطينية في أنحاء الضفة الغربية بائسة ومريرة بهدف إجبار سكانها على مغادرة أماكن سكنهم، لتحقيق طموحها بالاستيلاء على الأراضي.
أعمال العنف التي ينفذها المستوطنون، التي تستخدمها دولة الاحتلال كأداة لجعل حياة سكان التجمعات أكثر بؤساً، وتفاقمت هذه الأعمال بشكل كبير منذ تولي حكومة اليمين المتطرف الفاشي إلى السلطة، وفي جزء من الأماكن حوّلت الأعمال الإرهابية من قبل المستوطنين حياة سكان التجمعات إلى كابوس يومي، وحُرموا من أي إمكانية للعيش بكرامة ولو بالحدّ الأدنى منها.
وبحسب تقرير بيتسيلم، تحظر دولة الاحتلال بشكل شبه تامّ أي أعمال بناء أو تطوير للفلسطينيين في المنطقة (ج). تشكّل هذه المنطقة حوالي %60 من مساحة الضفة الغربية، ويعيش فيها ما بين 200 إلى 300 ألف فلسطينيّ، يتوزّع الآلافُ منهم على عشرات التّجمعات التي تكسب لقمة عيشها من رعي الماشية والزراعة. ومن أجل منع الفلسطينيين من البناء في هذه المنطقة. عرفت دولة الاحتلال نحو %60 من المنطقة (ج) بأنّها مساحات يحظر على الفلسطينيين البناء فيها، من خلال وضع تعريفات قانونية مختلفة لمناطق واسعة (تتداخل أحيانًا مع بعضها البعض)، "أراضي دولة"، نحو %35 من المنطقة (ج)، مناطق تدريبات عسكريّة (مناطق إطلاق نار)، نحو %30 من المنطقة (ج)، محميات طبيعية وحدائق وطنية، نحو %14 من المنطقة (ج)، أو مناطق نفوذ تابعة للمستوطنات، نحو %16 من المنطقة (ج).
الواقع أن سياسة الترحيل القسري للفلسطينيين من مناطق سكانهم ليس مجرد حدث يومي، إنما هو بنية، وبيئة قمعية تجبر السكان على الرحيل، وتمثل جريمة حرب بموجب القانون الدولي، وتمنع دولة الاحتلال مهما كانت الظروف طرد سكان أراضي محتلة من أماكن سكناهم.
وفي الوقت الذي تعبر فيه المعارضة الإسرائيلية، وضباط الجيش خاصة الطيارين العسكريين عن قلقهم من المس بالمحكمة العليا التي تشكل حصانة لهم، والخشية من تسريع إجراءات التحقيق من قبل المحكمة الجنائية الدولية في بعض الملفات المقدمة لها، والمتعلقة بالجرائم التي ارتكبت في قطاع غزة، أو ملف الاستيطان.
على الرغم من بعض التفاؤل في هذا الموضوع، لكن لا أرى في الأفق أن المدعي العام للمحكمة لديه القدرة على اتخاذ قرارات جريئة وجدية بفتح تحقيق، أو توجيه اتهامات لدولة الاحتلال بممارسة سياسة الفصل العنصري بالضفة الغربية، أو بتوجيه اتهامات ارتكاب جرائم حرب من قبل مسؤولين في الجيش الإسرائيلي. لأسباب كثيرة، تفوق صلاحية المحكمة وقدرتها على مواجهة الولايات المتحدة والدول الأوروبية، والتواطؤ في دعم دولة الاحتلال، وحمايتها ومساعدتها في الإفلات من العقاب.
هذا وإن جرى تحريك بعض الملفات، لكن في ظل الحديث عن صفقة التطبيع الإسرائيلية السعودية، وما قد يقدم للفلسطينيين، من بعض الفتات والدعم الاقتصادي، والخشية بقائمة بمقايضة الحقوق من أجل وعود، ووهم حل سياسي فارغ ولا يعترف بحقوق الفلسطينيين.