في لبنان يحاول بعض نجوم الدراما شن حرب على مشاهد التدخين فيما تحرض وسائل التواصل على تشريع الحشيش!
“نفس”من السيجارة، ثم نظرة، ثم غمزة ثم قصة حب.
مشهد ثان: “نفس” من السيجارة ثم تجهم على الوجه، ثم نظرة غضب تقدح شرراً، وصولاً إلى جريمة قتل.
هذه بعض المشاهد التي اعتدنا عليها في أفلام السينما والمسلسلات، ورغم أنها “تمثيل بتمثيل”، كما نقول لكي نحاول أن نستبعد فكرة تأثر المشاهد بشكل مباشر بأساليب الحب او الجريمة، إلا أن ثمة عنصر مشترك في هذين المشهدين، قادر على التأثير: السيجارة.
فتى الأحلام
منذ بدايات السينما، ارتبطت صناعة الأفلام في الغرب بشركات السجائر، ورسم كلينت ايستويد على حصانه، صورة ساحرة لفتى الأحلام القوي القادر على تحقيق المعجزات، بنظرة ثاقبة وسيجارة معووجة في طرف شفته.
لم يقتصر الأمر على الرجال فقط، فالنساء أيضاً كان لمشاهدهن تأثير كبير، وقع خاص يمزج الجرأة بالشهوة. احدى أبرز المشاهد التي تحضر في هذا المجال، صورة النجمة أودري هيبورن، في الفيلم الشهير، “فطور مع تيفاني”.
الصدر المفتوح
السينما العربية، وتحديداً المصرية، سارعت إلى تقليد هذه الظواهر، فشاهدنا رشدي أباظة وأحمد رمزي في الخمسينيات، يدخنون مع أزرار قمصان مفتوحة عند الصدر، وصولاً الى هدى سلطان التي لم تكتف بالتدخين في أفلامها، مثل “امرأة على الطريق”، بل قامت باعلانات تجارية خاصة بشركات التدخين نشرت في صحافة الفن الرائجة آنذاك مثل “الكواكب”.
انقلاب المعادلة
مع تغير الزمن وازدياد الوعي بمخاطر التدخين، وبحث الناس عن خيارات أكثر صحية في حياتهم اليومية، بدأت الشراكة بين الصورة السينمائية أو الدرامية وبين شركات التدخين تبهت، ولم يعد هذا “البزنس”، مجدياً لدى الناس. والدليل كان ضمن دراسة أجرتها “مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها” عام 2011، حيث أكدت نتائجها أنّ 55 في المئة من الأفلام الأميركية التي حققت أرباحاً عالية في شبّاك التذاكر عام 2010، كانت خالية من استخدام التبغ ومشتقاته، مقاربة بثلاثين في المئة قبل ذلك بخمس سنوات.
ورجّحت هذه الدراسة أن يكون الانخفاض الملحوظ في عدد المدخنين في صفوف المراهقين في الصفوف الثانوية مرتبطاً بتراجع المشاهد التي تضم عناصر مرتبطة به على الشاشة، علماً بأنّ عدد الطلاب الثانويين المدخنين انخفض من 11 في المئة عام 2000 إلى 5 في المئة عام 2009.
اللي اخشتوا ماتوا
ولكن يبدو أن هذا التغير لم يتخذ عمقاً حقيقياً بعد على الشاشات العربية، فبينما تظهر غادة عبد الرازق في فيلمها الجديد “اللي اختشوا ماتوا”، على الأفيش، وسط غيمة من الدخان الكثيف، الصادر غالب الظن عن “الجوزة” (لفظ شعبي يدل على دخان ممتزج بالمخدرات)، لا تزال صورة الممثل المدخن في الدراما اللبنانية تزعج الكثير من المراقبين ومن بينهم فنانين.
يد خضراء
تقول كارمن لبس، التي قادت مع “منظمة اليد الخضراء” حملة “الحد والترويج والدعاية والرعاية للتبغ في الدراما بأشكاله ومشتقاته كافة”، في بيروت، أن “الأمر لا يقتصر على السجائر، ولكن هناك أيضاً مشتقات أخرى مثل الغليون والنرجيلة، وربما تظهر في ديكورات المشهد وخلفياته، وليس بطريقة مباشرة، ولكن كل ذلك لا يفيد وعليه أن يتوقف”.
ولم تكن كارمن وحدها في هذه الحملة، بل انضم إليها صاحب “لما حكيت مريم”، الممثل الملتزم طلال الجردي الذي يؤكد أنه تعلم من “الكبار” الذي عمل معهم أن “الفن مسؤولية وأخلاق قبل كل شيء”.
تلذذ بالحشيش
ويحذر ألبير منصور، خبير في الصورة الإعلامية، أن “طريقة التلذذ التي يمارسها المدخنون في الدراما توحي على الفور، أن ما يدخونه ليس مجرد سيجارة تبغ عادية، بل أخطر من ذلك”، مشيراً إلى أنها ذات الطريقة التي تدخن بها سيجارة الحشيش شائعة الانتشار في لبنان، والتي تصاحبها انطباعات استمتاع بطيئة وتوحي بالغياب نتيجة التخدير.
الطريف في الأمر أنه فيما يشتد عود مبادرات مثل “الحملة ضد التدخين في الدراما”، تنتشر في لبنان بشكل متواز حملات تروج لدخان الحشيش في الواقع، بل وتشريعه على غرار الوسم الذي انتشر قبل فترة على وسائل التواصل الاجتماعي بعنوان “شرّعوا الحشيش”.
ويبقى السؤال: في حال اختفت السيجارة من المشاهد على الشاشة، هل سيجد “الأبطال” وسيلة أخرى لكي يبادروا إلى “الغرام” أو “الانتقام”؟