الفصل العنصري الزاحف في الضفة الغربية

اسرائيل
حجم الخط
في اليوم الذي يلي الانتخابات، يبدو ان للحملة الانتخابية المستفزة والمدمرة قيمة ايجابية واحدة: توضيح العجز في قدرة النظام السياسي على معالجة القضايا الاساسية للوجود الاسرائيلي، والفهم انه من الممكن الخروج الى طريق جديدة فورا.
رحلة الانتخابات – بغض النظر عن النتيجة – أظهرت ان المجتمع الاسرائيلي غير مؤهل لمواجهة حقيقة انه عالق حتى العنق في عملية فصل عنصري زاحف، يتمأسس عميقا داخل البنى التحتية للحياة في البلاد. زعماء جميع الاحزاب – من اليسار حتى اليمين – خافوا من ان يعرضوا على الجمهور حقيقة ما يعرفونه بالتأكيد اكثر من الجميع، ومما اعلنه زعماء بارزون في الماضي، ومن بينهم جون كيري، جيمي كارتر، ايهود باراك، ايهود اولمرت وحتى تسيبي ليفني.
البنية الاساسية للفصل العنصري الزاحف هو مشروع تهويد البلاد المستمر، الى جانب الفصل الحاد بين اليهود والفلسطينيين المتمثل في استعمار الضفة، والذي يطلق عليه خطأ اسم "احتلال". فعلى الرغم من أن الاحتلال هو عسكري، مؤقت وخارجي، الا ان عملية الاستعمار هي في اساسها مدنية، دائمة وداخلية في المجتمع الاسرائيلي. استوطن خلالها اكثر من 600 الف يهودي في الضفة، وسلبوا نصف اراضيها. صحيح ان كلمة الابرتهايد كلمة صعبة وبشعة، الا انه لا يوجد تعبير افضل منها لوصف الوضع الموجود في الضفة من الناحية القانونية والجغرافية، والذي يزحف الى مناطق اخرى في البلاد. والاحزاب؟ اغلبها تجاهل خلال حملاتها الانتخابية ما يمكن لاي طفل مشاهدته على الارض.
الفصل العنصري الزاحف يؤثر حتى على نتيجة الانتخابات نفسها، حيث إن 7 من بين الـ11 عملية انتخابية التي جرت مؤخرا حسمتها اصوات المستوطنين في الوقت الذي لم يكن فيه لجيرانهم الفلسطينيين حق التصويت. لا يوجد ظلم اكبر واسوأ من هذا في العالم الديموقراطي.
التهويد يتم ايضا داخل اسرائيل، في محاولات اقتلاع البدو في النقب من اراضيهم وتجميعهم في مدن مخصصة. في تجمعات لشبان متدينيين في مراكز المدن المختلطة. وفي إقامة مزرعة للبدو في النقب، وفي اجراءات القمع من قبل الجيش، وفي السيطرة المتلاحقة للمستوطنين على مؤسسات مركزية ومصادر مالية.
في وجه التهويد تقف الدمقرطة الجزئية للمجتمع الاسرائيلي، وايضا المقاومة الفلسطينية – السياسية والعنيفة. الا ان هذه لم تنجح في وقف الاتجاه المدمر.
لعملية الاستعمار ذراع إضافية، هادئة اكثر، تنبع من السيطرة التدريجية لراس المال على المجتمع، بمساعدة من الدولة. اسعار الشقق الباهظة وغلاء المعيشة يكشفان مدى استغلال ونهب الطبقات الضعيفة والمتوسطة، والتتسبب في فجوات هي الاكبر في العالم. وبوقائع هي ايضا اكبر من المعطيات الرسمية، التي لا تشمل الباحثين عن العمل من المهاجرين وسكان المناطق  الاكثر فقرا من المدن الاسرائيلية. اغلب المتضررين هم من الفلسطينيين في "المناطق" وفي اسرائيل، البدو، الباحثين عن العمل من المهاجرين ، والى حد ما اليهود الشرقيين والمهاجرين من الاتحاد السوفياتي سابقا. هكذا تبنى الاسوار بين الجماعات المختلفة في المنطقة الواقعة ما بين نهر الاردن والبحر.
وماذا قالت الاحزاب عن كل هذا؟ القليل جدا. احزاب اليسار – الوسط استخدموا شعارات حول إخلاء المستوطنات وإقامة دولة فلسطينية، تحويلها الى واقع فشل على مدار 20 سنة مضت، وان تحقيقها اليوم هو اصعب من الماضي. الى اين يتجه مئات الآلاف من البشر؟ كيف يمكن وقف "الارهاب" الفلسطيني؟ وماذا عن حق العودة؟. في اليمين الاستيطاني فإن الوضع اكثر صعوبة: في "البيت اليهودي" مع اجزاء من "الليكود" يقترحون خطوات ضم احادي الجانب مما يحول الابرتهايد الى موضوع رسمي، وبذلك يلقون كارثة اخلاقية وسياسية على اسرائيل. معظم الاحزاب حتى تلك الداعمة للاستمرار بالليبرالية، في الاقتصاد وبتعميق عدم المساواة. الاحزاب الكثر خوفا – الليكود – حتى لم ينشر برنامجه الانتخابي واظهر مرة اخرى  استهتاره بالجمهور.
ماذا بوسع معارضي الابرتهايد ان يفعلوا في اليوم الذي يلي الانتخابات؟ اولا، آن الاوان لتغيير الخطاب وتعديل مخزون الكلمات التي تضلل النقاش العام. لا نضال ضد الاحتلال بعد، بل ضد الفصل العنصري. تغيير الخطاب من شأنه ان يؤدي ايضا الى سياسة محلية وعالمية جديدة. ثانيا، يجب زيادة النشاط على الساحة الدولية، حيث ان اغلب الصراعات الكولونيالية  من نوع فلسطين – اسرائيل تم حلها او "تهدئتها" بمساعدة الاطار الدولي، كما حصل في ايرلندا وجنوب افريقيا وفي البوسنة وكوسوفو.
وفي الختام، يجب التفكير خارج نطاق الصندوق حول رؤيا جديدة للحل، تؤسس لسيادة فلسطينية في الضفة وقطاع غزة الى جانب اسرائيل الديموقراطية، بدون اغلاق البلاد بين الجدران والاسوار، وبدون تقسيم للقدس، وبدون اقتلاع آلاف المستوطنين من منازلهم، ومن خلال إدارة منظومة اقتصادية عادلة وحرية للحركة. رؤيا كهذه تؤسس لنظام سياسي جديد بين الاسرائيليين والفلسطينيين تحت عنوان "دولتين – وطن واحد"، بعد الانتخابات،  يبدو انها وحدها  (الرؤيا) هي التي ستنقذ الشعبين من الطريق المسدود الذي يعلقان فيه.

 عن "هآرتس"