إسرائيل اليوم: عام جديد وتحديات قديمة

يواف ليمور.jpeg
حجم الخط

 بقلم يوآف ليمور

 

يأمل بنيامين نتنياهو في أن تبعده رحلته إلى الولايات المتحدة عن مشاكل البيت لبضعة أيام، ويتمكن مثلما في الأيام الطيبة، من أن يثير بإنكليزيته القلقة مواضيعه الهامة: النووي والإرهاب الإيراني، والتطبيع مع السعودية، والساحة الفلسطينية، والتوتر في الشمال، وسلسلة طويلة من المواضيع السياسية والاقتصادية والتكنولوجية، بعيداً عن التشريع القضائي وملحقاته.

ولكن نتنياهو سجل في ملعبه هدفاً ذاتياً رائعاً حين اختار، عند صعوده إلى الطائرة، أن يشبه المعارضين بمؤيدي إيران وم.ت.ف. للحظة، لنضع جانباً التوازي المثير للحفيظة مع النازيين ومساعديهم، والمس بملايين الإسرائيليين المخلصين الخائفين على مستقبل دولتهم، ونتساءل: لماذا اختار رئيس الوزراء أن يضع كل مواضيعه في ظل قوله، مما يزيد التخوف على الديمقراطية الإسرائيلية؟

عظم الاحتجاج في الولايات المتحدة

بكلماته، عظم نتنياهو الاحتجاج المرتقب ضده حيثما رحل. في لقاءاته أيضاً سيلقى النقد، أو على الأقل الأسئلة القلقة. وسيكتشف أن الساحة التي يحب وفي المدينة التي يحب، أصبحت معادية، وأنه فقد قدراته وبات مكشوفاً وهشاً، والأسوأ أن دولة إسرائيل التي وصل باسمها إلى هناك، بعيدة عن أن تكون تلك العلامة التجارية العليا التي كانت عليها دائماً.

في الماضي غير البعيد، كانت زيارة كهذه لرئيس وزراء إسرائيل احتفالاً عظيماً. لا يهم من كان يقود إسرائيل، كان يعد دوماً نجماً أعلى في الولايات المتحدة، ابن بيت في واشنطن، زعيماً ينتمي إلى المستوى الأعلى من الزعماء. لكنه وضع فقدناه الآن: رفض الرئيس جو بايدن دعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض، واكتفى بلقاء جانبي على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة: زعماء كثيرون اصطدموا فجأة بمصاعب لتفريغ الوقت في جدول أعمالهم للقاء به؛ وآخرون اشترطوا أن يأتي إليهم؛ وحتى زعماء يهود كبار أوضحوا بأنهم سيأتون انطلاقاً من الاحترام للدولة، لكنهم سيقولون ما يفكرون به عن السياقات التي تجتازها إسرائيل والحكومة الآن.

طهران تشعر أنها على الجواد

سيحتاج نتنياهو لكل كفاءته الخطابية والسياسية كي يقفز عن كل هذه العوائق، ويستخلص الليمونادا من هذه الليمونات. هذا هام ليس لأسبابه الشخصية والشعبية، بل لأسبابنا الوطنية: قائمة المواضيع المشتعلة جداً طويلة، وبعضها مهم جداً وبات إعطاؤها كامل الاهتمام أمراً حيوياً.

الموضوع الأهم هو إيران. تشعر طهران في الأشهر الأخيرة بأنها على الجواد، نتيجة علاقاتها الحميمة مع روسيا والصين، ومن حيث رفع مستوى علاقاتها مع دول الخليج، والاتفاق غير الموقع الذي توصلت إليه مع الولايات المتحدة، والذي أدى إلى إبطاء وتيرة تخصيب اليورانيوم مقابل تحرير الأموال والسجناء. ونتيجة لكل ما سبق، سرعت إيران جهودها الإرهابية تجاه إسرائيل، وهي تكشر عن أنيابها للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذ أوقفت عمل بعض المراقبين كدليل أخير على ذلك.

إن السبيل الوحيد لدفع إيران للتراجع للوراء وردعها يمر عبر ضغط سياسي – عسكري – اقتصادي أمريكي. لسوء الحظ، فالأوراق لا تتضمن هذا. وواشنطن مشغولة بشؤونها، وتريد الهدوء في الجبهة الإيرانية. في الأيام الطيبة كان يمكن لنتنياهو أن يؤثر على ما يجري في البيت الأبيض، أما هذه المرة فينبغي أن نقول شكراً لبايدن على مجرد لقاء. تكاد إسرائيل تكون وحدها في هذه الجبهة، وقد ترفع قريباً مبلغ الرهان في حربها ضد طهران.

المسألة الثانية في أهميتها هي السعودية. فالولايات المتحدة متحمسة للوصول إلى اتفاق. ونتنياهو يبدي اهتماماً جماً. لكن على إسرائيل أن تتأكد من أنها لا تدفع لقاء ذلك ثمناً غير معقول في الموضوعين المركزيين على جدول الأعمال: طلب السعودية تخصيب اليورانيوم لأهداف مدنية، وطلبها رفع مستوى عسكري دراماتيكي في الأسلحة والقدرات المتطورة. على إسرائيل أن تتأكد من عدم تضرر مصالحها القومية، وتلقيها تعويضاً مهماً – أمنياً واقتصادياً – في إطار التعهد الأمريكي في الحفاظ على تفوقها الأمني النوعي.

سيكون هذا صعباً بالنظر إلى العلاقات الباردة بين زعيمي الدولتين، لكن ولأن بايدن يتطلع لانتخابه من جديد، هي فرصة ينبغي استغلالها كجزء من الصفقة الكبرى التي تحاول واشنطن إعدادها.

كما تتطلع إسرائيل إلى دور أمريكي أكبر في الجهود لردع “حزب الله” في الشمال، وتشجيع السلطة الفلسطينية على العمل بنشاط أكبر ضد شبكات الإرهاب في الضفة. وهنا أيضاً سيلقى نتنياهو مطالب أمريكية مضادة، مثل منح قدرات أكبر للسلطة، وتهدئة متطرفي حكومته الذين يعملون على إشعال النيران (وإقامة البؤر الاستيطانية) يومياً. ربما يسمعنا نتنياهو أفضل عروضه بعد مجيئه: رسائل مختلفة بالإنجليزية وبالعبرية، وإرضاء الجمهور المتغير في البيت وفي الخارج.

سيرك وادي السيلكون

كما كان سيرك السيلكون واللقاءات مع طامحي التكنولوجيا وعلى رأسهم إيلون ماسك (عدو معلن لبايدن) لتعقيد الوضع المعقد حيال الإدارة، فثمة أناس من نوعه كانوا في الماضي ينظرون إلى رئيس وزراء إسرائيل بإعجاب، أما اليوم فإسرائيل هي التي تحج إليهم؛ جزء من هذا ينبع من ضعف خطير في مكانة أمة التكنولوجيا العليا. مرغوب فيه أن يتذكر نتنياهو هذا، خصوصاً عندما يتصدر جدول الأعمال انخفاضاً دراماتيكياً في الاستثمارات الأجنبية في التكنولوجيا الإسرائيلية، وتخوف من هروب جماعي للعقول.

جملة المسائل هذه ستملأ وسائل الإعلام هذا الأسبوع. كما أسلفنا، لن تسيطر عليها وحدها كما يريد نتنياهو. ستكون هذه جزءاً من شاشة منقسمة. في أحد الجانبين ما هو يحصل هناك، وفي الجانب الآخر ما يحصل هنا، مع استمرار المداولات في العليا، والاحتجاجات والوزراء والنواب الذين لن يسيطروا على أفواههم في هذه الأيام المشحونة. الفجوة هي قصة حياتنا في هذه الأشهر: بدلاً من الانشغال بالمواضيع الحرجة، تنشغل دولة كاملة بمسائل ثانوية، وتنجر إلى دوامة خطيرة بتشجيع نشط من رئيس وزرائها.