المخيم... أرض ضيقة لصراع أجندات مستحيلة

08131783070030779318284182254500.jpg
حجم الخط

بقلم نبيل عمرو

 

 

مع احتمالات التهدئة في مخيم عين الحلوة، بترتيبات لوقف إطلاق النار، وإفساح المجال للوسطاء، لعلهم يتوصلون إلى حل مؤقت أو دائم! جاءت ذكرى مذبحة صبرا وشاتيلا التي راح ضحيتها آلاف من الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين وجنسيات أخرى من ساكنيه، حدثت المذبحة آنذاك، بعد فترة وجيزة من تصفية مخيمين فلسطينيين في المنطقة الشرقية من بيروت، إبان الحرب الأهلية «الضبيّة وتل الزعتر» وقبل ذلك ودون إسهاب في سرد الوقائع وتواريخها وظروفها، كان المخيم الفلسطيني الذي هو العنوان الأكثر تجسيداً للكارثة، عرضة لاجتياحات وحصارات وحروب، فما كان يخرج من محنة حتى يقع في محنة أفدح، وما إن يستقر حاله تدميراً أو تهجيراً في مكان، حتى يتكرر المشهد في أمكنة أخرى، إلى أن وصل الأمر في أيامنا هذه إلى أكبر مخيم في الشتات والأقدم كذلك، وهو مخيم عين الحلوة الذي يتوسط سلسلة مخيمات تبدأ من أقصى الشمال، البداوي ونهر البارد، ثم بالوسط، برج البراجنة وصبرا وشاتيلا في قلب بيروت، وتمتد جنوباً؛ حيث صيدا وصور ومخيماتهما. والظاهرة المشتركة بين كل هذه السلسلة، أنها ليست بعيدة عن المدن اللبنانية؛ بل تكاد تكون في قلبها.

 

مخيم عين الحلوة تقوده تاريخياً «فتح»، أي «منظمة التحرير» بكافة فصائلها، وكان الوئام الداخلي للمخيم محمياً بقوة نفوذ قيادته الفلسطينية، ومتانة تحالفه مع الجوار؛ إذ كانت مدينة صيدا حاضنة أمينة وقاعدة وطنية عروبية وحدوية، يعتبر أهلها وزعماؤها قضية فلسطين قضيتهم، ولم يسجل عليهم يوماً أنهم ضجروا أو تبرموا أو قاموا بممارسات تؤذي المخيم، وتخل بالوفاق العميق والدائم مع ساكنيه.

بعد أن أُخرجت الثورة الفلسطينية من الجنوب وبيروت، أدار المخيم شؤونه معتمداً على أبنائه الذين بقوا فيه، ومطمئناً إلى جواره، إلى أن فرض عليه ما فرض على غيره من تغيير، فأصبح بعد ما آلت إليه الأمور في مخيمات الشمال والوسط والجنوب، مكاناً تتقاطع فيه ومن حوله قوى وأجندات ترى في المخيم صغير المساحة وشديد الاكتظاظ هدفاً ليس فقط للسيطرة عليه، وإنما للسيطرة على الوجود الفلسطيني كله في لبنان.

هناك من يريده أحد مراكز الممانعة، وهنالك من يغطي أجندة السيطرة عليه باتهام حركة «فتح» كمنفذة لمؤامرة كونية، أطرافها إسرائيل وأميركا والفلسطينيون من «جماعة رام الله»! وهنالك من يرى في فلول «القاعدة» و«داعش»، وما يماثلهما، رأس حربة نموذجية، ينفع استخدامها للسيطرة ولو بتوسيع مجالات الوساطة، وهنالك من ألبس ما يجري رداءً طائفياً، كأن المخيم قلعة سُنية تتصل بصيدا على نحو يعيق الاستعدادات لتحرير الجليل!

وهنالك من يقحم خلافة عباس كما لو أن أمراً كهذا يحسم في عين الحلوة، وهنالك من يصدّر فكرة مفادها «اليوم لبنان، وغداً الضفة»، وهذه -كما يروج- نذر حرب أهلية ستشتعل لتصفية القضية من أساسها، كل ذلك يركَّب على مخيم عين الحلوة كما رُكب كثير من الأقوال على مخيماتٍ غيره.

إن ما يجري من قتال «في وعلى» مخيم عين الحلوة، وما سبقه من حروب كانت المخيمات في أكثر من مكان مسرحاً وضحية لها، فيه قدر كبير من إقحام الأجندات، لمجرد تبرير الولع بتوسيع النفوذ، وإعاقة حياة الناس بإلباس الأجندات أردية مجد لم تعد تقنع أحداً.

الفلسطينيون في عين الحلوة بصيدا، وبرج البراجنة في الضاحية، ومخيم جنين والأمعري والعروب في الضفة، كما في نهر البارد والبداوي واليرموك، نحتوا شعاراً بقوة المبدأ.

«المخيم لا يصلح وطناً» وكان ذلك أبلغ رد على خرافات الوطن البديل، ويقولون الآن: لن نسمح بتهجير جديد.

إن كل ساكني المخيمات يحتفظون بمفاتيح بيوتهم لعودة يؤمنون بها، حتى لو بدا أنها تبتعد، فالمخيم الذي هو التعبير الأقوى عن كارثة فلسطين، لن يزول بفعل حروب وحصارات وتهجير، وإذا لم تُحل القضية الفلسطينية الأساسية بما يرضي أهلها، فكل ما يحاك ضد المخيم مجرد عبثٍ لا طائل من وراءه، سوى أنه يعمق المرارة والألم في نفوس ساكنيه.