"يا للدولاب كيف يدور"! بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، الذي احتفظ في جيبه على مدى السنين ببطاقات الدخول إلى البيت الأبيض ووزعها على زعماء غير قليلين في العالم ممن أرادوا جدا الوصول إلى هناك، أصبح، اليوم، يتوق ليصل إلى لقاء مع رئيس الولايات المتحدة في الغرفة البيضوية.
سيضطر نتنياهو، هذه المرة، أن يكتفي بلقاء؛ نصف لقاء مع الرئيس جو بايدن في الفندق الذي ينزل فيه الرئيس في نيويورك. هذا لقاء يرمز بشكل واضح إلى تخفيض جلي في قيمة ومكانة نتنياهو والى تدهور في الموقف منه في هذه الأيام وذلك رغم أن الحديث يدور عن أحد الزعماء الأكثر قدما ومعرفة في العالم.
يؤثر الدرك الأسفل الجديد على ما يبدو على سلوكه. أقواله، أفعاله، وردود أفعاله كلها تبث ضغطا. وعندما يكون نتنياهو مضغوطا يكون عادة غير متوقع، يرتكب الكثير من الأخطاء، ويتلفظ بما هو مكروه وبالترهات التي تنقلب عليه كالسهم المرتد.
من حرض وشق وزرع الاستقطاب والكراهية في شعب إسرائيل على مدى السنين، من يعد من أولئك الذين جعلوا مقاتلين وطيارين يساريين خونة ورافضين، يشكو الآن ممن يكافحون في سبيل الديمقراطية في إسرائيل ووثيقة الاستقلال كأساس لوجودنا وسلوكنا في الدولة الديمقراطية واليهودية. ينثر نتنياهو المضغوط وقائع وتصريحات بعيدة عن الحقيقة وعن الواقع. لقد جنى رئيس الوزراء بجدارة الحملة التي تخاض ضده وضد حكومته في الولايات المتحدة. من لا يجري المقابلات الصحافية منذ بداية ولايته بلغة شعبه في وسائل الإعلام في وطنه ويختار الحديث إلى وسائل الإعلام الأميركية لا يمكنه أن يشكو ممن يتظاهر ضده هناك، في الولايات المتحدة، ولا سيما عندما يتذكرون التهجمات التي أطلقها في وسائل الإعلام الأميركية ضد حكومة بينيت - لابيد حين كان في المعارضة. فقد قال، إن "الحكومة الحالية تعتزم تمرير ثلاثة قوانين ستمس بمبادئ الحرية. تدفن هذه الحكومة مبادئ الديمقراطية. هذه قوانين تشطب الأساس الديمقراطي لصالح زيادة القوة لأحزاب معينة".
وإذا لم يكن هذا بكاف، فهاكم مثالا كلاسيكيا آخر لما قيل في مصادرنا: "الرافض بذاته مرفوض". ففي بيان "الليكود" من مقاعد المعارضة قيل أن "نفتالي بينيت ويائير لابيد يجعلان إسرائيل دكتاتورية ظلامية مع قوانين شخصية، موجهة ضد نتنياهو تشبه الإملاءات في كوريا الشمالية وإيران. أما، اليوم، فإن المسؤولين عن هذه الترهات يهاجمون ويشهرون بمن يكافحون من اجل منعهم من أن يجعلوا دولة إسرائيل كوريا الشمالية وإيران. بخلاف قصة الملك شاؤول في مصادرنا، الذي خرج ليبحث عن الأتانات فوجد مملكة، فإن نتنياهو خرج إلى الولايات المتحدة ليبحث عن مملكة فوجد الأتانات.
توقع ولا يزال يتوقع في هذه الساعات أن يستعيد في الزيارة المكانة التي كانت له في الولايات المتحدة وفي العالم. فليواصل الأمل، لأنه يتبين أن الواقع مختلف تماما. يبدأ هذا باللقاء مع أيلون ماسك، والذي كان نوعا من الانبطاح أمام الطاغية. "اديسون عصرنا"، كما وصف نتنياهو "السيد تسلا". غير أن ماسك لم يوفر البضاعة، ولم يتعهد بأن يستثمر في إسرائيل كما توقع نتنياهو. بل انه أظهر استخفافا ما برئيس الوزراء حين ظهر بلباس مهمل للقاء الرسمي معه.
نتنياهو، الذي يستطيب الاحتكاك بأصحاب المال، بقي فقط مع الابتسامة. صحيح أنه جرى الحديث في اللقاء عن الذكاء الاصطناعي، لكنه لم يكن الكثير من الذكاء من جانب نتنياهو في الرحلة إلى ذراعي ماسك كي تلتقط له الصور.
في اللقاء مع بايدن سيقف نتنياهو أمام أسئلة قاسية وليست بسيطة عن سلوك حكومته أمام الشرخ في إسرائيل وأمام الرغبة الأميركية في الدفع قدما بالمفاوضات مع السعوديين، والتي ستجبر حكومته على تقديم تنازلات عديدة للفلسطينيين. وذلك عندما يتبين أن نتنياهو لم يجرِ أي نقاش أولي مع جهاز الأمن قبل سفره في مواضيع أمنية، حساسة ومهمة لمسيرة المفاوضات مع السعوديين.
نتنياهو، الذي يحب منصة الأمم المتحدة، والذي يمكنه من خلالها أن يستعرض أمام العالم قدراته الخطابية، سيحاول غداً أن يجعل الخطاب في الجمعية العمومية درة التاج في رحلته.
السؤال هو هل يتعاطى أحد ما بجدية مع أقواله، بعد أن عرف الجميع تقريبا بأنه ينبغي أن تؤخذ أقواله بشكل محدود الضمان، وذلك ليس فقط بسبب إعلانات ويافطات المتظاهرين التي ترافق زيارته هناك.
الواضح هو أنه بعد هذه الزيارة إلى الولايات المتحدة، يعود نتنياهو إلى الديار إلى الاختبارات الحرجة للواقع والزعامة، والتي ستقرر مستقبل حكومته المتعثرة ومستقبله السياسي وربما أيضا القانوني والشخصي.
الوضع الأمني، غلاء المعيشة، الأمن الشخصي، قانون التجنيد الحريديين، قرارات محكمة العدل العليا، التضخم المالي، التدهور الاقتصادي – كل هذه تربض على عتبته وتنتظر ردودا وأجوبة موضوعية وسريعة.
السؤال هو هل نتنياهو، اليوم، قادر على أن يتصدى لكل هذا؟
عن "معاريف"
وترمب لم يوافق على لقاءه بعد.. نتنياهو قد لا يلتقي بايدن
23 يوليو 2024