على الرغم من الموافقة على قرار مجلس الأمن تمديد عمل قوات اليونيفيل في لبنان، فإنه ليس لإسرائيل سوى الاعتماد على نفسها. جاءت الموافقة على خلفية توترات متواصلة في الشمال بين إسرائيل و"حزب الله"، وعلى ما يبدو، نتيجة للتآكل المستمر في الردع الإسرائيلي. إسرائيل ليست معنية بأي تصعيد للوضع في الشمال، لكن يتعين عليها تعزيز ردعها ضد "حزب الله". ويجب عليها الانتقال من سياسة الاحتواء في لبنان إلى تصعيد تدريجي ومضبوط. ومع ذلك، يجب الأخذ في الحسبان احتمال التدهور إلى جولة قتال، أو حتى إلى حرب واسعة النطاق ضد "حزب الله".
الموافقة على قرار مجلس الأمن، الصادر في 31 آب 2023، والذي يمدّد عمل قوات اليونيفيل في لبنان، جرى تسويقها كإنجاز سياسي دبلوماسي إسرائيلي، وذلك بعد قيام مجلس الأمن بإضافة بند على الاتفاق، يمنح قوات حفظ السلام في لبنان حرية الحركة والقيام بدوريات في الجنوب اللبناني كله، وليس فقط في منطقة الحدود، وبالتالي العمل "بشكل مستقل". أي أن في استطاعة قوات اليونيفيل القيام بدوريات فجائية في الجنوب اللبناني كله، بعكس ما كان عليه الوضع قبل القرار الحالي.
مع ذلك، من المهم التخفيف من حماسة الجانب الإسرائيلي. أولاً، لأن القرار يتطرّق بصورة عامة إلى أن على القوات الدولية التنسيق مع الجيش اللبناني (على الرغم من أن القرار يسمح لها بالقيام بدوريات بصورة مستقلة)، وهو ما يعطي ذريعة ضعيفة للجيش اللبناني و"حزب الله" لإحباط دوريات اليونيفيل.
وبغض النظر عن السفسطة في لغة القرار، من الصعب الافتراض أن قوات الأمم المتحدة ستعمل بعكس إرادة "حزب الله". ولا يمكننا أن ننتظر من قوات حفظ السلام القيام بما يجب أن تقوم به إسرائيل في الجنوب اللبناني. لقد ثبت في الماضي، أكثر من مرة، أنه في اللحظة الحاسمة، لا تقوم قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام بوظيفتها. وعلى الرغم من أن من صلاحيات اليونيفيل منع تهريب السلاح من سورية إلى لبنان، فإنه منذ تشكيل القوة لم تسجَّل حادثة إحباط واحدة لتهريب السلاح. تعمل قوات اليونيفيل في الجنوب اللبناني منذ سنة 1978، وعلى الرغم من ذلك، فإن وجودها لم يمنع "حزب الله" من تعظيم قوته العسكرية ومراكمة أكثر من 200 ألف صاروخ. لذلك، ليس لإسرائيل سوى الاعتماد على نفسها. ومن المهم التشديد على أن قوات الأمم المتحدة لم تنجح في منع نشاط معادٍ لإسرائيل في أي ساحة.
جاءت الموافقة على تمديد عمل قوات اليونيفيل على خلفية توترات متواصلة في الشمال بين "حزب الله" وإسرائيل. في 13 آذار فجّر "مخرّب" لبناني (على ما يبدو، أرسله "حزب الله"، أو جاء بتوجيهات منه) عبوة ناسفة من نوع كاليمغور (المعروفة لدى "حزب الله") بالقرب من تقاطُع مجدو، ما أدى إلى إصابة مواطن إسرائيلي إصابات بليغة. في 6 نيسان أطلق نشطاء "حماس" 35 صاروخاً على الجليل الغربي، وصواريخ على المطلة، على ما يبدو، بموافقة "حزب الله"، وبغض نظر منه. حتى لو لم يكن التنظيم "الإرهابي" الشيعي هو الذي بادر إلى العملية ودفع بها قدماً، يمكن الافتراض أنه كان على عِلم بها بسبب سيطرته الحصرية على الجنوب اللبناني.
في 6 تموز أُطلق صاروخ مضاد للدروع في اتجاه إسرائيل، وردّ الجيش الإسرائيلي بقصف مدفعي استهدف منطقة إطلاق الصاروخ. في 21 حزيران نصب "حزب الله" خيمتين يتواجد فيهما نشطاء مسلحون على أرض "خاضعة للسيادة الإسرائيلية". كما حاول نشطاء من "حزب الله" تخريب السياج الحدودي، فأبعدهم الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي أدى إلى جرح 3 عناصر من الحزب. في ذلك اليوم هاجم نشطاء "حزب الله" كاميرات مراقبة بالقرب من بوابة فاطمة القريبة من المطلة، وسرقوا كاميرا أُخرى. يضاف إلى ذلك عشرات الاحتكاكات والحوادث لاجتياز "مزارعين" و"لاجئين" الخط الأزرق.
يبدو أن زيادة جرأة "حزب الله" مصدرها التآكل المستمر في الردع الإسرائيلي. أولاً، وقّعت إسرائيل اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان في 27 تشرين الأول 2022، على خلفية تهديد "حزب الله" بالتحرك عسكرياً ضد إسرائيل إذا بدأت باستخراج الغاز من حقل "كاريش" من دون توقيع الاتفاق مع لبنان. في غضون ذلك، أرسل "حزب الله" 3 مسيّرات نحو منصة الغاز الإسرائيلية في 2 تموز2022.
الموافقة على الاتفاق بينما كان "حزب الله" يهدد كانت خطأ. تهديدات "حزب الله" وتحرُّكه عزّزا قوة الحزب في الساحة الداخلية اللبنانية حتى وسط معارضيه. وادّعوا في لبنان أن "المقاومة" كان لها "وزن" في كل ما له علاقة بموافقة إسرائيل على الاتفاق. توقيع إسرائيل الاتفاق خلق مظهر خنوع إسرائيلي وخوفاً من تهديدات "حزب الله". أكثر من ذلك، برّرت الحكومة الإسرائيلية التوقيع بأنه محاولة لمنع نشوب حرب مع "حزب الله".
بالإضافة إلى هذا، لم ترد إسرائيل على معظم الاستفزازات التي قام بها "حزب الله" في السنة الماضية، بما فيها نصب الخيمة الموجودة على أراضٍ "خاضعة للسيادة الإسرائيلية" (حتى كتابة هذه السطور). سياسة الاحتواء الإسرائيلية أضعفت الردع في مواجهة "حزب الله"، وزادت في درجة جرأته.
حالياً، ليس من مصلحة إسرائيل تصعيد الوضع في الشمال وخوض حرب ضد "حزب الله" في لبنان. إذ تواجه إسرائيل تحديات سياسية وأمنية أكبر في هذا الوقت، مثل معالجة التصدعات والانقسامات في المجتمع الإسرائيلي (بما في ذلك الجيش)، والمساعي للدفع قدماً بالتطبيع مع السعودية، وتعميق وتوسيع اتفاقات أبراهام، وطبعاً، مواجهة التهديد الإيراني، بما في ذلك التوصل إلى اتفاق نووي سرّي بين الولايات المتحدة وإيران.
في المقابل، يتعين على إسرائيل تقوية الردع ضد "حزب الله". لذا، عليها الانتقال من سياسة الاحتواء في لبنان إلى نهج يعتمد على تصعيد تدريجي ومضبوط. في المرحلة الأولى، يجب العثور على خيار أقل من حرب، مثل "المعركة بين الحروب" التي تقوم بها إسرائيل في سورية، وفي أماكن أُخرى من الشرق الأوسط. النشاط العسكري الإسرائيلي في لبنان يجب أن يُنفَّذ بالتدريج، وينتقل من هدف "قيمته ضئيلة" إلى هدف "أكثر قيمة"، مع المحافظة على أكبر قدر من الغموض.
احتمالات ردّ عنيف من "حزب الله" على عملية سرية يتقلص إذا كانت العملية ضد أهداف هامشية. وبهذه الطريقة، يمكن "تعويد" "حزب الله" على معادلة جديدة، ودفعه إلى ضبط نفسه. إن فرض المعادلة الجديدة على "حزب الله" ستُزعزع، بالتدريج، قدرات الحزب الشيعي وتقوّي الردع الإسرائيلي.
يمكن الافتراض أن "حزب الله" ليس معنياً بحرب ضد إسرائيل في هذا الوقت لأسباب عديدة. فهو يريد التركيز حالياً على الساحة الداخلية بسبب الأزمة السياسية والاقتصادية الحادة في لبنان. ويبذل الحزب الشيعي جهوداً كثيرة لإيصال مرشح يتعاطف مع الحزب وتؤيده إيران إلى رئاسة الجمهورية. وتتدخل في هذا الصراع دول عالمية، مثل فرنسا والولايات المتحدة ودول كبرى إقليمية، مثل السعودية. ولا يريد "حزب الله" أن يبدو أنه يؤذي الجهود الرامية إلى التوصل إلى تسوية وطنية في لبنان.
علاوةً على ذلك، سوّق "حزب الله" لتوقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل كنجاح له من دون شنّ حرب. ومؤخراً، بدأت شركات الطاقة بالتنقيب عن الغاز في المياه الاقتصادية اللبنانية، ولا يريد الحزب أن يُتّهم بالمسّ بالاقتصاد، وباستقرار اللبنانيين، في هذه الفترة من الأزمة السياسية والاقتصادية الحادة التي يعانيها لبنان.
مع ذلك، فإن النهج المقترَح ينطوي على احتمالات تصعيد يجب أخذها في الاعتبار. ويتعين على إسرائيل الاستعداد مسبقاً لاحتمال نشوب جولة قصيرة من القتال ضد "حزب الله"، تدوم عدة أيام. إذا حدث ذلك، فيتعين على إسرائيل استغلال الفرصة كي تضرب القوة العسكرية لـ"حزب الله" بعنف. على سبيل المثال، مهاجمة مخازن صواريخ الحزب ومنشآته وقياداته وبنيته التحتية العسكرية، وخصوصاً في الجنوب اللبناني.
من دون الاستعداد للتصعيد، سيتواصل تآكل الردع الإسرائيلي. لذا، يتعين على إسرائيل الاستعداد لحرب واسعة النطاق ضد "حزب الله". ويجب أن تترافق الاستعدادات العسكرية مع تحسين القدرات الدفاعية في مواجهة الصواريخ من لبنان.