يعبر اليوم الأخير في الساحة الفلسطينية المتوترة، بشكل رمزي، أنه حتى عندما تسعى إسرائيل لتعنى بالمواضيع الاستراتيجية المهمة مثل ايران والسعودية، والساحة الفلسطينية، فإن للفلسطينيين خطتهم الخاصة، حيث يتواصل التصعيد الأمني بشكل متدرج لكن ثابت حتى عندما لا تنتهي العمليات المخططة او المنفذة بقتلى إسرائيليين؛ مرات عديدة بسبب معلومات مسبقة من "الشاباك"، ومرات أخرى بسبب الحظ او المستوى المهني الضعيف لقسم من "المخربين"، الذين يخرجون لتنفيذ العملية. كل هذا لا يغير الصورة العامة: الساحة الفلسطينية والتصعيد المتواصل سيواصلان تصدر جدول الاعمال الأمني لإسرائيل في الأشهر القريبة القادمة.
قُتل ما لا يقل عن ستة فلسطينيين، الثلاثاء الماضي، في مواجهات مع الجيش الإسرائيلي، وفي كل الحالات، كما يقولون في الجيش، هؤلاء ليسوا مواطنين أبرياء، بل "مخربون" كانوا مشاركين في أعمال عدائية ضد قوات الجيش وحرس الحدود: قُتل أربعة مسلحين في مخيم جنين في تبادل لإطلاق النار، وقتيل آخر القى عبوة ناسفة نحو قوات "اليمم" الخاصة التي عملت في مخيم عقبة جبر، وفلسطيني آخر قتل في اعمال الاخلال العنيفة بالنظام على الجدار في قطاع غزة.
في مخيم جنين كانت هذه حملة الاعتقالات الثالثة، التي لم تنته باعتقال المطلوبين، منذ حملة "بيت وحديقة" كما توقعنا، هكذا أيضا يشخصون في الجيش الإسرائيلي بان منظمات "الإرهاب" في مخيمات اللاجئين تعمل على ترميم قدراتها، في ظل استخلاص الدروس من الحملة.
فضلا عن اعمال اعتقال المطلوبين، فان هدفا مهماً آخر لجهاز الامن هو العثور على مختبرات المواد المتفجرة، ومخازن السلاح وقطع سلسلة المحاولات لانتاج الصواريخ محلية الصنع واجراء التجارب عليها في ظل النشر في الشبكات الاجتماعية مثلما حصل سبع مرات على الأقل في السنة الأخيرة.
المتغير الأكبر في الأسابيع الأخيرة هو قطاع غزة. في الجانب المليء من الكأس لا يمكن تجاهل انه حتى بعد ستة قتلى فلسطينيين، لم تطلق من قطاع غزة ولو مفرقعة واحدة.
يثبت هذا المعطى مرة أخرى مستوى التحكم شبه التام لـ "حماس" بالميدان، فيما توجه التصعيد النسبي في الوضع في هذه المرحلة الى منطقة الجدار.
توضح إسرائيل، من جهتها، بأن محاولة "حماس" إعادة غزة الى معادلة الضغط على إسرائيل يوجد لها ثمن. مثلاً ألا يدخل آلاف العمال من غزة الى إسرائيل. يدور الحديث عن حدث ذي مغزى للاقتصاد الغزي المنهار.
اعمال الاخلال العنيفة بالنظام على الجدار بحجوم كبيرة أو صغيرة، مثلما هو الآن، كانت دوما بالنسبة لـ "حماس" طريقة لتنفيس الضغط في القطاع او كأداة لممارسة الضغط لتحسين الوضع الاقتصادي. في إسرائيل يعتقدون اليوم أيضا بان "حماس" ليست معنية بجر قطاع غزة الى المواجهة، لكن الأيام الأخيرة اذا ما استمر الميل ذاته، ستشهد على ان تصعيدا أخطر قد يتطور بسرعة، في وضع تغلي فيه الساحة الفلسطينية على أي حال.
قد لا تكون "حماس" معنية بمواجهة الآن، لكن تهريبات "مواد التخريب"، الذي أُحبطت وكشفت، مؤخراً، في كرم أبو سالم وميناء اسدود هي على ما يبدو طرف صورة أوسع فقط تتوجه فيها "حماس"، التي يصعب عليها جدا تهريب مواد التفجير والأسلحة عبر الحدود مع مصر في سيناء، او من البحر، الى طرق اكثر ذكاء في إخفاء مواد التخريب التي تلزمها لصناعة الصواريخ والعبوات الناسفة.
في السطر الأخير، في قطاع غزة، ساعة التصعيد المعروفة تتحرك دقة واحدة صغيرة الى اليمين. هذه لا تزال خطوة صغيرة، و"حماس" تتحكم بشكل كامل بمستوى اللهيب. لكن التجربة المتراكمة في قطاع غزة تفيد بانه عندما تبدأ حركة الساعة نحو التصعيد، فان الحالات التي يتحرك فيها العقرب الى الوراء قليلة جداً.
عن "معاريف"