لا يمكن أن تكون إسرائيل ديمقراطية في الوقت الذي تضطهد فيه شعباً آخر

121953_0
حجم الخط

 

 
 

بقلم: دمتري شومسكي
 رئيس الوكالة اليهودية، نتان شيرانسكي، جند ماضيه في الاتحاد السوفييتي من أجل مهاجمة احدى المنظمات المهمة في اسرائيل، والتي تعمل ضد الاحتلال، «نحطم الصمت». ففي مقال نشره في «هآرتس» بتاريخ 29 كانون الثاني، نفى شيرانسكي أن تسمى هذه منظمة حقوق انسان مثل المجموعات التي تعمل من اجل حقوق الانسان في روسيا السوفييتية. لماذا؟ لأنه حسب قوله، كان في الاتحاد السوفييتي نظام ديكتاتوري، أما «نحطم الصمت» فيحاولون تجاوز حكومة منتخبة في دولة ديمقراطية من اجل الحسم عن طريق الضغط الدولي في مسألة شرعية مختلف عليها بين مواطني اسرائيل.
يمكن الموافقة على الادعاء بخصوص الفرق بين الديكتاتورية السوفييتية وبين الديمقراطية الاسرائيلية، ولكن بعد ازالة الفلسطينيين من الضفة المحتلة وغزة المحاصرة. لأنه كيف يمكن اعتبار مؤسسات الدولة ديمقراطية وهي تمنح الشرعية لالغاء حقوق الانسان عن شعب آخر ومن اجل مصلحة مشروع كولونيالي ديني، يحركه حلم مسيحاني لسيطرة شعب على شعب آخر في بلاد يعيش فيها شعبان؟ السوفييت على الأقل كانوا صادقين مع أنفسهم ومع العالم عندما عرّفوا نظامهم كـ «ديكتاتورية البروليتاريا»، حيث كان واضحا ومكشوفا للجميع التناقض بين الديمقراطية وبين الدولة السوفييتية.
اسرائيل، التي تدوس مؤسساتها الديمقراطية حقوق الشعب الآخر الفلسطيني، تتسبب في اهانة القيم الديمقراطية. وهي بذلك تقدم الذخيرة الفعالة لأعداء الديمقراطية. والضرر الذي تسببه للديمقراطية في اوساط الجمهور أكبر كثيرا من المساهمة اللاديمقراطية التي كانت في حينه للاتحاد السوفييتي.
ما الذي ينقص شيرانسكي كي يلاحظ التهتك اليومي وتآكل المؤسسات الديمقراطية في اسرائيل بسبب الاستعباد المدني والقمع لشعب آخر؟ ومن أجل ملاحظة ذلك من الضروري الاقرار أولاً بوجود الشعب الفلسطيني، خصوصا أن شيرانسكي نجح في كتابة المقال دون ذكر كلمة «فلسطيني» ولو مرة واحدة. لهذا لو قرأ المقال زائر من الفضاء لكان اقتنع بسهولة أن «نحطم الصمت» ليست منظمة حقوق انسان. لأنه يصعب معرفة من هم الناس الذين تدافع عنهم هذه المنظمة.
لا غرابة في ذلك: مثلما أن اسرائيل كدولة ديمقراطية تحتل وتهين شعبا آخر وتلحق الضرر بفكرة الديمقراطية، كذلك ايضا الاتحاد السوفييتي الذي أحب التلويح براية حرية الشعوب – بما في ذلك الشعب الفلسطيني – لكنه مع ذلك قمع مواطنيه وصادر حقوقهم، وبذلك وضع مسألة الحرية موضع السخرية.
يبدو أن شيرانسكي، مثله مثل الكثير من مواطني اسرائيل الذين يتحدثون الروسية، غير مستعد للاعتراف بوجود الاحتلال الاسرائيلي. ليس فقط بسبب انتمائه لليمين الايديولوجي، بل ايضا لأنه يعتقد أن «الاحتلال» و «الفلسطينية» قد اخترعهما بريجنيف واندروبوف من اجل التعرض ليهود الاتحاد السوفييتي ومنعهم من الهجرة الى اسرائيل. بهذا المعنى ومن خلال المفارقة الديالكتيكية المحزنة، فان شيرانسكي نتاج واضح لذلك النظام الذي حاربه ببطولة وتصميم، والذي أخذ من حياته تسع سنوات من الحرية.
في الختام، لا يمكن عدم ذكر المتحدث باسم الحركة المناهضة في الاتحاد السوفييتي، اندريه سخاروف، الذي يعتبره شيرانسكي نموذجا اخلاقيا. البرلمان الاوروبي أسس «جائزة حرية التفكير» على اسمه. واحتج شيرانسكي في مقاله على منح الجائزة لـ «نحطم الصمت». لكن سخاروف خلافا لشيرانسكي لم يتردد أبدا في انتقاد اسرائيل بسبب اخلالها بالقانون الدولي. اضافة الى رفضه القاطع للعنف من قبل الفلسطينيين.
في حزيران 1968، بعد عام على حرب «الايام الستة» استنكر سخاروف نفي حق اسرائيل في الوجود من قبل العرب، وكذلك صلف وفظاعة اسرائيل تجاه اللاجئين الفلسطينيين. بالقدر ذاته الذي برر فيه الحرب معتبراً إياها حربا ضرورية ومانعة استنكر احتلال «المناطق» الذي أعقب هذه الحرب، واعتبر ذلك «سعيا لحل المشاكل الجغرافية بطرق عسكرية». والأهم من كل ذلك: مثلما أيد حقوق الشعب اليهودي بدون تحفظ، أيد ايضا حقوق الشعب الفلسطيني القومية.
يبدو أنه بالامكان مقارنة نشاط «نحطم الصمت» ومنظمات اخرى تعمل ضد الاحتلال، بنضال سخاروف. ليس فقط بسبب المساهمة في موضوع حقوق الانسان، بل أيضا السعي لإنهاء الاحتلال وحلم سخاروف عن دولة اسرائيل كدولة تتصرف حسب القانون الدولي، وتشدد على المساواة في الحقوق وتسعى الى تحقيق حقوق الفلسطينيين وتقرير مصيرهم.

عن «هآرتس