أمد/ قد يكون من حق أى إنسان أن يرسم خريطة تحمل أمنياته وأحلامه ويأمل فى أن تتحقق تلك الأحلام بطريقة مشروعة، ولكن السؤال هنا كيف يمكن لهذا الإنسان أن يرسم فى الواقع خريطة تفوق الأحلام وتتعارض معها بل ويحاول أن يقنع الجميع بها ويسعى إلى أن يفرضها على العالم غير عابئ بالجغرافيا أوبالسياسة أوبالتاريخ، وهنا لا أجد أمامى سوى أن أطلق على هذا الوضع مايسمى بأحلام اليقظة أو الأوهام الضائعة .
وانطلاقاً من هذا التوصيف المبسط رأيت رئيس الوزراء الإسرائيلى نيتانياهو وهو يستعرض خريطة رسمها خصيصاً ليقدمها إلى المجتمع الدولى خلال الخطاب الذى ألقاه أمام الدورة رقم 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 22 سبتمبر الحالى، حيث قدم نيتانياهو للعالم خريطة مزدوجة اشتمل الوجه الأول منها على الوضع عام 1948 حيث كانت إسرائيل محاطة بالدول العربية التى كانت تناصبها العداء فى هذا التوقيت، أما الوجه الثانى من الخريطة فقد اشتمل على ما سماه التحول أى الدول العربية التى قامت بعقد اتفاقات تطبيع مع إسرائيل حتى الآن .
وكم كان نيتانياهو شديد الصلف والغرور عندما أعلن بكل وضوح وصراحة أن السلام مع المملكة العربية السعودية أصبح قريباً للغاية، وأن هذا السلام سوف يساعد فى بلورة مايسمى بالشرق الأوسط الجديد، كما أنه سوف يساعد فى تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وهنا أجد من واجبى أن أوجه أربعة استفسارات إلى نيتانياهو ارتباطاً بالخطاب الذى ألقاه والخريطة التى عرضها : –
الاستفسار الأول: كيف يمكن لأى رئيس وزراء لإسرائيل أن ينكر وجود نحو ستة ملايين فلسطينى يعيشون فى الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة ويجاهدون من أجل الحصول على أبسط حقوقهم فى إقامة دولتهم المستقلة.
الاستفسار الثانى : كيف تجرأ أن يشطب كلمة دولة فلسطين من على الخريطة التى عرضها وتحل إسرائيل بدلاً منها،وهو بهذا الموقف يعلن رسمياً حذف مبدأ حل الدولتين تماماً من القاموس الإسرائيلى رغم أنه مازال يمثل أهم مبادئ المجتمع الدولى إزاء حل القضية الفلسطينية.
الاستفسار الثالث: كيف يمكن أن يؤدى التطبيع الإسرائيلى العربى إلى المساهمة فى حل القضية الفلسطينية التى يقف نيتانياهو نفسه عقبة رئيسية أمام إقامة الدولة الفلسطينية، ثم ماهى الرؤية التى يمتلكها للحل ولم يفصح عنها حتى الآن وكأنها أحد أهم أسرار الحرب النووية القادمة.
الاستفسار الرابع: كيف يمكن لإسرائيل تسويق تلك الخريطة الزائفة على المستوى الدولى، ثم ما هى تلك الدول التى ستوافق عليها، وفى يقينى أنه لاتوجد دولة فى العالم تنكر حق الفلسطينيين فى أن تكون لهم دولتهم المستقلة خلافاً لأوهام نيتانياهو وحكومته المتطرفة.
وهنا أجد لزاماً أن أؤكد ـ كما أكدت مراراً من قبل ـ أن من حق أى دولة عربية أن تعقد اتفاق سلام مع إسرائيل مادامت ترى أن ذلك يحقق مصالحها دون الإضرار بمصالح الدول العربية الأخرى، أما مسألة ربط التطبيع مع إسرائيل بإقامة السلام الشامل طبقاً لمبادرة السلام العربية المطروحة فى قمة بيروت عام 2002، ففى رأيى أنه يجب ألا نستند على هذه المبادرة نظراً لأن الواقع الحالى قد تجاوزها فعلياً بالرغم من أننى كنت من الطامحين فى إجبار إسرائيل على تقديم تنازل جوهرى للفلسطينيين فى مسار إقامة دولتهم قبل التطبيع، إلا أنه للأسف فإن هذا الأمر قد ولى دون رجعة ويجب ألا نراهن عليه مستقبلاً.
وليس من مهمتى أن أنصح أى دولة عربية بشأن محددات إقامة علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل فهى بالقطع الأجدر بهذه المهمة، ولكننى كمواطن مصرى أهتم بقضايا أمتى العربية خاصة القضية الفلسطينية فإننى أضع نصب عينى الموقف المصرى تجاه هذه القضية المركزية وأستذكرهنا وبشكل محدد اتفاق إطار السلام الشامل فى كامب ديفيد الذى وقعه كل من الرئيس الراحل محمد أنور السادات والرئيس الأمريكى جيمى كارتر ورئيس الوزراء الإسرائيلى مناحيم بيجين منذ نصف قرن وتحديداً فى سبتمبر 1978 أى قبل توقيع معاهدة السلام المصرية مع إسرائيل بستة أشهر وكيف عالج هذا الاتفاق كل القرارات والآليات المطلوبة لإقامة الدولة الفلسطينية من أجل تحقيق السلام الشامل بين العرب وإسرائيل.
ولاشك فى أن خطاب نيتانياهو كان ظاهرة كاشفة لطبيعة الوضع الحالى فى المنطقة والذى يمكن بلورته فى ثلاثة محددات رئيسية الأول أن قطار التطبيع الإسرائيلى العربى يتحرك بقوة وبرعاية أمريكية دون عوائق رئيسية، والثانى أن الدولة الفلسطينية تتباعد فرص إقامتها كل يوم بدرجة أسرع من أن يتصورها أحد، أما المحدد الثالث فإن المجتمع الدولى، سواء العربى أو الأجنبى ليست لديه القدرة على تغيير الوضع الحالى فى المعادلة الإسرائيلية الفلسطينية حيث تواصل إسرائيل سياساتها المتطرفة فى المناطق المحتلة أمام شعب يسعى جاهداً للحصول على أقل حقوقه وليس أمامه سوى المقاومة حتى يقضى الله أمراً كان مفعولاً .
وفى النهاية ففى رأيى أن خطاب نيتانياهو يجب أن يكون بمثابة درس قاسٍ للجانب الفلسطينى مفاده أن الحكومة الإسرائيلية ترى أن الفلسطينيين أصبحوا خارج سياق أى عملية سلام فى المنطقة، وأن السلام بالنسبة لإسرائيل يعنى فقط التطبيع مع الدول العربية والإسلامية، ومن هنا أوجه السؤال التالى لكل مسئول فلسطينى سواء كان فى السلطة أو التنظيمات والفصائل أو المؤسسات المختلفة ومفاده ألا يدفعكم هذا الموقف إلى اتخاذ خطوة واحدة فى مجال إنهاء الانقسام وتوحيد الرؤية الفلسطينية للحل ومحاولة التحرك لفرضها على العالم كما يحاول نيتانياهو فرض الأوهام وليس الحقائق التى تمتلكونها بجدارة ولكن لاتعملون عليها كما يجب.