منذ العملية العسكرية الاسرائيلية على قطاع غزة في مايو 2021 ، اختارت حركة حماس الهدوء وعدم التصعيد مع اسرائيل في حرب مفتوحة واكتفت بالوساطة المصرية و القطرية من اجل ترتيب العلاقة مع اسرائيل امنيا و اقتصاديا ونجحت الى حد كبير في سياسة الحصول على امتيازات اقتصادية تشمل تزويد وتشغيل محطة الكهرباء في قطاع غزة وفتح المعابر وخاصة معبر كرم ابو سالم وتصدير البضائع و الخضروات واستيراد مواد الخام اللازمة للبناء و المصانع ودخول الحقيبة القطرية بانتظام شهريا الى قطاع غزة وتسليمها الى حركة حماس بالاضافة الى اقامة علاقات ممتازة مع قطر وتركيا وعلاقة جيدة مع المخابرات المصرية ومحاولات المصالحة التي تمت في الجزائر ومصر وتركيا وغيرها من الخطوات التي تهدف الى انهاء الانقسام ولو اعلاميا امام الصحافة وامام الجمهور الفلسطيني وتميزت العلاقة مع اسرائيل بالهدوء التام و الكامل على حدود غزة مع دخول عمال غزة للعمل في اسرائيل ووصل عدد العمال من غزة للعمل في اسرائيل حوالي 20 الف عامل وتوفير عائدات مالية وصلت الى 6 ملايين شيقل يوميا تدخل غزة وساهمت في حركة تجارية و حركة ازدهار اقتصادي ملحوظ في قطاع غزة وخاصة في مجال البناء و ترميم البيوت التي هدمت في الحروب السابقة وحركة اجتماعية ممتازة في اقامة حفلات الزفاف و اهتمام العمال بمستقبل ابنائهم في الزواج و التعليم .
ولكن الامر بدأ يتغير على الارض منذ ثلاثة اسابيع حيث اخذت حماس ترسل مناصريها الى السياج الحدودي من اجل اشعال الاطارات في الليل و البالونات الحارقة وتفجير عبوات ناسفة على السياج الحدودي ونقل المتظاهرين في حافلات وشاحنات وفقا للاعلام و الصحافة الفلسطينية وهنا يبرز السؤال الكبير: لماذا عادت حركة حماس الى حشد المظاهرات على السياج الحدودي من جديد؟ ما الذي تغير و ماهي المتغيرات السياسية و الاقتصادية التي دفعت حماس بالعودة الى المظاهرات على السياج الحدودي؟ ما هي علاقة اسرائيل و السلطة الفلسطينية و قطر و تركيا في عودة حماس الى التصعيد على حدود غزة ؟ على الرغم من عدم مشاركتها في اربعة حروب قادتها حركة الجهاد الاسلامي بمفردها دون تدخل حماس في المعركة وفقا للاعلام الاسرائيلي ؟
اولا تعتبر حماس هي الحاكم الفعلي في قطاع غزة وهي توجه سياسة التصعيد وتتحكم بها من خلال المظاهرات على السياج الحدودي من خلال مؤيديها وانصارها وان كانت الاعداد قليلة الا انها تعكس قدرة حماس على تغيير قواعد الاشتباك مع اسرائيل خلال ايام وربما خلال ساعات و هي لا تحتاج الى سبب مقنع او قوي لفتح جبه مع اسرائيل في الجنوب ويكفيها " الاقتحامات اليويمة للمسجد الاقصى المبارك من قبل الجماعات اليهودية المتطرفة و اقامة الصلوات التلمودية كافية لكي تعتبرها تغيير في الوضع القانوني و التاريخي للمسجد الاقصى المبارك وبالتالي تبدأ في اطلاق عشرات الصواريخ على تل ابيب ورمدغان وحولون واشدود و اشكلون و اسديوت وبئر السبع .
من خلال قراءة متانية ودقيقة للمتغيرات في الشرق الاوسط و المعطيات على الارض ، اعتقد ان حماس هي من بدأت في حشد المتظاهرين للعودة للتظاهر عند السياج الحدودي وذلك وفقا لاجندة اقتصادية وسياسية تدخل في حسابات حركة حماس و تريد تغيير قواعد اللعبة و الاشتباك مع اسرائيل و تبعث برسائل سياسية الى عدة جهات محلية و اقليمية من اجل الحصول على امتيازات اقتصادية جديدة .
ولكن .. اعتقد ان الاجندة السياسية على سلم اولويات حركة حماس فلو نظرنا الى الشهر الماضي نجد ان هناك متغيرات سياسية كبيرة ومهمة بدات تظهر ملامحها في منظقة الشرق الاوسط و في العلاقة بين حماس و السلطة الفلسطينية من جهة وعلاقتها مع دول اقليمية من جهة ثانية.
حركة حماس فقدت دورها السياسي كلاعب مهم في صنع ورسم العلاقات الاقليمية في المنظقة العربية حيث كانت تتمتع بدور سياسي كبير من خلال علاقاتها مع قطر و تركيا ولكن بعد قمة العلمين (14-8-2023 ) التي عقدت في العلمين في مصر بحضور الرئيس السيسي و المللك عبدالله الثاني و الرئيس ابو مازن كان هناك قرار حاسم" منح الشرعية الكاملة للرئيس ابو مازن في ادارة الملف الفلسطيني ورئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الفلسطيني في اطار المفاوضات بين السعودية و اسرائيل من اجل اتفاق التطبيع الذي ترعاه الولايات المتحدة الامريكية لتحقيق اكبر مصالحة في التاريخ بين اسرائيل و السعودية اكبر قوة اقتصادية وسياسية في الشرق الاوسط واكبر قوة دينية وتتزعم العالم السني ضد ايران وحزب الله.
ثانيا : اصبحت العلاقة بين حماس وقطر في حالة فتور وانخفاض مستوى اللقاءات بين الطرفين وكذلك فتور في العلاقات مع تركيا خصوصا ان الرئيس التركي " اردوغان عاد الى اعادة العلاقات مع الامارات و السعودية و مصر وهذا يعكس تجاهل حركة حماس و خفض وجودها وتمثيلها على الاراضي التركية وفقا لمصادر اعلامية محلية و اقليمية .
ثالثا : مشاركة السلطة الفلسطينية في التنسيق في المفاوضات الجارية بين اسرائيل و السعودية برعاية امريكية وارسال ابو مازن ( حسين الشيخ وماجد فرج) وفد يمثل السلطة الفلسطينية في التنسيق وتقديم مطالب فلسطينية في اطار التطبيع القادم بين السعودية و اسرائيل و خروج حماس من المشهد السياسي الاقليمي بشكل كامل دون الالتفات الى رايها في المفاوضات الجارية او ملف التطبيع بشكل كامل بين اسرائيل و السعودية .
رابعا : عملت حركة حماس بشكل كامل على نقل المواجهة من قطاع غزة الى الضفة الغربية ولكنها لم تحقق انجازات كبيرة ونجاحات مقنعة للشارع الفلسطيني على اعتبار ان حركة الجهاد الاسلامي وكتائب شهداء الاقصى هي من تقود المقاومة في جنين و في نابلس بالاضافة الى العمليات الفردية التي ينفذها بعض الشباب الفلسطيني وبشكل فردي دون التنسيق مع الحركة بشكل كامل وهذا ما يعكس تبني حماس للعمليات الفردية بعد يومين او بعد اسبوع من تنفيذ العمليات الفردية.
واخيرا .. خروج حركة حماس من المشهد السياسي الاقليمي و الدولي هو الذي دفع حماس للعودة الى المظاهرات و البالونات الحارقة على السياج الحدودي .. اعتقد ان الاجندة الاقتصادية تاتي في المرتبة الثانية لدى حركة حماس حتى وان كانت الحقيبة القطرية لا تصل في موعدها او اصبح هناك نسبة اقل في المبلغ الذي تبعثه قطر الى حركة حماس و ارتفاع اسعار النفط وغيرها بالاضافة الى اشراف السلطة الفلسطينية و اسرائيل بشكل كامل على ادارة ووصول الحقيبة القطرية الى حركة حماس و تعتبر حركة حماس ان عائدات العمال من قطاع غزة الذين يعملون في اسرائيل تكفي لخفض نسبة البطالة و تساهم في نمو اقتصادي و توفير قوة شرائية في السوق في غزة بالاضافة الى فتح معبر كرم ابو سالم توفر سيولة مالية لحركة حماس من شانها ان تغطي نفقات حماس في داخل غزة و لكن الاجندة السياسية هي الاهم و الاكبر في توجيه سياسة حماس نحو تجدد المظاهرات على السياج الحدودي مع غلاف قطاع غزة وربما تتدهور الامور لتصل درجة التصعيد الى فتح جبهة مع اسرائيل خلال فترة الاعياد اليهودية.
*مختص وخبير في العلاقات الاسرائيلية الفلسطينية