غزة البائسة: مشكلة حركة "حماس"

thumb (1).jpg
حجم الخط

بقلم أشرف العجرمي

 

 

 

تطبّق سلطات الاحتلال سياسة حصار ظالمة، وغير مسبوقة، ضد قطاع غزة المغلق من جميع الاتجاهات باستثناءات محدودة لا تستجيب لحاجات ومصالح الناس، وفوق هذا يخضع القطاع بين فترة وأخرى لعدوان أو حروب عسكرية قاسية ومكلفة على كل الصعد، سواء في الأرواح أو الممتلكات والمقدرات. وكأن قدر غزة أن تحمل عبئاً ثقيلاً في كل المراحل والظروف. فمستويات البطالة في قطاع غزة تبلغ حوالى 45% وهي أكثر من ثلاثة أضعاف النسبة في الضفة الغربية، ومعدل الفقر 64% وهو أكثر مرتين منه في الضفة. وهذا بسبب سيطرة «حماس» على القطاع.
فإسرائيل أعلنت عن غزة منطقة معادية، وفرضت عليها حصاراً متعدد الأوجه مسّ بشكل جوهري بمستوى حياة المواطنين وأدخلهم في حالة من العجز والفقر، ما دفع عشرات آلاف الشبان للهجرة خارج الوطن، حيث لقي بعضهم حتفه غرقاً في عرض البحر، وبعضهم الآخر يعيشون في حالة من الضياع والتشرد.
من المهم الآن إلقاء الضوء على الواقع الراهن في قطاع غزة وكيف تتدهور الأمور بصورة خطيرة وكارثية، تجعل الناس تفكر فقط في الهجرة، وتجعل قسماً منهم يتمنون عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه في سنوات السلطة الوطنية الأولى قبل الانتفاضة الثانية، عندما كانت غزة مركز السلطة وكان فيها مطار، وكنا قريبين من تدشين الميناء البحري. وكان الممر الآمن بين الضفة وغزة مفتوحاً، والمواطنون يتنقلون بحرية بين غزة والضفة، بما في ذلك حرية العمل في إسرائيل. ربما لا يتمنى أحد عودة الاحتلال بشكله السابق إلى غزة وعودة المستوطنات والمستوطنين. ولكن الاحتلال لم ينته ولم تتحرر غزة حتى في ظل حكم حركة «حماس» وفي ظل وجود فصائل المقاومة وأذرعها العسكرية. فلا تزال إسرائيل تتحكم في الحدود وفي كل تفاصيل حياة الغزيين، من ماء وكهرباء ومواد غذائية وبترول، وفي كل ما يدخل أو يخرج من القطاع. ولا تزال تمارس سياسة العقاب الجماعي على غزة، وتنتقم منها كرد فعل على ما يقوم به أي فصيل فيها.
«حماس» في بداية سيطرتها على غزة كانت تحكم القطاع بالحديد والنار، وكانت تقمع كل شكل من أشكال معارضة حكمها، وتمنع التظاهرات والتعبير عن الرأي طالما يتناقض مع موقف الحركة أو يمسّ بصورتها بأي شكل، وحاولت فرض نظام اجتماعي مغاير. ولكن معارضة المواطنين وحالة السخط والغضب جعلت «حماس» تغيّر من سياستها وتسمح ببعض الحرية، بما ذلك التعبير عن الرأي بحدود معينة. وعادت الحريات الاجتماعية بصورة نسبية، وطرأ تحسن معين في الأجواء العامة.
لكن سلوك «حماس» الاقتصادي كان ضاغطاً بشكل كبير على الناس. فهناك الضرائب والجبايات التي اعتمدتها لتمويل مصروفاتها الكبيرة وهي تملك جهازاً كبيراً من المدنيين والعسكريين يفوق الأربعين ألف موظف، وأيضاً لتوفير أموال احتياطية لصالح الحركة ولقادم الأيام، وهذه أمور أكبر من طاقة المواطنين الذين يعيشون حالة بائسة في القطاع المحاصر والمكلوم. وفي بعض الجبايات يدفع التجار والمواطنون ضرائب أكثر من التي يدفعها المواطنون والتجار في الضفة. فبجانب ضريبة القيمة المضافة التي تُستقطع عن طريق إسرائيل لصالح السلطة في الضفة، تجبي «حماس» رسوماً وضرائب على السلع التي تدخل غزة، بمعنى أن التجار يدفعون مبالغ أكبر من نظرائهم في الضفة، وهذا طبعاً على حساب الأسعار والمواطنين. ويتم فرض ضرائب ورسوم على كل شيء حتى على بائعي البسطات الصغار. وهناك شيء إضافي فرضته «حماس» وهو نظام التعلية، أي عدم الاكتفاء بما يدفعه التاجر من قيمة مضافة بناء على الأرقام الواردة في فواتير الشراء، بل يجري تقييم البضائع من جديد ويدفع التجار ضرائب إضافية.
جباية «حماس» للأموال في غزة تتضمن مشكلتين كبيرتين، الأولى أن قسماً كبيراً من الأموال يجري نقله للخارج كاحتياط للحركة، وهذا يمس بالاقتصاد في غزة. والمشكلة الثانية هي عدم انتباه الحركة وتعاملها مع غزة ككيان من المفروض تأسيس بنيته التحتية الاقتصادية - الاجتماعية كبنية ثابتة وراسخة تؤهله للتحول إلى جزء من دولة مستقلة. أي أن «حماس» لا تنظر لحكمها في غزة كحكم دائم رغم كل سلطتها المفروضة على غزة وتحكمها بكل مقدراتها، بل تنظر له كمرحلة مؤقتة، وبالتالي تحاول الاستفادة القصوى من الوضع القائم الذي قد لا يدوم طويلاً. هي لم تعد تبالي بالسخط الشعبي الذي لا يقتصر على معارضي «حماس» والناس العاديين، بل يطال قطاعات من موظفي الحركة الذين باتوا يشعرون بوطأة التقليصات في رواتبهم والأعباء الملقاة عليهم.
إذا بقي الوضع على ما هو عليه ولم تغيّر «حماس» سياستها، فالأرجح أنها ستذهب إلى صدام مباشر مع الجماهير، ولكن في المرات القادمة لن تكون حركة الشارع من المعارضين لها فقط، بل ربما تجد نفسها في مواجهة مع قسم من مؤيديها وأعضائها، وفي أفضل الأحوال سيكتفي هؤلاء بالوقوف جانباً، وتعود تجربة السلطة القاسية التي نتجت عن الحصار الذي فرض على الحكومة وانتقاد الناس لسلوكها وتحميلهم المسؤولية لها، ما جعلها تخسر الرأي العام. ومشكلة «حماس» ومشكلة كل الأطراف الفلسطينية أنها لا تتعلم من التجارب التي مررنا بها وتعود لتكرار الأخطاء نفسها.