هآرتس: أدى اعتداء حكومة نتنياهو على قيم إسرائيل الليبرالية إلى حرب ثقافية

B7B8AAD5-3D17-46AA-9BB0-9418165BD6AA-e1603116701480.jpeg
حجم الخط

 بقلم انشل بابر

 

قبل ثلاث سنوات بالضبط رفرفت فوق بوابة هذه الصحيفة صور رائعة للصلاة الختامية التي أُقيمت في ميدان ديزنغوف في تل أبيب وأنهت عيد “يوم الغفران”.

كانت هذه فترة الموجة الثانية من وباء “كورونا”، حيث وقف آلاف الأشخاص في تل أبيب؛ المتدينين التقليديين والعلمانيين، والذين كانت الكنس العادية مغلقة في وجوههم بتوجيهات من وزارة الصحة، والذين لم تطأ أقدامهم أي كنيس منذ سنوات، جميعاً معا في الهواء الطلق في لحظة من الوحدة الإسرائيلية الحقيقية، وهي لحظة من اللحظات القليلة التي عرفناها في السنوات الأخيرة.

في أوساط المتدينين كان هناك من قاموا بالصلاة مع فصل مرتجل بين الجنسين في قسم من الميدان. لم يزعج هذا أي أحد. في منتهى يوم الغفران ذاك لم يكن هناك أي سبب يثير الإزعاج.

في إسرائيل في هذه السنة فإن مثل هذه اللحظة لم تعد ممكنة. انقضاض حكومة اليهودية الأصولية، التي شكلها بنيامين نتنياهو، على الديمقراطية الإسرائيلية مع اندماج زعرنتها الفجة تجاه كل قيمة لإسرائيل الليبرالية، أعطت الإشارة إلى بداية الحرب الثقافية.

حرب التدين والتحرر من الدين. يبدو أن هذه الحرب كانت متوقعة، وكان يجب أن تندلع في أي لحظة. ولكن لا شك في أن الانقلاب النظامي كان المسرع لذلك.

وعندما تكون تل أبيب في هذه الحرب فإنه لا يمكن أن يوضع فيها فاصل للفصل بين الجنسين في أي صلاة يهودية.

الحرب من أجل الديمقراطية ليست فقط حرباً على الاتفاقات القانونية أو صلاحيات المحكمة العليا (التي تم سحقها، أول من أمس، عندما تصرفت الشرطة خلافا لقرارات المحكمة العليا التي أبقت قرار البلدية على حاله، عدم السماح بوضع الفاصل)، بل من أجل الفضاء العام في تل أبيب، الذي اعتقد أنه يمكنه الهرب من مصير القدس، التي تتجه نحو الحريدية. هو أيضا يتعلق بالهوية اليهودية لكل مواطن إسرائيلي يهودي.

الحرب الدينية، التي افتتحت رسمياً في إسرائيل عند بداية الصوم، ستستمر وستكون قبيحة. في تل أبيب، وربما في مدن أخرى، فإن التسامح تجاه وجود بؤر يهودية غير متسامحة، يتلاشى.

يصعب الافتراض أن عرائش حركة حباد، التي أقيمت في السابق في الشوارع الرئيسة، والتي عرضت على عابري السبيل تنفيذ وصية الأربعة أنواع، سيُسمح لها بأن تبقى قائمة.

مبعوثو الحركةـ الذين يحاولون جعل عابري السبيل يضعون الوشاح الديني، الآن يمرون بتجربة من ينفذ عملية وراء خطوط العدو.

في هذه المرحلة لا يبدو أن هناك طريقة للجسر بين من اعتبروا أحداث “يوم الغفران” في تل أبيب محاولة لمتعصبين متدينين خرق قرار المحكمة العليا وفرض الفصل بين الجنسين في مدينة ليبرالية وبين من اعتبروا هناك متطرفين علمانيين يمنعون اليهود من القيام بطقوس دينية.

هذا الشرخ في المجتمع، إرث نتنياهو، لا يمكن رأبه في القريب. بالعكس، من المرجح أن الحكومة فقط ستحاول تعميقه أكثر.

سارع نتنياهو بعد انتهاء الصيام إلى إصدار بيان جاء فيه: “المتظاهرون من اليسار نفذوا أعمال شغب ضد اليهود أثناء الصلاة”.

الرسالة واضحة، هناك يساريون وهناك يهود. ذات يوم عندما همس نتنياهو بصورة مسممة في أذن إسحق كدوري، قدم تسهيلات لليساريين، وقال: “لقد نسوا ماذا يعني أن تكون يهوديا”.

الآن هم ببساطة ليسوا يهوداً. يمكن بالطبع الإشارة إلى نفاق من تعود على زيارة مع عائلته في “يوم الغفران” في السنوات الكثيرة التي قضاها في أميركا، لكنيس محافظ كان يصلي فيه الرجال والنساء معا. ولكن هذه أنباء قديمة. فمنذ ثلاثة عقود يستغل نتنياهو الشرخ المصطنع بين “اليهود” و”الإسرائيليين” من أجل بناء قاعدته السياسية.

لم يعد بالإمكان التفريق بينه وبين إيتمار بن غفير، الذي أعلن أنه سيأتي، هذا الأسبوع، لإقامة صلاة في تل أبيب.

ما بدأ كشرعنة للكهانيين من أجل شرعنة ناخب اليمين، أصبح دمجاً قيمياً جوهرياً.

نتنياهو وبن غفير يحملان عبثاً اسم اليهودية عندما يريدان تحطيم الديمقراطية.

مع ذلك، من المحظور تجاهل حقيقة أن هذه الطريقة خدمتهما بشكل جيد.

الآن هما يلاحظان فرصة كي يقوما بتصنيف المعارضين السياسيين لهما، الذين يحبون الديمقراطية الإسرائيلية، بأنهم تنازلوا عن الهوية اليهودية. الاحتجاج يجب أن يعمل بدقة من أجل عدم السماح لهما بتصنيفه مناهضاً لليهودية.

من سيستمرون في رؤية الحرب على الهوية الإسرائيلية كنضال من أجل القيم الديمقراطية في إسرائيل، ومن أجل الدفاع عن تل أبيب وعن الجيوب العلمانية من الأصولية، سيستمرون في الخسارة في المعركة الشاملة. هذا في الأساس نضال على تعريف اليهودية في إسرائيل ومن أجل مستقبلها.

أغلبية ساحقة من اليهود الإسرائيليين، بمن في ذلك التقليديون وجزء كبير من الصهيونية الدينية لا يتماهى مع رسالة القائمة التي تسمي نفسها بهذا الاسم، ليسوا أصوليين.

ولكن في معظمهم قبلوا كأمر مفروغ منه بأن اليهودية يعرّفها الهامشيون المتطرفون.

تنازلت إسرائيل الليبرالية منذ فترة طويلة عن هذه الساحة. فقد تنازلت عن معركة التعليم الرسمي، واستسلمت دون قتال عندما لم تهب للدفاع عن النساء اللواتي يتم رفض تطليقهن في المحاكم الدينية، ولم تهب للنضال في حالات كثيرة من أجل روح اليهودية الإسرائيلية.

في عيد “يوم الغفران” في هذه السنة سمعت صرخة الانطلاق نحو الحرب من أجل اليهودية في إسرائيل.

من يبحث عن شعار يمكن أن يجد الإلهام في صلاة “يوم الغفران”. “كي تنهي حكومة خبيثة من البلاد”. ولكن لن يكون كافياً تغيير الحكومة ووقف الانقلاب النظامي.

من يريدون الحفاظ على الديمقراطية الإسرائيلية يجب عليهم المشاركة أيضاً في النضال من أجل هويتها اليهودية.