هارتس : انقسام المعارضة: معسكر ثالث قيد التشكّل

تنزيل (20).jpg
حجم الخط

بقلم: رفيت هيخت

 

 


لا يهم الموقف من المشاهد في عيد "يوم الغفران"، وسؤال من هو المسؤول عنها. لا يوجد خلاف بأن تحويل الاحتجاج الى المشاركين في الصلاة، وتوثيق الشجارات بين العلمانيين والمتدينين، يخدم في المقام الاول رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو. الصراع بين مفهوم "يهودي" و"يساري" هو الصنبور الذي يستمد منه نتنياهو سلطته. لم يبدأ هذا بالهمس السيئ في أذن الحاخام اسحق كدوري، ولم ينته ايضا برده السيئ على المواجهات في منتهى عيد "يوم الغفران".
فقط في الحملة الانتخابية الأخيرة قال عضو رفيع في مركز "الليكود": "نقلنا الى الميدان الشعور بأننا نحارب على صورة الدولة اليهودية التي تتعرض للخطر. وسواء أكان هذا صحيحا أم لا، ماذا يهم ذلك، "لكنه كان مجديا" (كما نذكر، يدور الحديث عن حكومة ترأسها طوال الوقت شخص يعتمر القبعة). هذا ما يسعى له نتنياهو وجهاز التحريض المتوحش والحاد جدا له – أن يعرض كل معارض له على أنه "يسار"، وبعد ذلك وصفه بأنه "عدو لليهودية". الآن هو بحاجة الى هذه الادوات أكثر من أي وقت، من اجل أن يعيد الساخطين على حكومة الفظائع التي شكلها، الذين ما زالوا يتبنون مشاعر تقليدية. إن تحويل الاحتجاج الى الزقاق الخطير لمسألة طابع اليهودية وتصويره زوراً على أنه اعتداء على قيم اليهودية يخدم نتنياهو ايضا بسبب أن ذلك يثير الخلافات بين أجنحة الاحتجاج وممثلي المعارضة، التي فاجأ رؤساؤها أحدهم الآخر غداة الاحداث. رئيس المعسكر الرسمي، بني غانتس، فاجأ عددا من اعضاء القائمة برد قاطع نسبيا ضد التحريض الشديد لـ "الرأس اليهودي"، وهي المنظمة التبشيرية التي نظمت الصلاة في ميدان ديزنغوف. زميله في القائمة، جدعون ساعر، فاجأ رئيس المعارضة، يائير لابيد، عندما هاجمه بشدة، ووضعه في الصف ذاته مع نتنياهو وبن غفير كمثيرين للفتنة.
"تفاجأنا، هذا لا يناسب جدعون"، اعترفوا في محيط لابيد في أعقاب هجوم ساعر. "لن نهاجم أبداً من يشاركنا في النضال. لابيد يعتبر نفسه زعيم المعسكر الليبرالي. وفي كل مرة يكون فيها اعتداء صارخ على الليبراليين، كما حدث في عيد "يوم الغفران"، سنقف ونقول رأينا، حتى لو أن ذلك لم يكن مجديا سياسيا". في وقت لاحق، في نهاية اليوم، نشر لابيد منشورا تصالحيا جدا تناول الاهتمام بالآخر، وتحفظ على تفجير الصلاة. هذا التغيير يصف بنزاهة التغيير في اتجاه المعسكر.
عضو الكنيست حيلي تروفر ايضا (المعسكر الرسمي)، الذي أغضبته احداث "يوم الغفران"، كتب منشورا طويلا، عارض فيه وبحق بشكل عميق سلوك "رأس يهودي"، وايضا عارض سلوك المتظاهرين في ميدان ديزنغوف. تروفر، الذي هوجم ايضا على خلفية مبادرة "عريشة السلام"، التي يختلف معها من بين آخرين عضو الكنيست ميخائيل فالدايغر (حزب الكهانيين)، يثبت نفسه ويرتاح بشجاعة على خلفية المناخ الحالي وفي هذه الاجواء المعتدلة. "اؤيد الحوار مع الجميع تقريبا، لكني ما كنت لأعقد عريشة سلام مع كل واحد منهم، فالدايغر واوفير سوفير هما عضوان معتدلان نسبيا في حزب الصهيونية الدينية. من المحظور اعطاء مفعول للحجة التي تطرح تجاهنا، وكأننا مستعدون لنتحدث مع أبو مازن وليس مع اليمين".
كما يتحدث تروفر عن الخط الذي يتخذه الاحتجاج، مؤخراً، والذي كما يقول يبعد الجمهور التقليدي الذي اجتاز الخطوط منذ الآن، وأساسا في اعقاب حدث غالنت. "كل الاشخاص الذين نجحنا في أن نجلبهم بعد خمس حملات انتخابات يتراجعون الى الوراء"، كتب. "اشعر أنني جزء من الاغلبية. الاغلبية تريد يهودية – ديمقراطية. الاغلبية لا تريد أن يقوضوا كيانها – لا من هنا ولا من هناك".
بعد أن بات متان كهانا يسمي رؤساء الاحتجاج "حارقي المحاصيل" يمكن أن نضيف، اذاً، سياسيين آخرين من المعارضة يتجرآن على انتقاد الاحتجاج أو على الاقل أجزاء منه على رؤوس الاشهاد. تحفظهم على ما يفسرونه كتصعيد في طرق عمل المحتجين ليس أمرا جديدا، وقد عبروا عنه باشكال مختلفة منذ عهد الحوار في مقر الرئيس. أما الآن فقد نضجت اللحظة من ناحيتهم ليتخذوا موقفا اكثر حزما. فهم يشخصون المطلب المكبوت القائم لدى الجمهور الذي شارك حتى الآن مشاركة ضيقة جدا في الاحداث، اذا كان شارك على الاطلاق.
هكذا، يقف الاحتجاج الآن امام اختبار الخلاف الجدي الاول فيه. ولكن اكثر من انقسام المعارضة أو الاحتجاج من شأن هذا الاختبار أن يولد في نهايته معسكرا ثالثا قد يستمد أناسه وقوته من الطرفين. وستقام اعمدة هذا المعسكر على جمهور ينفر من الحكومة، ويعارض متطرفيها منفلتي العقال، لكن في المقابل يطور اغترابا وغربة تجاه الاحتجاج الذي لا يتماثل معه سواء لاسباب الهوية أم لاسباب جوهرية.
هذه الحركة قد تبث احساسا متجددا في قيم الرسمية لتحل محل الاستنزاف الشديد من مظاهر التطرف الذي جاءت به هذه الحكومة. كما أنها بالقدر ذاته قد تعقد اكثر فأكثر لجة النزاعات الإسرائيلية.

عن "هآرتس"