يبدو أن تصريحات وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، التي قال فيها، إن السعودية وإسرائيل تقتربان في كل يوم من اتفاق تطبيع، أكثر فأكثر، حوّلت مسألة تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل من قضية تكهنات إلى مسألة حقيقية وذات صلة. في هذه النقطة، من المفيد البحث في مصالح الطرفين في التوصل إلى اتفاق والعقبات التي ستواجهه.
عند عرض خريطة مصالح الأطراف، يتبين أن كل طرف في المثلث السعودي – الإسرائيلي - الأميركي لديه مصلحة واضحة في التوصل إلى اتفاق تطبيعي. السعودية مهتمة بالحصول على موافقة أميركية من أجل تطوير برنامج نووي على أراضيها، يقلص الفجوات بينها وبين إيران في هذا المجال، كما أنها مهتمة بالحصول على منظومات سلاح متطورة، وتطوير فروع في الاقتصاد، مثل الصناعة والهاي - تك، والسياحة التي تُعَد في أساس خطة "السعودية 2030" التي وضعها وليّ العهد.
إسرائيل مهتمة بالاتفاق بسبب الإمكانية الاقتصادية الهائلة التي ينطوي عليها (فتح أسواق جديدة وشراء مواد خام بأسعار زهيدة)، وأيضاً بسبب الفرصة الكبيرة في أن اتفاقاً من هذا النوع سيؤدي إلى توسيع دائرة السلام في المنطقة، ويقوّي مكانة إسرائيل الاستراتيجية في مواجهة إيران، ما سيشكل إنجازاً كبيراً، بالنسبة إلى نتنياهو، قد يخفف من الشعور السلبي لدى الجمهور، والناجم عن الانقسام بشأن الإصلاح القضائي. من جهة أُخرى، إدارة بايدن مهتمة جداً بالاتفاق من أجل الدفع قدماً بمصالح أميركية إقليمية ودولية، وأيضاً في ضوء الانتخابات الرئاسية القريبة.
لكن في مواجهة مصالح الأطراف هذه، هناك عدد غير قليل من العقبات والتحديات. مسألة الثمن الذي سيُطلب من إسرائيل دفعه هي عقبة، لكنها ليست مستحيلة الحلّ. صحيح أن وليّ العهد السعودي، الحاكم الفعلي، ملتزم بالقضية الفلسطينية، لكنه أقل التزاماً من والده الملك سلمان، ومن الملوك الذين سبقوه. من المحتمل ألّا يصرّ وليّ العهد على المطالبة بحلّ الحد الأقصى للمشكلة الفلسطينية الذي يشمل قيام دولة فلسطينية ضمن حدود سنة 1967، عاصمتها القدس الشرقية، وحلّ مشكلة اللاجئين، وسيكتفي بثمن إسرائيلي أقل، من نوع الامتناع من فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، والحد بصورة كبيرة من البناء في المستوطنات.
تجدر الإشارة إلى أن الاتفاق مع إسرائيل ليس أمراً جديداً، في نظر الرأي العام السعودي. فمبادرة سلام الملك عبد الله (الذي كان آنذاك ولياً للعهد)، العائدة إلى سنة 2002، والتي وافقت عليها الجامعة العربية، حظيت بتعاطف كبير من الجمهور السعودي، واليوم، لا يُتوقع من هذا الجمهور، المشغول بمسائل داخلية وبالتهديد الإيراني، التعبير عن معارضة كبيرة للتطبيع مع إسرائيل، باستثناء أوساط دينية متشددة. والسؤال المطروح: هل من الممكن أن يلتقي الحد الأدنى الذي يطالب به السعوديون بالحد الأقصى الإسرائيلي المحتمل؟
العقبة الثانية هي مسألة النووي السعودي. تريد السعودية الحصول على موافقة أميركية لتخصيب اليورانيوم في أراضيها لأغراض مدنية. وهنا يُطرح السؤال: على أي أمور ستوافق إسرائيل، وماذا سيرِد في التفاصيل الصغيرة التي من المعروف أنها الأكثر أهمية؟ ففي نهاية المطاف، يمكن لبرنامج نووي مدني أن يتحول بسرعة إلى برنامج عسكري.
يجب القول هنا، إن كل هذا النقاش يمكن أن يكون أكاديمياً. ففي سيناريو اتخاذ إيران قرار "حرق الجسور" والمضيّ نحو القنبلة (إن لم يسبق لها أن فعلت ذلك في الظلام)، كل نقاش في "النووي السعودي المدني" يصبح لا حاجة إليه. فكما قال وليّ العهد أكثر من مرة، بما في ذلك تصريحاته هذا الأسبوع، ستسعى السعودية للحصول على سلاح نووي إذا امتلكت إيران سلاحاً من هذا النوع. إذا قررت السعودية سدّ الفجوة بينها وبين إيران في المجال النووي بسرعة، فإنها لن تطلب موافقة أميركية، بل ستستعين بأصدقائها: الصين وباكستان. وإذا دخلت السعودية في المسار النووي العسكري، فإن هذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى سباق تسلُّح نووي إقليمي.
العقبة الثالثة هي مسألة استقرار النظام. شهدت السعودية في العقد الأخير تغييراً جذرياً في بنية السلطة. فقبل عقد من الزمن، كان يوجد في السعودية توازُن بين أجنحة العائلة المالكة، وكانت الإصلاحات تجري بحذر، مع تقديس أهمية "الاستقرار"، أما، اليوم، فوليّ العهد محمد بن سلمان هو الحاكم الأوحد فعلياً، ويقوم بإصلاحات اجتماعية – اقتصادية سريعة بالقضاء على معارضيه الفعليين أو المحتملين، ما يزيد في الحوافز للتآمر عليه. وكونه الحاكم الأوحد والمركزي، فإن إلحاق الأذى به قد يؤدي إلى انهيار النظام أو زعزعته بصورة كبيرة. علاوةً على ذلك، لا يزال وليّ العهد السعودي شاباً في الـ38 من العمر، لكن اثنين من إخوته غير الأشقاء، من والدة غير والدته، توفيا في عمر الشباب بذبحة قلبية: الأمير فهد بن سلمان توفي عن عمر 46 عاماً والأمير أحمد بن سلمان توفي في سن الـ44.
للمرة الأولى في تاريخ العلاقات الإسرائيلية - العربية، لا ترتبط متانة اتفاقات السلام أو التطبيع باستقرار الأنظمة العربية فقط، بل أيضاً تحوم حول استقرار النظام في إسرائيل علامات استفهام. فالأزمة السياسية - الاجتماعية العميقة بشأن مسألة الإصلاحات القضائية تنطوي على خطر مباشر للتدهور نحو أزمة دستورية، وعلى خطر يهدد الحصانة الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية للدولة في المدَيين المتوسط والبعيد.
في إسرائيل، تحوّل الكلام عن "الحرب الأهلية" في الحديث العام من موضوع للبرامج الساخرة إلى خوف حقيقي، واستمرار الوضع المتزعزع يمكن أن يجعل الدولة أقل جاذبية في نظر شركاء محتملين، الذين سيسألون أنفسهم إذا ما كانوا سيوقّعون اتفاقاً مع دولة إقليمية عظمى، عسكرياً واقتصادياً، أو مع دولة تشهد عملية تفكُّك؟
الآن، يبدو أن الكرة بالأساس في يد الحكومة الإسرائيلية. فالحكومة، ورئيسها بصورة خاصة، سيضطران في وقت قريب جداً إلى اتخاذ قرارات استراتيجية في مسائل داخلية وخارجية، هي التي ستحدد إذا ما كانت ستنجح الاتصالات في التوصل إلى اتفاق تطبيع، أم ستفشل.
عن "معاريف"