في ظل واقع العرب اليوم ، والرهان على انهم قد يواكبون التغيرات الحبلى بها المرحلة والعالم ، لنفض ما علق بهم جراء استعمار يرث استعمار واغتصاب يتبع اغتصاب و استحمار يلي استحمار لشعوبهم واوطانهم ومقدراتهم ، حتى يكاد يصل الامر بهم الاقرار بأن فلسطين إسرائيلية وليست عربية ، فإنه ليس افضل من التذكير بما كتبه الشاعر الكبير نزار قباني عن هذه العروبة في مراحل مختلفة مما عايشه خلال حياته (1923-1998) .
في رحيل جمال عبد الناصر عام 1970 حيث الذكرى الثالثة والخمسين يوم امس و تمر على الامة مرور الكرام ، قال : قتلناكَ .. يا آخر الأنبياءْ / وليس جديدا علينا اغتيال الصحابة والأولياء / فكم من رسول قتلنا / وكم من إمام ذبحناه وهو يصلى صلاة العشاء / فتاريخنا كله محنة وأيامنا كلها كربلاء / أريناك غدر العروبة ، حي كفرتْ / لماذا ظهرت بأرض النفاق .. لماذا ظهرت ؟/ فنحن شعوب من الجاهليهْ / ونحن التقلبُ والتذبذبُ والباطنيهْ / نبايع أربابنا في الصباح ونأكلهم حين تأتي العشية.
في هزيمة 67 كتب "هوامش على دفتر النكسة" : أنعي لكم، يا أصدقائي، اللغة القديمه والكتب القديمة / أنعي لكم .. نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة / خمسة آلاف سنة.. ونحن في السرداب / ذقوننا طويلةٌ / نقودنا مجهولةٌ / عيوننا مرافئ الذباب / ما دخل اليهود من حدودنا / وإنما.. تسربوا كالنمل.. من عيوبنا.
في عام 1956 كتب قصيدته الخالدة "الحب والبترول" : كأن حراب إسرائيل لم تجهض شقيقاتك / ولم تهدم منازلنا.. ولم تحرق مصاحفنا .. ولا راياتها ارتفعت على أشلاء راياتك / كأن جميع من صلبوا.. على الأشجار.. في يافا.. وفي حيفا.. وبئر السبع.. ليسوا من سلالاتك / تغوص القدس في دمها.. وأنت صريع شهواتك / تنام.. كأنما المأساة ليست بعض مأساتك / متى تفهم ؟ متى يستيقظ الإنسان في ذاتك .
أما في العام الذي قتلت فيه زوجته العراقية بلقيس الراوي (1981) في تفجير استهدف السفارة العراقية ببيروت ، تبناه حزب إسلامي عراقي ، كتب فيها نزار مرثية طويلة رثى فيها العروبة : ها نحن نسأل يا حبيبة .. إن كان هذا القبر قبرك أنت ، أم قبر العروبة .. أيَّةُ أُمَّةٍ عربيةٍ تلكَ التي تغتالُ أصواتَ البلابِلْ ؟ قبائلٌ أَكَلَتْ قبائلْ ..وثعالبٌ قتلتْ ثعالبْ .. سأقُولُ ، يا قَمَرِي عن العَرَبِ العجائبْ / فهل البطولةُ كِذْبَةٌ عربيةٌ ؟أم مثلنا التاريخُ كاذبْ ؟. سأقول في التحقيق :إنَّ اللصَّ أصبحَ يرتدي ثوبَ المُقاتِلْ / والقائدَ الموهوبَ أصبحَ كالمُقَاوِلْ .. سأقول في التحقيق ..إن عفافنا عهرٌ ..وتقوانا قذارة .. / و ان نضالنا كذبٌ وأن لا فرق .. ما بين السياسة والدعارة / سأقول كيف غزالتي ماتت بسيف أبي لهب / كل اللصوص من الخليج إلى المحيط .. يدمرون .. ويحرقون .. وينهبون .. ويرتشون .. ويعتدون على النساء .. كما يريد أبو لهب / .. سأقول في التحقيق : الأنبياء الكاذبون .. يقرفصون .. ويركبون على الشعوب ولا رسالة .. / لو أنهم حملوا إلينا .. من فلسطين الحزينة .. نجمةً .. أو برتقالة ../ لو أنهم حملوا إلينا .. من شواطئ غزةٍ حجراً صغيراً أو محارة ../
لو أنهم من ربع قرنٍ حرروا .. زيتونةً .. أو أرجعوا ليمونةً ومحوا عن التاريخ عاره .
وعندما تسمع ان هذه القصائد قد أدرجت في المناهج ، تدرك ان العرب بدأوا يعودون الى عروبتهم وعروبتهم تعود اليهم . وذلك اضعف الايمان .