معاريف : السعودية "النووية": "الكابوس" الإسرائيلي يتحقق ..

الون بن دافيد.jpg
حجم الخط

بقلم: الون بن دافيد

 

 


بسرعة مفاجئة بدأت الحواجز بيننا وبين السعودية تسقط: زيارة علنية لوزير السياحة في المملكة، ووزير الاتصالات يطلب منذ الآن بأن تبنى له عريشة قبيل زيارته، الأسبوع القادم. وثمة إحساس عام بأن السلام ها هو يأتي. سيشكل السلام مع السعودية اختراقا دراماتيكيا للعالم العربي، لكن لا يقل دراماتيكية عنه الخطر الكامن في الاتفاق: الطلب السعودي ببرنامج نووي.
في كل صفقة وفي كل اتفاق توجد عناصر ثمن ومساومة، أما هذه المرة فمطلوب من إسرائيل أن تتخلى عن مبدأ أساس في مفهومها الأمني: منذ عشرات السنين تعمل إسرائيل على إحباط إقامة أي برنامج نووي في المنطقة، بحيث تبقى الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تنسب لها قدرة نووية. أما المطلب السعودي بقدرة تخصيب اليورانيوم فيهدد بأن يسحب من إسرائيل مكانتها المميزة في المنطقة، ويحرك سباق تسلح نووي.
"الاتفاق النووي مع السعودية سيكون إنجازاً غير عادي لإسرائيل، لكن السؤال هو بأي ثمن"، يقول لي اللواء احتياط، اودي ادام، المدير العام السابق لدار البحوث النووية في ديمونا. "إعطاء السعودية قدرة إنتاج مادة مشعة سيجعلها دولة نووية، وهذا ثمن جسيم اكثر مما ينبغي. قدرة تخصيب اليورانيوم هي قدرة في مسافة قرار يمكن جعلها برنامجا نوويا عسكريا".
لا تحاول السعودية إخفاء حقيقة أنها معنية بوضع أساسات برنامج نووي عسكري يسمح لها بإنتاج سلاح نووي في اليوم الذي تكون فيه لإيران قنبلة أولى. لن تبقى باقي الدول في المنطقة لا مبالية تجاه إعطاء قدرة كهذه للسعوديين. بعد لحظة من السعودية سيبدأ أيضا الأتراك، المصريون، والإماراتيون، بتطوير برنامج نووي خاص بهم، وسنقف أمام تحقق كابوس شرق أوسط نووي.
في الأسرة الأمنية – الاستخبارية يوجد إجماع بموجبه لا يمكن لإسرائيل أن تتعايش إلى جانب السعودية عندما تكون دولة عتبة نووية، وبالتأكيد أمام سباق تسلح إقليمي. فما بالك إن إعطاء شرعية لتخصيب اليورانيوم في السعودية سيسحب البساط من تحت كل حجة إسرائيلية ضد ايران؟ فإذا كان مسموحا للسعوديين فلماذا يكون محظورا على الإيرانيين تخصيب اليورانيوم؟
السؤال المفتوح هو هل سيكون ممكنا خلق ضمانات أو نظام رقابة على السعوديين يمنعهم من تطوير برنامج عسكري، والأجوبة عنه منقسمة. "انت ترى في ايران ماذا يساوي نظام رقابة"، يدعي اودي ادام. "في الدول الشمولية، في النهاية يكون كل شيء متعلقا بنية الحاكم الطيبة". مقابله، ثمة من يعتقدون انه سيكون ممكنا تطوير آلية يكون فيها الأميركيون يحوزون المفتاح لتخصيب اليورانيوم، وبدونهم لا يمكنه أن ينفذ.
في هذا الاتفاق يوجد الرب في التفاصيل الصغيرة والشيطان أيضا. من يتعين عليهم أن يمروا على التفاصيل، وأن يقرروا إذا كانوا سيعطون التسويغ لصفقة كهذه هم أولا وقبل كل شيء رجال لجنة الطاقة الذرية في إسرائيل وبعدهم أيضا الخبراء الفنيون في "الموساد" وفي "أمان". نافذة الزمن القصيرة للوصول إلى اتفاق قبل أن تغرق الولايات المتحدة في حملة الانتخابات للرئاسة – نحو نصف سنة – ستزيد ضغط القيادة السياسية على المهنيين لإعطاء مباركتهم للصفقة.
"ما أفهمه يفهمه أيضا أناس لجنة الطاقة الذرية. وهم أيضا يعارضون قدرة نووية في السعودية"، يقول ادام. "آمل أن تكون لهم القدرة على ألا ينثنوا وان يقفوا عند رأيهم المهني في وجه نزوات القيادة السياسية. وحيال معارضة الجهات المختصة سيكون من الصعب على رئيس الوزراء تمرير الاتفاق".
في هذه اللحظة فإن الوحيدين الذين يوجدون في تفاصيل الاتفاق هم رجال اللجنة و"الموساد"، بينما الجيش ووزارة الدفاع مقصيان حاليا عن التوافقات المتبلورة. توصيتهم حرجة؛ فإذا ما تحطم السد وأغرقت المواد النووية الشرق الأوسط فلن يكون ممكنا إعادة الوضع على سابق عهده. ليس مثلما في قضية الغواصات لمصر أو الـ"اف 35" للإمارات، سيكون صعبا على نتنياهو، هذه المرة، أن يتجاهل توصية الجهات المختصة، وهو سيدفعهم ليمنحوا له ختم الحلال.
إن حماسة الشركاء الثلاثة للوصول إلى اتفاق في الأشهر القريبة القادمة واضحة. ولي العهد، محمد بن سلمان، في وضعية مريحة للغاية؛ هو معني بالصفقة كما هي، دون دوافع إضافية، وهو في هذه الصفقة سيحصل فقط على ما يريد. كما انه يعرف انه من المشكوك فيه أن تمنحه الإدارة التالية بعد بايدن صفقة أحلام كهذه.
الرئيس الأميركي متحمس ليخفض أسعار الوقود قبل الانتخابات، بينما رئيس وزراء إسرائيل، الطرف الأكثر هامشية في الاتفاق، سيحظى باختراق تاريخي إلى العالم العربي – الإسلامي والى جانبه أيضا ربح سياسي لا بأس به. لكن إضافة إلى الموضوع النووي، سيتعين على نتنياهو أن يدفع الثمن بعملات صعبة أخرى: تنازلات للفلسطينيين وتآكل للتفوق النوعي التقليدي للجيش الإسرائيلي في المنطقة.
العائق الأكبر للاتفاق يوجد في التلة التي يقع عليها مجلس النواب الأميركي. من الصعب أن نرى كيف سينجح الرئيس بايدن في أن يجلب ثلثي الكونغرس لتأييد صفقة تغدق النووي والسلاح المتطور على دولة لا يزالون فيها يقطعون الرؤوس ويقطعون الأيدي في ميدان المدينة. ليس مؤكدا أن نتنياهو، اليوم، سيكون قادرا على أن يجند أصوات الجمهوريين اللازمين لتبرير الاتفاق. وعليه فمن السابق لأوانه كي البدلات والجلابيات للاحتفال في ساحة البيت الأبيض. العوائق في الطريق عالية ومركبة وقلة فقط في أسرة الاستخبارات مستعدون منذ الآن ليراهنوا على أن الصفقة ستتحقق بالفعل. البشرى لإسرائيل في الاتفاق مع السعودية هائلة – سياسيا، اقتصاديا وتاريخيا أيضا، لكن الثمن اللازم هو الآخر لها باهظ أيضا، وبرأي الكثيرين، باهظ اكثر مما ينبغي.

عن "معاريف"