جولة جديدة من اجتماعات المصالحة وإنهاء الانقسام عقدت الأسبوع الماضي في الدوحة برعاية قطرية، هذه الجولة جاءت في أعقاب حوار غير رسمي جرى في الدوحة واستانبول بين عدد من قيادات حماس ورموز وازنة من حركة فتح. نتج عن تلك الحوارات- كما أوردت «الحياة» في 7 شباط «ورقة غير رسمية يرى كثيرون انها مناسبة لتكون برنامج عمل للمرحلة القادمة وتتيح للطرفين تشكيل حكومة وحدة وطنية تحضر لإجراء انتخابات عامة قريبا».
الجولة الجديدة بالدوحة، كما جرت العادة وتكرّست، اقتصرت على وفد من حركة فتح وآخر من حركة حماس. وكالعادة، لم تجر مشاورات حول الأمر لا في قيادة منظمة التحرير ولا مع الفصائل وهيئات المجتمع المدني وأصحاب الرأي من الأكاديميين والشخصيات الوطنية المستقلة. وكأن الأمر لا يعني كل هؤلاء.
قد يكون هذا، إضافة الى عوامل كثيرة أُخرى مستخلصة من التجارب السابقة، هو ما جعل استقبال الناس لاجتماع الدوحة، وما جعل تعويلها على ما قد ينتج منه باهتاً اكثر.
لا يمكن وصف موقف الناس هذا بالسلبية او العدمية، ففي النهاية الناس بنت تجاربها وهي بهذا الخصوص تجارب شديدة المرارة. والناس محقة تماما حين ترى ان الأوان قد آن ليخرج موضوع المصالحة وانهاء الانقسام من الاحتكار الثنائي وعتمة الغرف المغلقة واسار الصياغات حمالة الأوجه المليئة بمخارج التهرب والنكوص، الى دفء أحضانها ونور الوضوح والمكاشفة والحلول الواقعية.
لم يصدر عن اجتماعات الدوحة بيان رسمي يعلن ما تم الاتفاق عليه. المعلومات المتوفرة عن وكالة «معا» الاخبارية ان الوفدين توصلا «الى شبه اتفاق او ورقة عمل بشأن المصالحة.(آلية تطبيق اتفاق المصالحة)...» سيتم التداول حولها في المؤسسات القيادية للحركتين وفي الإطار الوطني العام، «لتأخذ مسارها الى التطبيق العملي على الأرض»
رغم ان كثيرين كتبوا عن هذا الموضوع واشبعوه نقاشاً، فانه تبقى هناك، وعلى ضوء ما تقدم، مساحة لعدد من الملاحظات:
الملاحظة الأولى، ان طرفي اجتماع الدوحة لم يذهبا الى الاجتماع من باب حصول تقارب في الفكر السياسي لكل منهما، ولا نتيجة لتقارب مهم في البرامج والرؤى، او في المواقف السياسية تجاه القضايا الاكثر اهمية، ولا حتى في علاقة الود ولياقة تعبيرات ومفردات التخاطب المفترض وجودها بينهما.
الطرفان ذهبا الى اللقاء تحت ضغط الضرورة.
«حماس» ذهبت الى لقاء الدوحة، تحت ضغط الحالة الجماهيرية في القطاع والخوف من انفجارها تحت عصف الأزمات من كل نوع التي تعيشها. وبعد ان وصلت الى طريق مسدود كل محاولاتها التوصل الى ترتيبات ثنائية، وبمعزل عن القيادة السياسية، ترفع الحصار عن غزة من نوع الممر البحري الآمن والهدنة طويلة الأجل برعاية بلير وغيره. وأيضا بسبب ازمتها المالية الخانقة التي تجعلها عاجزة عن الوفاء باحتياجاتها والتزاماتها كسلطة فعلية حاكمة في القطاع.
أما حركة فتح، فقد ذهبت الى اللقاء تحت ضغط الحالة الجماهيرية المطالبة بإنهاء الانقسام، والتي تصاعدت مع تفجر الهبة الجماهيرية وإلحاحها بقوة على وحدة الموقف الوطني الفلسطيني وأدواته. ولأن خط المفاوضات السياسية قد وصل، بصيغته ورعايته التي كانت قائمة الى طريق مسدود. وأن المقاومة السياسية الدبلوماسية التضامنية المؤثرة والمتصاعدة تتقوى وتعطي نتائج أعلى في حال توفر وحدة الموقف والقرار والكيانية السياسية. وايضا، لضرورة الالتفات الى الذات الوطنية وتقوية لحمتها وتوحيد فعلها، للتعويض عن تراجع القضية الفلسطينية في سلم أولويات الواقع العربي. ثم، لأن موقعها كقيادة للسلطة الوطنية، يفرض عليها التصرف بمنطق انها هي ام الولد.
الملاحظة الثانية، لم يتطرق المجتمعون، الى البرنامج السياسي والنضالي وهو المفصل الأهم الذي يوحد مكونات النضال الوطني الفلسطيني ويوحد افقه وأداءه، ويشكل الإطار لكل العناوين الأُخرى. لم يكن مطلوبا منهم إنجاز البرنامج، لكن كان مطلوبا تأكيد الالتزام بمفاصل أساسية فيه تم الاتفاق المسبق عليها والدعوة الى استكمال إنجازه، واقتراح تصور لآلية إنجازه ثم تحقيق الاتفاق الوطني عليه.
الملاحظة الثالثة، ليس مفهوما لماذا، في ايام وجو الحديث عن لقاء الدوحة، تم افتعال وإقحام خلاف حول العلاقة بين برنامج حكومة الوفاق الوطني الموعودة، وبين برنامج منظمة التحرير. ليس مطلوبا ولا منطقيا ان يكون برنامج الحكومة نسخة من برنامج المنظمة ولا اقتباسا تفصيليا عنه، فللحكومة مهمات تنفيذية يحكمها برنامج تنفيذي. ولكن هذا البرنامج التنفيذي يجب ان يقوم على أساس برنامج المنظمة ولا يتناقض او يختلف معه بأي حال. هذا الخلاف اذا كان جادا وتم تمسك أي طرف به، فانه يكشف تشكك هذا الطرف بالمنظمة ذاتها وباستعداده الانضواء في إطارها. ويثير سؤالا: لماذا اذن حكومة وفاق وطني وما دورها؟ وفي اي إطار تكون المصالحة؟
الملاحظة الرابعة، في تفاصيل ما خرج عن اجتماع الدوحة انه تم الاتفاق على تسلّم حكومة الوفاق الوطني معبر رفح، على ان يبقى جميع موظفي حماس على رأس عملهم فيه. هذا يعني تكرار تأليف حكومة منزوعة الصلاحيات. فالفرق شاسع بين ان تقرر الحكومة وهي بكامل صلاحياتها الإبقاء على بعض موظفي المعبر او كلهم، وبين ان يفرض عليها ذلك كشرط مسبق سحبا وانتقاصا من صلاحياتها.
ثم ان هذا الترتيب، لو حصل، يعطي لحركة حماس الإدارة الفعلية للمعبر ويترك للحكومة دور الطربوش، ويكون بذلك لغما تملك حماس صاعق تفجيره ساعة تشاء. ويوفر أرضاً خصبة لسوء الفهم والتنافر مع الشقيقة مصر.
والى لقاءات للمصالحة تكون في حضن الناس وبمشاركة قواهم السياسية والمجتمعية، وتقوم على قاعدة القناعة الوطنية وليس ضغط الحاجة.