منذ بداية الصراع مع الحركة الصهيونية فوق أرض فلسطين، لم يكن غالبية العرب يعتبرونها "قضية محلية" بين الفلسطينيين واليهود، وليست "وعدا" لبناء دولة عنصرية خاصة بحدود واضحة، بل كتب شعارها وفقا للتوراتية، "من النيل الى الفرات أرضك يا إسرائيل"، كان الفلسطيني رأس حربة مواجهة المشروع الصهيوني بكامل أركانه، بالترابط مع عمق عربي ساهم كل ما يستطيع، وتحملت الشقيقة مصر، المكانة الأبرز في سياق الصراع مع العدو الذي أنجبه الاستعمار الغربي، واصلت أمريكا رعايته بكل ما لها قدرة أمنية – عسكرية واقتصادية، وتأثير على دول ترتبط بها ومعها.
وفي مسار ذلك الصراع الأطول عالميا، كان هناك من يخرج لبث سموم خاصة، خدمة للحركة الصهيونية وهدفها الأساس تهويد فلسطين، أرضا ومقدسات، المفترض أنها ملك عام وجدت فوق أرض فلسطين، والتي عرفت بالتاريخ باسم "أرض الرباط"، ومن بين الخروج "الشاذ" تجد بعضا من الإعلاميين والصحفيين، الى جانب ساسة وآخرين، أصوات ولدت بولادة المشروع الاحلالي، يأخذ أشكالا متعددة، في كل من مراحل الصراع، يعلو بعضها ويخفت وفقا لمنسوب الفعل الكفاحي الفلسطيني.
يوم الأول مع أكتوبر 2023، وقبل أيام من الذكرى الـ 50 لحرب أكتوبر 1973، التي جاءت لتحرير أرض عربية، بينها مصرية احتلت نتاج عدوان 1967 الذي قامت به أمريكا، نفذته دولة الغزو وممولته بعض الأطراف الشاذة قوميا، لحسابات خاصة، كتب الصحفي الكويتي احمد الجارالله رسالة الى الأمير السعودي محمد بن سلمان في صحيفة كويتية بعنوان "اعقلها وتوكل"، والحقيقة كان عليه أن يختصر الكثير ويكتبها بعنوان "براءة من العروبة قومية ومقدسات"، والذهاب الى "الصهيونية خيارا جديدا".
الصحفي الكويتي ليس مجهولا فهو صاحب سجل خاص في العداء للشعب الفلسطيني ثورة وقضية، ودوما يطل لبث سمومه حقدا وكراهية، وبعد صمت طال زمنه خرج بمسلسل من التحريض والعدائية وعنصرية غريبة، أكاذيب فريدة، تكشف جهلا ليس بالوقائع فحسب بل بما يفترض أنها معلومات متوفرة لتلاميذ الصف الرابع ابتدائي.
أن يطالب هذا الصحفي اختيار إسرائيل "حليفا"، وأن يدعو من يشاء لذلك الحلف الشاذ سياسيا، فذلك خياره، لا يترك حبة غبار واحدة على مسار القضية الوطنية، ولكن أن يتطوع لتبرئة الحركة الصهيونية ودولتها من ارتكاب جرائم حرب سجلها التاريخ ليس أرقاما، بل شهداء لا تزال أسماؤهم محفورة في "الذاكرة الوطنية" فتلك هي "أم الجرائم"، خاصة وأنها لا تزال معروضة أمام المحكمة الجنائية الدولية، وعليه ربما تستنجد به الحركة الصهيونية "شاهدا" نفي لمجازر الدولة اليهودية الفاشية، التي باتت قضية عالمية.
أن يدعي هذا الإعلامي، كذبا ناطقا بأن الخالد ياسر عرفات وقف مع غزو العراق للكويت، ومتجاهلا، أن القائد الكبير أبو إياد دفعه حياته ثمنا للموقف الفلسطيني الرافض للغزو، فتلك ليست عملية تشويه فحسب، بل تضليل وكذب ناطق بلك اللغات الحية عدا "اللغة العبرية"، ومحاولة ساذجة لتبرير أي علاقة مع دولة العدو.
ومن باب طرق ذاكرة مخرومة لهذا البعض الإعلامي "العربي"، فالشعب الفلسطيني كان رأس الحربة ولا زال، ولن يتخلى عن مواجهة دولة الكيان الاحلالي، فلا خيار له غير ذلك، ولا وطن له غير ذلك، ولعل الثمن يفوق كثيرا ما يمكن لجاهلي الحقائق التاريخية استيعابه، فتلك مسألة جينية قد لا يستطيع "قاصر العقل" معرفتها وإدراكها.
ومن طرائف الجهل السياسي لهذا الإعلامي، عندما اعتبر اتفاق أوسلو مظهرا للتطبيع، دون تذكيره فهو فاقد مركزها، بأن الفلسطيني يبحث تحرير أرضه، وخلال بناء سلطته الوطنية قاد أهم مواجهات مع العدو الإرهابي والذي يقف الجارلله منحازا له ولروايته، مواجهات سجلها التاريخ المعاصر بـ الفخر الثوري" قادها ياسر عرفات واستشهد قائدا لمعركة وليس "أسيرا" أو "طريدا"، وربما ذلك ما أنتج الكراهية المخزونة لإعلامي يرى في المساس بدولة الإرهاب اليهودي خطرا على ما يحلم به "أرض النيل الى الفرات" صهيونية.
العربية السعودية، لا تحتاج نصيحة متصهين عربيا، فلديها من ينصحها بطريقته الخاصة، دون تزوير أو تحريض أو كراهية عنصرية للفلسطيني بصفته فلسطيني، وهي فتحت مسار التطبيع دون أن تضع فلسطين قضية مركزية وشرطا، كما نصت عليها مبادرتيها للسلام، فاس 1982، وبيروت 2002، فخيارها بحث عن مصالحها الجديدة، لبناء دولة جديدة، تستخدم فلسطين مسارا ثانويا، لاعتبارات خاصة جدا، لمكانتها المرتبطة بالبعد الديني للمقدسات، والطموح الإقليمي الذي بات عنصرا مركزيا في سياسة الأمير بن سلمان.
في العربية السعودية، مسؤولين وإعلاميين أوضحوا بشكل صريح، أن "الدولة الفلسطينية" لن تكون مطلبا كجزء من مسار التطبيع مع دولة الكيان برعاية أمريكية، وتلك صراحة لا تحتاج للذهاب بعيدا، بأن فلسطين باتت لدى البعض العربي "قضية إغاثة وليست قضيت سياسة".
ربما ما كان ما كتبه الإعلامي" الشاذ" عروبيا ان يكون محل نقاش، لكن تزوير الحقائق وتبرئة الحركة الصهيونية من سجل جرائم حربها، وعداء فريد لثورة الشعب الفلسطيني وقائدها المؤسس ياسر عرفات فرضت ألا يكون التجاهل خيارا، ولعله في ظروف أخرى كانت السخرية هي الرد على مخزون الجهل والكراهية التي يملكها.
مسار التاريخ لم يكن يوما خاليا من "كارهي فلسطين"، القضية والمكانة الرمزية من المنتسبين جينيا للعرب..لكن منسوب وقاحة بعضهم يرتبط بحال المشهد الفلسطيني وهمالة من يتولى أمرها!
ملاحظة: بعد ما فرضت أجهزة الأمن في دولة الكيان على رئيس التحالف الفاشي نتنياهو، عدم دعوة الإرهابي بن غفير لاجتماع خاص، خرج مكتبه ليقول علاقته مع بن غفير "فل الفل"..مكذبتك مش زابطة يا "بيبي دول".
تنويه خاص: حسنا فعل أحد أبرز الإعلاميين السعوديين عبد الرحمن الراشد بالتصريح، أن مطلب "دولة فلسطينية" مش جزء من مسار المملكة التطبيعي مع إسرائيل..بلكن بعض "تجار الشنطة السياسية" يبطلوا بيع الدجل ويبرروا شراء صمتهم!