في الوقت الذي تنطلق فيه عملية تلو الأخرى في "المناطق"، كان يخيل بالخطأ أنه ستخرج من غزة بالذات بشرى الهدوء والتهدئة، وأن الهدف الاستراتيجي الذي وضعته إسرائيل لنفسها، الفصل بين غزة والضفة من حيث المنطقتين أو حتى الكيانين اللذين لكل منهما منطق وسلوك خاص به، قد تحقق.
غير أنه بخلاف التقديرات والآمال في إسرائيل، وظاهراً أيضاً بخلاف كل منطق، مرة أخرى اختُرق الهدوء على حدود القطاع.
يدور الحديث عن نار تحت السيطرة، من خلفها إرادة واضحة من جانب "حماس" للحفاظ على مستوى اللهيب. لكن تجربة الماضي تفيد بأن ليس في هذا ما يكفي، وأنه عندما يكون اللعب بالنار يمكن لهذا أيضاً أن يشعل مواجهة واسعة.
في الضفة تفتقر السلطة الفلسطينية إلى السيطرة، وعمليات "الإرهاب" المتواترة في هذه المنطقة من فعل منفذين أفراد لا توجد من خلفهم يد موجهة ومنظمة.
أما في غزة، كما هو معروف، فإن الصورة مختلفة. يوجد فيها رب بيت، "حماس"، إن أرادت بقي الهدوء وإن أرادت حدث اختراق.
فبعد كل شيء، أحد ما ينبغي أن يجلب جموع المتظاهرين إلى السياج الحدودي، وأحد ما ينبغي أيضاً أن يسمح، وقبل ذلك أن ينظم ويزود، خلايا "الإرهاب" في طريقها إلى إطلاق بالونات الاشتعال أو إطلاق النار على استحكامات الجيش الإسرائيلي.
تضع الأحداث على حدود القطاع علامات استفهام فوق الفرضية التي تقول إن لـ"حماس" ما تخسره من اللعب بالنار، وإنها منصتة لدقات قلب السكان الفلسطينيين في القطاع، التواقين للهدوء والتهدئة.
لعل "حماس" بالذات تؤمن بأن الطريق إلى تثبيت مكانتها في القطاع والحرص على رفاه السكان بالذات يوجب اللعب بالنار، وليس بالضرورة الحفاظ على التهدئة، كما تريد إسرائيل، وكما تتصرف السلطة الفلسطينية في الضفة.
من الدارج الادعاء بأن "حزب الله" اللبناني هو الذي رسم نموذج الإلهام والتقليد لـ"حماس" في كل ما يتعلق بطريقة التصدي لإسرائيل وبحفر أنفاق "الإرهاب" على طول الحدود واختطاف جنود لأغراض المساومة أو ببناء ترسانة صواريخ بعيدة المدى فيها ما يردع إسرائيل.
غير أنه كما يبدو تختار "حماس" بالذات السير في طريق عائلات الجريمة في الوسط العربي، التي طريقها هو طريق العنف والخاوة، وهي تتعلم منها كيف تتصرف تجاه إسرائيل كي تنتزع منها ما تطلبه.
لا تريد "حماس" حقاً تغيير جلدها وهجر طريق الكفاح المسلح ضد إسرائيل. لكنها تريد أن تحافظ وتحسن ضخ الأموال النقدية التي تحولها لها قطر تحت العيون شبه المفتوحة لإسرائيل، وربما أيضاً أن تسهل الإغلاق الذي تفرضه إسرائيل على القطاع.
والطريق هو إذاً التهديد والضرب في كل مرة لا ترضى فيها أو تعتقد أنه يمكنها أن تحسن الشروط التي تحصل عليها مقابل الهدوء الذي تمنحه لنا.
هذا هو المنطق الذي يوجه خطى "حماس"، وهذا هو طريق سلوكها، ويخيل أنه هكذا كان دوماً.
وللحقيقة، فإن اللعب بالنار من ناحيتها هو رهان آمن، إذ إنه يمسك بإسرائيل مردوعة، والدليل هو ضبط النفس الذي يرد به الجيش الإسرائيلي على التصعيد في الجنوب.
ينبغي الافتراض بأن جولة المواجهة المحدودة على حدود القطاع ستنتهي في الزمن القريب القادم.
ستحصل "حماس" على ما تريد، مزيداً من المال من قطر وربما امتيازات وتسهيلات إضافية والهدوء سيعود إلى غزة حتى المرة التالية، التي لن تتأخر في المجيء.
إذاً، بخلاف أمل إسرائيل في أن تتصرف "حماس" ككيان دولة، فإنها تتصرف كعائلة جريمة تدخل إلى جيوبها أموال الخاوة لكنها لا تغير طريقها حقاً.
وللحقيقة، فإن ميل إسرائيل لأن تنهي الموضوع بسرعة وألا ترد بحزم يشجع "حماس" على مواصلة عادتها ورفع مطالبها وهكذا فإنها فقط تقصر فترات الهدوء بين التصعيد والتصعيد.
"حماس" غير مردوعة، وهي مستعدة للعب بالنار.
وفي السطر الأخير يتبين أن التفاهمات والتوافقات التي تقوم على أساس دفع الخاوة لـ "حماس" لا تحل المشكلة في الجنوب حقاً، ولا ترفع "حماس" إلى طريق الاعتدال، الذي يحولها في نهاية اليوم إلى شريك بالنسبة لإسرائيل. جولة المواجهة التالية على حدود القطاع هي بالتالي مسألة وقت.
عن "إسرائيل اليوم"