قال الجنرال الأميركي، ألكسندر هيغ، وزير الخارجية الأسبق عام 1981 والقائد العام لحلف الناتو من عام 1974-1979: «إسرائيل أكبر حاملة طائرات أميركية في العالم، على الرغم من أنها لا تحمل أي جندي أميركي، وفي الوقت نفسه لا يمكن إغراقها»!
على الرغم من كل تلك القوة إلا أن ذكرى حرب أكتوبر عام 1973 ستظل تُطارد إسرائيل إلى الأبد. هناك صحافيون وكتاب إسرائيليون يتساءلون اليوم: «هل يمكن أن تتكرر هذه المأساة؟»!
أورد الكاتب، آفي مائير، محرر صحيفة الجروسالم بوست، والناطق الرسمي باسم الوكالة اليهودية يوم 22-9-2023 إحصاءً بخسائر إسرائيل من القتلى والجرحى في تلك الحرب: كان عدد القتلى (2656) وعدد الجرحى (7251) جريحاً ومعاقاً، بالإضافة إلى أن هناك آلافاً أُصيبوا بمرض الصدمة الدائمة!
ما أكثر الكتب التي شخصت الهزيمة، وحملت عنوانها، كتب أوري بار جوزيف وهو مراسل إعلامي شارك في الحرب نفسها كتاباً كان عنوانه الرئيس (الحارس نام)!
استعدتُ في هذه المناسبة أيضاً كتاباً مهماً ترجمه ونشره مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت عام 1974، وهو كتاب (المحدال) أو السقوط والانهيار، كتبه صحافيون إسرائيليون وهو شهادات موثقة حقيقية لجنود وضباط شاركوا في هذه الحرب، مما جاء في صفحات الكتاب، على لسان أحد الضباط الإسرائيليين المشاركين في الحرب: «أبلغتُ القيادة بجهاز الإرسال أن الوضع العسكري كان ميؤوساً منه، نزل علينا قصف المدفعية المصرية كالمطر، المصريون يقتحمون مواقعناً الحصينة، أخبروا والدتي أنني قُتلت كبطل»!
مما جاء في الكتاب شهادة قائد الدبابات الإسرائيلية في الجولان، يوم الأحد 7-10-1973 «انتهى كل شيء، لم تبق لنا سوى إمكانية صد 600 دبابة سورية أحاطت بالمستوطنات، أجلينا سكان المستوطنات في مرتفعات الجولان قبل سقوطها في أيدي السوريين، أعددنا خطة لنسف الجسور وإغراق الأرض ببحيرات تربية السمك لمنع تقدم الدبابات السورية نحو سهل مرج ابن عامر وصولاً إلى حيفا، تحولت إسرائيل من دولة عسكرية كبرى إلى دولة تقاتل من أجل وجودها، يخيم عليها شبح الدمار الكامل»!
قال قائد دبابة آخر: «من المستحيل تجاوز الإخفاق في الحرب، لم تنجُ سوى دبابتي وحدها في هضبة الجولان، رجعتُ بها إلى المستشفى وعلى متنها 14 ضابطاً وجندياً جريحاً، أنقذتُهم من حطام دباباتنا، كرهتُ الصحافيين، كنت أراهم وهم يلبسون الثياب الفاخرة، والنظارات يصورون الجرحى في دبابتي، تمنيت أن أطلق عليهم النار»!
كانت حرب أكتوبر وصمة عار على جبين موشي دايان وزير الجيش، فقد أزالت هالة النصر المحيطة به باعتباره مهندس الانتصار الكبير في حرب الأيام الستة عام 1967. دفعته حرب أكتوبر إلى الاستقالة والانزواء، وتشكيل حزب فاشل جديد، (تيلم) لم ير النور. انتقم منه الإسرائيليون عندما توفي بمرض السرطان، يوم 16-10-1981 فلم يُشيع رفاته سوى عددٍ من أسرته يقدرون بالعشرات!
انشغلت مراكز الأبحاث والدراسات في إسرائيل في تحليل ظاهرة (الهزيمة) التي لحقت بجيش إسرائيل، شخصوا هذه الهزيمة بكون إسرائيل كانت مُصابة بغرور الانتصار في حرب يوليو 1967.
ما أكثر الصحافيين الإسرائيليين الذين أشاروا إلى العيوب والثقوب في أجهزة الأمن الإسرائيلية، وهذه الثقوب ظلت تُطارد غولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل في تلك الفترة، ودفعتها للاستقالة من منصبها!
استعدَّتْ إسرائيلُ لأول مرة في تاريخها لإطلاق القنابل النووية على القاهرة ودمشق، كما ورد على لسان موشيه دايان: «فلنستعد لإطلاق القنابل (القذرة)»!
كان الإجماعُ في إسرائيل يُرجع سبب الهزيمة إلى الإحساس بطغيان القوة، وعدم الاهتمام بالمعلومات الاستخبارية، وتجاهل مقدرة العدو!
شكلتْ إسرائيل لجنة (أغرونات) للتحقيق في هذه الكارثة، باسم القاضي، شمعون أغرنات. وهذه اللجنة أصدرت تقريرها المكون من 1500 صفحة نشر منها فقط 42 صفحة، أوصت اللجنة بإقالة، إلياهو زاعيرا رئيس جهاز المخابرات، وإقالة دافيد أليعازر رئيس هيئة الأركان، وشلومو غونين قائد الجبهة الجنوبية على قناة السويس، ثم خلصت إلى استنتاجات مهمة منها، استحداث مجلس الأمن القومي المنفصل عن الاستخبارات، بالإضافة إلى التوصيات بزيادة كفاءة الجيش في كل المجالات!
ظلَّ الإسرائيليون يستبعدون السبب الحقيقي وراء هذه الهزيمة، وهو بطولة العرب وفخرهم بهذا الانتصار!
للأسف لم ينجح معظم العربِ في بلورة هذا النصر ليتحول إلى مادة فخر تاريخية تُضاف إلى أمجادنا، تُخلَّد كمقرراتٍ في المعاهد والمدارس، فقط حوّلوا هذا النصر لمناسبة تقليدية سنوية احتفالية بروتوكولية!