في الفترة الأخيرة، في إطار الاتصالات من اجل التوصل الى اتفاق بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل، نشر أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يعنى بالتوصل الى اتفاق حول حلف دفاع بين إسرائيل والولايات المتحدة. على مدى السنين يطرح المستوى السياسي الرفيع بين حين وآخر وبحق هذه القضية من أجل إعادة فحصها. كانت المرة الأخيرة في العام 2019 عندما كان دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة.
لا شك أن هذه القضية مهمة ومن الجدير وضعها على المحك مرة كل بضع سنوات، أو في حالة وجود أي تغييرات استراتيجية. المعهد اليهودي – الأميركي للأمن الوطني "جنسا" أجرى فحصاً شاملاً في العام 2019 برئاسة الدكتور مايكل ماكوفسكي وعدد من الادميرالات والجنرالات الأميركيين حول الحاجة الى اتفاق دفاع مشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة. دعم المعهد في حينه هذا الأمر، ويدعمه الآن أيضا. أثناء الفحص التقى أعضاء المعهد مع جهات رفيعة في جهاز الأمن الإسرائيلي، اشاروا بدورهم الى أنه فعليا من ناحية امنية فان إسرائيل ليست بحاجة لمثل هذا الاتفاق. في الوقت الحالي، حسب تقارير في وسائل الاعلام، فان إسرائيل تريد من الاصدقاء الأميركيين "اتفاقاً محدوداً" ومحددا – من جهة لا يقيد يدها في كل ما يتعلق بالعمليات العسكرية، ومن جهة اخرى يعطيها الرد اذا وجد أي تهديد استراتيجي أو وجودي عليها.
ثمة لبنة أساسية في الامن القومي الإسرائيلي تقوم على العلاقات الخاصة مع أميركا. اختارت الولايات المتحدة على مدى السنين، في كل الإدارات الجمهورية والديمقراطية، أن تكون الشريك الرائد الاستراتيجي والرئيسي لإسرائيل في عدد من المجالات، وبالتأكيد في كل ما يتعلق بمنظومة الدفاع، لا سيما الجيش الإسرائيلي، الذي يعتمد حصرياً على السلاح الرائد والمتقدم الذي ينتج في الولايات المتحدة.
مع ذلك، منذ اقامتها وحتى الآن، لم تطلب إسرائيل في أي يوم من الولايات المتحدة أن تحارب من اجلها بشكل فعال. ولم تعرض للخطر في أي يوم الجنود الأميركيين. يعتبر هذا الوضع الفريد ذخراً كبيراً لإسرائيل، ومن المهم الحفاظ عليه. تشارك إسرائيل الولايات المتحدة قيماً مشتركة مثل الديمقراطية والحفاظ على حقوق الانسان وحرية التعبير وحماية الاقليات والاجانب في المجتمع. على هذا الاساس نشأت شبكة علاقات فيها الولايات المتحدة، عن طريق البيت الابيض ودعم الكونغرس والرأي العام ووسائل الاعلام في الدولة، تعطي إسرائيل ظهرا استراتيجيا وسياسيا وعسكريا، وتمكنها من الوصول الى السلاح الاكثر تقدما الموجود لديها.
مكّن هذا الامر ويمكن إسرائيل من الحفاظ على عامل حاسم في عقيدتها للامن الوطني – حرية العمل التنفيذية بوساطة القدرة المستقلة، وضمن ذلك ايضا من اجل ابعاد أي تهديدات استراتيجية – مثل تدمير المفاعل النووي في العراق في 1981 في عهد حكومة بيغن، وتدمير المفاعل السوري في 2007 في عهد حكومة اولمرت. المفاعل السوري قام سلاح الجو فقط بتدميره بعد أن رفض الرئيس الأميركي في حينه، جورج بوش، طلب إسرائيل أن تعمل الولايات المتحدة في هذا الشأن.
في العام 2019 عندما قمت ببلورة موقف رسمي حول حلف دفاع مع الولايات المتحدة تم طرح ستة مبررات اساسية ضد تسويق هذه الفكرة، وما زالت هذه المبررات سارية حتى الآن. أولاً، الاتفاق يمكن أن يعيق حرية العمل الاستراتيجي لإسرائيل، لكن ايضا حرية عمل الولايات المتحدة. ثانيا، ربما تطلب الولايات المتحدة من إسرائيل مساعدتها في عمليات عسكرية خارج حدود الاخيرة. ولكن الجيش الإسرائيلي بشكل عام لا يعمل بحجم واسع لمسافات طويلة بعيدة عن حدود إسرائيل. ثالثا، التعاون الاستخباري والعملياتي والامني والذي يتعلق بالوسائل القتالية بين الدولتين، يعتبر الآن أمرا غير مسبوق، واحيانا اكثر من الذي يوجد بين الولايات المتحدة وشريكاتها التي تتحدث اللغة الانجليزية. لذلك، حلف دفاع مشترك في هذا السياق هو أمر لا لزم له.
رابعاً، هناك احتمالية لأن يفرض حلف الدفاع معايير ملزمة غير مرغوب فيها على نشاطات عسكرية متبادلة. خامساً، يمكن أن يجبر الحلف كل طرف من الطرفين، إسرائيل والولايات المتحدة، على الكشف عن خطط واساليب وقدرات سرية، بعضها استراتيجية. هذا الامر لا يتساوق مع مصلحة إسرائيل. سادسا، الوضع المتفجر على حدود إسرائيل يمكن أن يورط الولايات المتحدة، وبالتالي المس على المدى البعيد بالشراكة معنا.
فوق كل ذلك كما قلنا فان حلف الدفاع سيضر بحرية عمل إسرائيل واستقلاليتها عند الحاجة الحاسمة حسب تعريف الحكومة الإسرائيلية – التي ليس بالضرورة أن تكون مصلحة حاسمة بالنسبة للولايات المتحدة. في هذه الفترة التي تتقدم فيها إيران بمشروعها النووي بدرجة لم تتقدم فيها في السابق فان هذا الاتفاق لن يبث قوة وردع، بل بالذات يمكن أن يعزز شعور اعتماد إسرائيل على أميركا، في الوقت الذي فيه الوضع الفعلي ليس كذلك. توجد لإسرائيل القوة الكافية وحتى الزائدة للدفاع عن نفسها وحدها أمام أي تهديد استراتيجي.
لذلك فانه بشكل خاص مقارنة بالعام 2019، يجب على إسرائيل القول بأن الدعم الاستراتيجي الأميركي والصداقة والشراكة الأمنية المتبادلة، كل ذلك حاجة حيوية لنا. ولكن اتفاق دفاع مع الولايات المتحدة، حتى لو كان مقلصا، غير مطلوب في هذه الأيام.
عن "هآرتس"