هارتس : البصق.. لغة إسرائيل الرسمية

ليفي.jpeg
حجم الخط

بقلم: جدعون ليفي

 


من السهل أن تصاب بالصدمة من اليهود الذين يقومون بالبصق على رجال دين مسيحيين في القدس. هذا أمر مقرف ويثير الاشمئزاز. ولكن لا يوجد أي مجال للتظاهر بالتفاجؤ. ليس فقط أن هذه ربما هي عادة يهودية قديمة، كما قال المشتبه فيه بتشويش التحقيق في عملية القتل، اليشع ييرد، هذه ايضا عادة إسرائيلية شائعة، وترمز الى سلوك الدولة. يعتبر البصق الموجه ضد المسيحيين في حالات كثيرة مطرا في نظر إسرائيل. يجب علينا عدم إظهار الورع.
سواء أكانت عادة يهودية قديمة أم لا، في طفولتنا كان هناك أولاد في تل أبيب العلمانية قالوا لنا بأنهم يقومون بالبصق عندما يمرون من أمام كنيسة. لم يثر هذا لدينا أي معارضة. معظمنا لم نتجرأ على دخول كنيسة كي لا تتم معاقبتنا. والمخيف اكثر من ذلك هو رسم علامة الصليب. شاهدنا لاعبي كرة قدم يقومون برسم علامة الصليب. وبين حين وآخر باختبار شجاعة لانفسنا قمنا برسم علامة الصليب بالسر وانتظرنا ما سيحدث.
الاجواء التي كانت سائدة في المدرسة الثانوية العلمانية في طفولتي هي أنه كان يجب ارتداء القبعة اثناء حصة التوراة. وقد كنا نقوم بتقبيل الكتاب المقدس اذا سقط على الارض. أثار المسيحيون الرعب والازدراء. وحتى الآن تراكم لدي عدد غير قليل من كتب التوراة التي حصلت عليها خلال السنين، وليست لدي الشجاعة على رميها لإعادة التدوير مثلما فعلت مع كتب اخرى كان عندي اكثر من نسخة منها. في إسرائيل العلمانية في الستينيات كنت شخصا متدينا جدا. وقد ادخلوا الينا الاعتقاد بأن اليهودية هي الديانة الاسمى من بين كل الديانات. وأن من يؤمنون باليهودية هم شعب الله المختار. وكل الديانات الاخرى اعتبرت متخلفة، واعتبر من يؤمنون بها عبدة اوثان، أشخاصاً بدائيين، وكأن هناك فرقا بين من يعبدون الأوثان وبين من يعبدون الله. نحن أبناء الشعب اليهودي، الذين كما يبدو لسنا عبدة أوثان، اعتبرنا قمة التنور والتقدم.
جميع الديانات الأخرى والأمم الأخرى تعلمت كل شيء منا. فقط منا. هذا ما قالوه لنا. عندما بدأنا هكذا في السنوات الاولى للدولة فاننا بعد مرور 75 سنة نحصل على من يقومون بالبصق على المسيحيين. هناك خط مستقيم موجود بينهم وبين ما علمونا إياه في المدرسة العلمانية. ولكن الآن نعتبر انفسنا متنورين واعضاء العالم الكبير، لذلك أصبنا بالصدمة من البصق.
وماذا بالنسبة لبصق الدولة، التي يعتبر البصق لغة من لغاتها الرسمية؟ كيف يمكن وصف تعامل إسرائيل مع المؤسسات الدولية، التي تستخف بكل قراراتها منذ عشرات السنين؟ هل البصق ليس ما تفعله إسرائيل امام أي قرار يتم اتخاذه في الجمعية العمومية للامم المتحدة وفي مجلس الامن وفي محكمة الجنايات الدولية في لاهاي؟
تقوم إسرائيل بالبصق على كل تقرير تصدره أي منظمة لحقوق الانسان. وعمليا، على موقف الاغلبية الساحقة في العالم. هي تبصق على الجميع. فهي دائما الضحية المطلقة، والضحية الوحيدة في التاريخ. لذلك من المسموح لها أن تفعل أي شيء، حتى البصق. لا أحد يمكنه أن يقدم المواعظ الاخلاقية لنا حول سلوكنا. لأننا نحن الذين اخترعنا نظام التنقيط. ومن يتجرأ على فعل ذلك سيحصل على صليات من البصق.
عميقا تحت جلودهم، يشارك الكثير من الإسرائيليين في البصق على المسيحيين في القدس. نحن أفضل وأكثر قوة وحكمة من كل العالم. عندما يذهب شباب إسرائيليون جاهلون الى أرجاء العالم، الى أميركا الجنوبية أو الى الشرق، فانهم يتعالون على السكان المحليين بطريقة لا يجرؤ أي شخص من أي شعب آخر على فعل ذلك. الأميركيون ساذجون، السويديون مربعون، الالمان جافون، الصينيون غريبون، ونحن فقط مثاليون.
كل من شاهد اتصالا بين إسرائيليين وبين اجانب يمكن أن يشعر بروح التعالي هذه التي تهب من كل محادثة، يرافقها لعب دور الضحية دائما، ليس فقط بسبب الكارثة بل ايضا بسبب الواقع. نحن نعاني بشكل كبير وبائس، يطلقون علينا ويهددون بالقضاء علينا. هناك "إرهاب". ومن الصعب والخطير العيش هنا، يقول أحد أبناء الشعوب المدللة في العالم، التي ظروف حياتها تصنف في العشرية الأولى في العالم.
بعد كل ذلك هل لا نبصق على المسيحيين الذين يقومون بكنس طريق آلامنا؟

عن "هآرتس"