الضجة الإسرائيلية حول أنفاق غزة: "حمـــاس" هــي المســـتفيدة

images
حجم الخط

 


تستطلع الكاميرات الامنية في معبر كرم أبو سالم في الزاوية الجنوبية للحدود بين اسرائيل وقطاع غزة باستمرار المناطق الفلسطينية على الجانب الثاني من الحدود. ففي الطرف الشمالي للمعبر، على بعد عدة مئات من الامتار، يمكن رؤية المكان الذي قصفه سلاح الجو مستهدفا نفق «حماس»، الذي تم تجهيزه لعملية في تموز 2014، وقتل 7 من نشطاء «حماس». هذه هي العملية التي افتتحت جولة الحرب الاخيرة في القطاع «الجرف الصامد». قليلا باتجاه الشمال وبالقرب من الكيبوتس، الذي سمي المعبر على اسمه، هناك برج مراقبة تم الهجوم عليه في حزيران 2006 حينما خرج مقاتلو «حماس» من النفق، وهاجموا من الخلف عدة اهداف عسكرية منها دبابة وقتلوا اثنبن وخطفوا ثالثاً، هو الجندي جلعاد شاليت.
المعبر الى حد كبير هو شريان الحياة الاخير للقطاع الذي يعيش فيه 1.8 مليون انسان في ظروف اقتصادية صعبة وضغوط خارجية من اسرائيل ومصر ونظام قمعي يفرض سلطة «حماس». كل يوم تمر هنا في المتوسط 850 شاحنة من اسرائيل والضفة الغربية، حيث تدخل البضائع الى القطاع. وضوعفت النسبة السنوية في 2015 قياسا بالعام الذي سبقه. نصف البضائع تقريبا مطلوبة للحياة اليومية في القطاع، والنصف الثاني يشمل مواد البناء التي يفترض أن تستخدم في اصلاح الاضرار الصعبة التي حدثت في غزة في الحرب الاخيرة. ففي الاشهر الاخيرة فقط دخل الى غزة 1.5 مليون طن من مواد البناء عن طريق اسرائيل. لكن في تلك الاشهر، في المناطق الشمالية في رفح، تراكم تل من الرمال، حيث إن جزءا كبيرا من مواد البناء يوضع هناك ولا يتم نقلها بسرعة الى اهدافها التي هي خطط البناء المدنية في القطاع. إنه المكان والزمان الذي تضع فيه «حماس» يدها على البضائع المطلوبة من اجل مشروع الانفاق.
هذا الاسبوع ايضا كان مشروع «حماس» في حدود القطاع محط اهتمام الاستخبارات الاسرائيلية. رئيس الاركان، غادي آيزنكوت، تحدث عن ذلك بشكل علني، الثلاثاء الماضي، في محاضرة في ذكرى  رئيس الاركان امنون لبكين- شاحاك. وقال آيزنكوت إن مواجهة الانفاق كانت المهمة الاولى للجيش في السنة الماضية، وهي ستستمر اثناء 2016. وكشف عن أن حوالي 100 وسيلة هندسية للجيش الاسرائيلي تعمل الآن للكشف عن الانفاق في حدود القطاع. وذكر أن البحث عن حل لموضوع الانفاق يستمر منذ العملية الاولى فوق الاراضي الاسرائيلية وخطف شاليت في 2006 (من هنا وبشكل نادر فان ذاكرة آيزنكوت تضلله حيث إنه في كانون الثاني 2004 دخلت خلية «مخربين» عن طريق الانفاق الى الجهة الاسرائيلية من حاجز ايرز في شمالي القطاع وقتلت جندياً من الاحتياط). عندما تحدث رئيس الاركان مر أمام القاعة طالب هو شاليت نفسه.
تحدث آيزنكوت بشكل غير مباشر عن الخلاف الذي ساد في الساحة السياسية في اليوم السابق في أعقاب ما نشره عميت سيغل في القناة 2 حول اقتراح الوزير نفتالي بينيت في جلسة المجلس الوزاري المصغر لمناقشة عملية ضد الانفاق الهجومية في القطاع. النقاش حول الهجمة الاستباقية، كما قال رئيس الاركان، يجب أن يتم في الاماكن الملائمة، أي ليس في وسائل الإعلام. لكن تقرير سيغل  عكس توجها أوسع. بعد هدوء استمر عاما فان قضية الانفاق تعود الى الساحة السياسية.
النقاش في هذا الامر يتم في ثلاثة مجالات ترتبط معا. المجال الاول يتعلق بالسؤال حول كيفية الاهتمام بهذا التهديد على خلفية التقديرات بأن «حماس» نجحت في اعادة بناء الانفاق الهجومية، ويبدو أن بعضها قد تم حفره تحت الحدود الى داخل اسرائيل. يتبين أن بينيت يوصي مرة اخرى بالقيام بخطوة هجومية، وهذا الاقتراح يعارضه رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الدفاع يعلون في الوقت الحالي خشية أن يؤدي ذلك الى مواجهة عسكرية أوسع مع «حماس». الجانب الثاني يتعلق بالاهتمام بالحل الدفاعي للانفاق. في الأجهزة الامنية توجد فكرة تكنولوجية للكشف عن الانفاق والميزانية المطلوبة لذلك هي 2.6 – 2.8 مليار شيقل، لكن لم يتم التقرير بعد من أين سيأتي هذا المال ولم يتم وضع جدول زمني ملزم.
تقوم الحكومة بالتهجم على حزب «يوجد مستقبل» المعارض في هذه المسألة، لا سيما عضو الكنيست حاييم يالين، الذي يسكن في غلاف غزة، ورئيس لجنة الكنيست لمراقبة الدولة وعضو الكنيست كارين الهرار، بسبب التأخير غير المبرر الذي قد يكلف حياة بشر.
وفي الخلفية هناك نقاش في الجانب الثالث وهو تقرير مراقب الدولة حول متابعة الانفاق، حيث إن مسودته ارسلت للوزارات المهمة في الاسبوع الماضي. الرد الشديد في «اسرائيل اليوم»، التي هي بوق نتنياهو، ضد مراقب الدولة، يوسف شبيرا، يشير الى أنه في محيط رئيس الحكومة قلقون الآن ويهتمون بعدة امور اخرى اضافة الى الانتصار القانوني لمسؤول بيت رئيس الحكومة مني نفتالي. إن فصول المسودة التي وضعت للقراءة لا تتطرق بالتفصيل الى مسألة سلوك الكابنت في القضية. هكذا ايضا يبدو أن شبيرا قد ظهرت له أنياب. لهجته حادة وتثير القلق ليس لدى نتنياهو فقط بل في وزارات اخرى منها جنرالات الجيش في الماضي والحاضر.
بعد تهديد نتنياهو العلني ضد «حماس»، نقلت قيادة «حماس» من غزة رسالة لإسرائيل عن طريق مصر وقطر بأنها غير معنية الآن بالحرب. رفيعو المستوى في «حماس» تحدثوا مع الصحافيين، هذا الاسبوع، وكرروا هذه الاقوال. في إسرائيل ايضا تم بث رسائل مشابهة عن طريق ارشادات لوسائل الاعلام. مع ذلك، انهيار الانفاق المتكرر في القطاع – يوم الثلاثاء انهار النفق الرابع في الاسابيع الأخيرة وقُتل نشيط آخر من «حماس»– يعكس كما يبدو الجهد المتواصل لـ «حماس» في الحفر وليس فقط تأثير الاحوال الجوية. لدى اسرائيل سبب جيد للعصبية لا سيما أن التحليلات الاستخبارية حول التطورات في القطاع فشلت اكثر من مرة، خصوصا حول وقف إطلاق النار اثناء الحرب الاخيرة. في الاستخبارات العسكرية توقعوا في تلك الفترة المرة تلو الاخرى استعداد «حماس» لإنهاء الحرب، لكن في غزة كان الوضع عكس التوقعات.
تستمر «حماس» في حفر الأنفاق، كما كان واضحا بعد «الجرف الصامد»، لأنها تمنحها افضلية تنفيذية ذات معنى استراتيجي. في الدفاع والحركة والبقاء والهجوم – وقدرة نقل القوات الى الارض الإسرائيلية وتجاوز الجدار وكذلك التفوق التكنولوجي الإسرائيلي في حال حدوث مواجهة برية مباشرة. لذلك، لن تتنازل «حماس» عن الانفاق، ومسألة استخدامها هي مسألة اخرى. الفائدة من الانفاق بالنسبة لها تعتمد على عنصر المفاجأة. منذ لحظة معرفة الجيش الإسرائيلي بوجود النفق يكون من الصعب استخدامه بصورة مفاجئة من قبل «حماس».
تستطيع «حماس» استخدام النفق لتنفيذ هجوم موضعي واحد أو المبادرة الى الضرب من عدة انفاق. والتوجه معروف: حملة قتل في يشوف أو موقع عسكري اسرائيلي قرب الحدود مع اعطاء الأولوية لخطف جنود. وهذا الأمر تعتبره «حماس» نقطة ضعف لاسرائيل، وهو يسمح بالاهتمام بمشكلة مزعجة بالنسبة للفلسطينيين وهي آلاف الاسرى في اسرائيل. الآن ولمجرد اهتمام وسائل الإعلام الاسرائيلية بالانفاق، تستفيد «حماس». حيث إن ذلك يزعزع الشعور بالامن الشخصي لسكان غلاف غزة، ويحدث الشرخ في  ثقة هؤلاء السكان بالحكومة وبجهاز الأمن.
مثلما حدث عشية «الجرف الصامد»، فان احدى الصعوبات التي تواجهها اسرائيل ترتبط بعدم دقة التحذيرات الامنية، حيث إن التحليل في كثير من الأحيان هو سيد الموقف. والطريقة الاكثر فعالية بالنسبة لإسرائيل هي تحييد السلاح الهجومي لـ «حماس» دون التورط في حرب شاملة في غزة، وهذا عن طريق بنية تكنولوجية قادرة على الكشف عن الانفاق. وهنا تدخل الى الصورة مسألة الجدول الزمني الذي لم يتضح بعد. من الواضح أن وضع العوائق منذ لحظة الموافقة على الميزانية سيستمر فترة طويلة. اضافة الى ذلك: اذا شعرت «حماس» في المستقبل بأن اسرائيل ستمنع استخدام الانفاق التي هي ورقة استراتيجية، فان قيادة التنظيم قد تفكر باستخدام هذا السلاح قبل أن تفقده نهائيا.

عن «هآرتس»

-