أهم ما يشغل بال نتنياهو !

netanyahu_08
حجم الخط

 


تخيلوا أنه في يوم من الأيام سينشب صدام بين اليهود والعرب في الحرم، ويتحول الى صدام عنيف، وتظهر موجة «ارهاب افراد» بشكل يومي من طعن ودهس؛  تخيلوا أن الاخبار هنا ستترجم الى مظاهرات في الاردن ومصر، فيقول الرؤساء هناك للرؤساء هنا إن هذا الامر لا يمكن أن يستمر، وإنه يجب فعل شيء حول موضوع الاقصى. 
تخيلوا هذا في أنفسكم. 
يتذكر رئيس الحكومة أن ملك الاردن لديه مكانة خاصة في الحرم. هذه المكانة الخاصة معترف بها ليس فقط في العالم العربي والاسلامي، بل ايضا في اتفاق السلام بين اسرائيل والاردن. يتبنى رئيس الحكومة خطة توسع وضع الكاميرات الموجودة في الحرم. وما ستلتقطه الكاميرات سيشاهده ليس فقط شرطة اسرائيل بل الاردنيون ايضا. ستتنازل اسرائيل عن جزء من سيادتها وتحصل في المقابل على الهدوء.
السؤال المطروح هو من الذي سيقدم الخطة للملك عبد الله. يتبين أن الملك لا يثق برئيس الحكومة ومقربيه على خلفية حادثة سابقة. بل هناك حاجة الى شخص يثق به الاردنيون. 
وقع الاختيار على تمير بردو، رئيس «الموساد»: الاردنيون يثقون بـ «الموساد». ولا يسارع بردو الى تحمل هذه المهمة. فهو لا يثق بأن ما سيعد به الملك سيتحقق. لكن العنف سيستمر. كل يوم طعن ودهس، وكل من يطعن ويبقى حيا يصرخ الاقصى الاقصى. ايضا المظاهرات في العالم العربي مستمرة، ووزير الخارجية الأميركي كيري يبدأ في رحلة مشاورات، وفي ظل الضغط الكبير يخرج بردو الى عمان. 
تخيلوا أن الملك عبد الله، بعد تردد، يتبنى الخطة. لكن عندها تظهر المشكلة. حيث يتضح أن أحد مقربي رئيس الحكومة أو هو نفسه نسي وضع «الشاباك» في صورة الخطة. الى هذا الحد كان أمرا كبيرا ادخال أو اختراع شيء. 
«الشاباك» لاعب مركزي في كل ما يحدث بين اسرائيل والفلسطينيين. وعندما يتم وضع اقتراح لتغيير قوانين اللعب في الحرم يجب أن يوقع عليه «الشاباك». وتجاوزه كان أمرا غريبا ومهينا بل ضار. 
باختصار، الملك وافق و»الشاباك» استأنف. في مكتب رئيس الحكومة اجتمع حكماء الجيل وبحثوا عن مخرج. مرت الايام والليالي وغيرت الانتفاضة شكلها: العمليات استمرت بشكل يومي، ليس فقط الطعن والدهس، بل اطلاق النار ايضا. لكن دعوات انقاذ الاقصى تضاءلت: استُبعد موضوع الحرم الى هامش البرنامج اليومي. الأمر الذي كان ملحا ويخص الحياة والموت في كانون الاول تحول الى قابل للتأجيل في كانون الثاني والى أمر هامشي في شباط. يعيش رئيس الحكومة بين عنوان وعنوان. اذا لم تكن هناك عناوين فليس هناك مشكلة. 
كل ضابط شرطة في القدس يعرف الرزنامة: مرتين في السنة تزداد حساسية موضوع الحرم، مرة في رأس السنة وعيد العُرش ومرة في عيد الفصح. الجموع الغفيرة اليهودية تصل الى «حائط المبكى» وأزقة البلدة القديمة. والاصوليون من الطرفين يتأهبون للمعركة. لحسن الحظ، عيد الفصح في هذا العام لا يتزامن مع عيد اسلامي. لكن ضمن الاجواء القائمة فان شرارة واحدة تكفي. مرة اخرى ستدار نقاشات في مكتب رئيس الحكومة، ومرة اخرى سيخرج مبعوث الى القصر في عمان وهو يحمل اقتراحا لا يمكن رفضه، ومرة اخرى سيقسمون أن هذا الاقتراح حقيقي وسيتم تنفيذه، وليقل مجانين الحرم ما يقولون، وهكذا دواليك.

روح الجيش الاسرائيلي
رئيس الأركان، غادي آيزنكوت، هو الشخصية الاكثر بعثا على الفضول في المؤسسة الإسرائيلية. إنه يملأ الفراغ القيادي الموجود هنا. في الأسبوع القادم سينتهي العام الاول لولايته. وبعدة معان لقد كان هذا عاما ثوريا. 
ألقى آيزنكوت، الثلاثاء الماضي، محاضرة في ذكرى امنون لبكين- شاحاك في المركز المتعدد المجالات في هرتسليا. وحينما تحدث عن نشطاء «نحطم الصمت» لم يتحدث عنهم كـ «خونة». 
«يتصرف الجيش بأخلاق عالية ولكن هناك استثناءات. لو لم يتصرف الجيش حسب روح الجيش الاسرائيلي لتسبب هذا الأمر بتفكيك الجيش من الداخل. عندما يتجند جندي للجيش الإسرائيلي يتم تعليمه ماذا يعني الأمر غير القانوني، وما هو الأمر غير القانوني بشكل مطلق. يقولون له إن واجبه كجندي هو عدم تنفيذ الأمر غير القانوني الواضح. نتوقع من هذا الجندي أن يتصرف بهذا الشكل في لحظة الحقيقة، لا أن يترك الجيش بعد بضع سنوات ويحطم الصمت. 
«أنا لا أقول كلمة عن المقاتلين الذين يخرجون لوسائل الإعلام. لا استطيع الجدل بشكل مفصل. ما يمكنني قوله هو أنه بعد عملية الجرف الصامد وصلتني شكاوى من اعضاء «نحطم الصمت» وطلبت أن يقولوا لنا ما الذي يشتكون منه، وأمرت المدعي العسكري بفحص كل حادثة». 
تحدث آيزنكوت عن أحد التقييمات التي شارك فيها في احدى الوحدات. كان الموضوع هو «الارهاب» الفلسطيني. «قال عدد من الضباط إن الإرهاب يحدث اليوم في الشبكات الاجتماعية وليس في ميدان المدينة. وحينما جاء دوري للاجمال قلت إن موجة الإرهاب بدأت لثلاثة أسباب: تغيير الوضع الراهن في الحرم وتراجع مكانة القيادة العربية والواقع الاقتصادي الصعب. الأحداث بدأت في القدس وانتشرت الى الخليل حيث سجل هناك 67 قتيلا. 
«لم يفهم الناس الى أن قلت لهم: أنا لا أتحدث عن الموجة الحالية بل عن قبل ذلك بكثير. فالإرهاب يرافقنا قبل وجود الشبكات الاجتماعية بكثير. 
«كيف يمكن ردع الافراد الذين يريدون القتل وهم يعرفون أن فرص نجاتهم ضعيفة؟ كيف يمكن ردع حامل السكين الذي يكتب أنه يريد تنفيذ عملية، وبعد ساعة ينفذ عملية؟ كيف يمكن توفير الحماية لكل مواطن إسرائيلي في كل مكان؟. 
«مع مرور السنين استطعنا تطوير انماط عمل ناجعة وناجحة في مواجهة الإرهاب المنظم. واستطعنا هزيمة الارهاب قبل عقد بفضل القدرات الاستخبارية. وهذا الامر الذي عاد علينا بانجازات كبيرة تحول الى مسألة معقدة عند الحديث عن شخص لا ينتمي لتنظيم. لكل واحد في البيت يوجد مطبخ وسكين وهو قادر على الذهاب وتنفيذ عملية. 
«نقوم بالدمج بين العوامل الدفاعية. كل ليلة تعمل في يهودا والسامرة ست كتائب وعشرات الفرق التي تهتم بمنع العمليات. من لا يعرف الواقع يطلب اقامة سور واق 2. الجيش الإسرائيلي يعمل بحرية كاملة ولا يميز بين مناطق أ و ب و ج. وعامل آخر هو جهدنا للفصل بين السكان والارهاب والسماح بوجود الأمل ولقمة العيش». 
قال رئيس الاركان إنه طلب مواصفات منفذ العملية. فكان الجواب هو أن كل واحد يمكنه أن يكون كذلك. فطلب مواصفات من لا ينفذ عملية. فكان الجواب واضحا: من لديه تصريح اسرائيلي – تصريح عمل في اسرائيل أو في المستوطنات، تصريح طبي أو تجاري. باستثناء عملية واحدة في تل ابيب، فان الاشخاص الذين لديهم تصاريح لم ينفذوا عمليات. ايضا أبناء الفلسطينيين الذين توجد لهم تصاريح لم ينفذوا العمليات باستثناء حالة واحدة. من الذي ينفذ العمليات؟ المقيمون غير القانونيين. لذلك يطلب الجيش استكمال بناء الجدار ومنع دخول غير القانونيين وإعطاء عشرات آلاف الأشخاص تصاريح عمل.

إنهم موسومون
كان يوم الثلاثاء احد ايام الشتاء الجميلة، بين امطار يوم الاثنين وامطار يوم الأربعاء كانت السماء صافية وزرقاء بدون غيوم والشمس لطيفة والرائحة الجيدة تنبعث من الارض وكان الهواء نقيا باردا يملأ الرئتين. بدأت على سفوح الجبال تظهر شقائق النعمان، مثل الدم، على الطريق التي تؤدي من ترمسعيا الى بؤرة عادي عاد في  شيلا. المتهم بالقتل في دوما هو من سكان هذه البؤرة.
كروم زيتون القرية وصلت الى هوامش البؤرة. بعض الاشجار قطعت أو سُممت وزرعت مجددا. موقع عسكري جديد أقيم على حافة الوادي، ساحة مربعة مغطاة بالاسمنت وبرج حديدي صغير وعلم. هدف الموقع هو الدفاع عن المزارعين الفلسطينيين في وجه اليهود من البؤرة. كان الموقع مهجورا والبؤرة تبدو مهجورة: يبدو أن كل العالم قد توقف عن الحرب ليوم واحد. 
رافقت ثلاثة اشخاص من جمعية «يوجد حكم»: محمد شاكر وهو محام من شرقي القدس، زيف شتاهل وهي فتاة من كيبوتس كفار عزة، وجلعاد غروسمان من كيبوتس غيشر هزيف. «يوجد حكم» هي جمعية لحقوق الانسان يمولها الاتحاد الاوروبي. حسب القانون الجديد ستضطر الجمعية الى أن تذكر مصادر تمويلها في كل منشوراتها: إنها موسومة. وجمعيات اليمين التي تمولها جهات خارجية معفاة من الوسم. وفي الائتلاف يسمون ذلك «قانون الشفافية». 
تختص جمعية «يوجد حكم» بتقديم الدعاوى من اصحاب الاراضي الفلسطينيين الذين يزعمون أن اراضيهم صودرت لصالح البؤر الاستيطانية. 30 دعوى مثل هذه توجد الآن في المحاكم. أنتم تقومون بتبييض الاحتلال، قلت للثلاثة. من يهتم بالدعاوى على الاستيطان فوق الاراضي الخاصة يعطي الصلاحية للمستوطنات فوق الاراضي غير الخاصة. 
رفض الثلاثة رفضوا الإهانة، وهم على حق. المسؤول عن تحويل الصراع حول مستقبل «المناط»ق – بمعنى معين عن مستقبل الدولة – هو محكمة العدل العليا. هناك تحت مسؤولية القضاة لنداو وشمغار وبراك تمت خصخصة الاحتلال. 
قلت لهم إن اسمكم متفائل جدا (يوجد حكم). وقالت زيف شتاهل وهي تبتسم إنه لا يوجد حكم. وهي تعتقد أنني أبالغ.

المستوطنون يخيفون أكثر 
اليوم (أمس) سيقومون بنشر وثيقة تطلب تغيير تعريف سياسة إسرائيل في «المناطق». لست على يقين أن الوثيقة ستثير اهتمام الإسرائيليين، لكنها في الخارج ستحدث ضجة. العنوان هو «من الاحتلال الى الضم». الوثيقة تدعي أنه بدون اتخاذ قرار حسب القانون  تبنت الحكومة بشكل فعلي توصيات القاضي ادموند ليفي. الخط الازرق الذي يرسم الحدود البلدية للمستوطنات المعترف بها تم توسيعه كي يشمل البؤر حول المستوطنات. مات الخط الاخضر، والخط الازرق يعيش ويتنفس. 
ولمن نسي، اليكم تذكيرا مختصرا حول ادموند ليفي. ليفي من «الليكود» سابقا، كان حتى 2011 قاضيا في محكمة العدل العليا. وتوفي في 2014. وقبل ذلك بعامين كتب بناء على طلب من الحكومة وثيقة تلغي التعامل مع الضفة كمنطقة محتلة، واقترح اجراءات قانونية تقوم بالمصادقة على كل البؤر غير القانونية. لم يقدم نتنياهو الوثيقة للمصادقة عليها من الحكومة خشية رد العالم. لكن حسب ادعاء جمعية «يوجد حكم» في السنوات الثلاث والنصف الاخيرة يتم تطبيقها. «المغزى بعيد المدى. اذا كانت قوانين الاحتلال لا تسري في الضفة فهذا يعني أن اسرائيل من جهة تتخلص من واجباتها تحت الاطار القانوني الموجود منذ 1967، ومن جهة اخرى فهي تمتنع عن الضم ومنح السكان الحقوق المدنية. الامر الذي يخلق ضبابية قانونية». 
هدف الوثيقة كان تحرير الحكومة من القيود التي فرضتها الوثيقة المعاكسة، تقرير البؤر الاستيطانية لتاليا ساسون. والوثيقتان تحفظتا على سياسة الغمز المتواصلة لحكومات اسرائيل وعلى التزوير والاكاذيب. حاولت ساسون أن تفرض على الواقع في الميدان القانون والنظام والمعايير الدولية، وحاول ليفي أن يفرض على القانون والنظام والمعايير الواقع الموجود في الميدان. لست متأكدا من كان منهما أذكى. 
الحكومة بنت في السنوات الاخيرة ادوات واجهزة تُمكنها من اعتماد المزيد والمزيد من البؤر. يوجد اليوم أكثر من 100 بؤرة، معظمها ستعتمد. تتحول النقاط في الميدان الى خط متواصل سيتحول معه وضع الحدود الى أمر غير ممكن. توجد ثلاث كتل استيطانية من الغرب الى الشرق وواحدة من الشمال الى الجنوب على جانبي شارع الون. لا اعرف اليوم سياسيا في اليسار أو في اليمين يمكنه اخفاء هذه الكتلة. نحن في الطريق الى الابرتهايد. 
لكن لماذا نبالغ في نبوءات سوداوية؟ الشمس ما زالت لطيفة. طريق ضيق ومتلو بين قرى غير هادئة تؤدي من عادي عاد الى ترمسعيا. نوقف السيارة أمام الكراج والمكاتب «ترمسعيا لاستئجار السيارات». كيف يحدث أن قرية نائية نسبيا قادرة على توفير العمل لشركة تأجير سيارات؟ هذا يحدث. 
في المقهى يقدمون القهوة في كؤوس ورقية. اسماء الشوارع مكتوبة بالانجليزية وبأحرف كبيرة وبأحرف صغيرة بالعربية. يصل محمود الاعرج، وهو احد الذين يعملون في الزراعة في القرية، عمره 76 سنة، لا يسمع جيدا. ويقوم محمد شاكر بالترجمة. 
«كانت لي 130 دونما ورثتها عن والدي. بعضها زيتون وبعضها فلاحة»، قال. 
سألته أين العائلة؟ 
«بعض الاولاد والاخوة في أميركا والبعض الآخر هنا». 
مم يرتزقون؟ 
«هناك من لهم محلات وهناك السائقون ومن يعملون في البناء»، قال «لقد اصبحوا اثرياء لأنهم مواظبون». 
لماذا سافروا الى خارج البلاد؟ سألت. 
«لأنه لا توجد هنا فرص عمل. لو كان يمكنهم فلاحة الارض لعادوا». 
الاعرج يعتبر محطما للرقم القياسي في تقديم الشكاوى ضد المستوطنين والجيش، حيث قدم حتى اليوم 90 شكوى. سألته مم يشتكي؟ 
«أخذوا مني 40 دونماً وكذلك 10 دونمات من عمي. لا يسمحون لي بالعمل في الارض قرب عادي عاد. 120 متراً، هذه هي المسافة التي قاموا بتحديدها. لا استطيع تجاوز هذه المسافة. المستوطنون يعملون حسب الاوامر التي يتلقونها من الجيش والحكومة». 
ماذا حدث للشكاوى التي قدمتها؟ سألت. 
«لم يحدث أي شيء. فقط اذا حدث ضغط أميركي فسيأخذونهم من هنا. ليعودوا الى فرنسا وتركيا. فهذه أرضنا».
كيف كان قطف الزيتون هذا العام؟ سألت.
«لم يسمحوا لنا بالعمل في الارض كما يجب. تم قطع الاشجار. وكانت هناك ايام لم يسمحوا لنا فيها بالعمل. لا يوجد لنا أمن. لا يوجد أمن في الوصول الى اراضينا». 
ممن تخاف أكثر، من الجيش أم من المستوطنين؟ سألت. 
«من المستوطنين»، أجاب على الفور.

عن «يديعوت»