عندما تشكلت حكومة الكيان الجديدة،وتولى الفاشي بن غفير ،ما يعرف بوزارة الأمن القومي "الإسرائيلي" فيها ،كان في صلب برامجه ومخططاته، القيام بعملية تهويد شاملة للأقصى بإعتباره "بيت الرب " أو "جبل الهيكل"،وهو "أقدس" مكان " عند اليهود،وبأن مسجد قبة الصخرة مبني عليه،وانه لا بد من تغيير الوضع فيه ونقله من مرحلة إدارة الصراع الى مرحلة حسم الصراع عليه، فهذا الفاشي يعتقد بأن تشكيل الحكومة الحالية من اليمين المتطرف والفاشية اليهودية،توفر له فرصة ذهبية،لكي يعمل على تحقيق برامجه ومخططاته،متوهماً بان الظروف والبيئة الإقليمية والدولية والعربية والوضع الداخلي الفلسطيني، تمكنه من حسم الصراع مع شعبنا الفلسطيني بالقوة،وبأن القدس والأقصى تقع في سلم الأولويات، فالقدس لا بد الى ان تتحول الى أغلبية يهودية وبمعالم يهودية تلمودية توراتية بدل المعالم العربية الإسلامية – المسيحية الأصيلة،وكذلك هو الأقصى فلا يجوز أن يبقى المشهد البارز قبة الصخرة المذهبة، بل لا بد من إقامة كنس ومباني تلمودية وتوراتية مقببة محيطه بالأقصى تحجب وتشوه صورة قبة الصخرة ،لكي تظهر الطابع والوجود اليهودي " القديم" و"العريق" في المدينة.
بن غفير من بعد توليه للوزارة مباشرة،وفي الثالث من كانون ثاني/2023 عمد الى اقتحام المسجد الأقصى،لكي يرسل رسائل داخلية وخارجية، داخلية يقول فيها لنتنياهو بأن هو من يحدد متى يقتحم الأقصى،وخارجية للفلسطينيين والعرب لقياس ردات فعلهم، وبأن الوضع في الأقصى لن يبق على ما هو عليه،وللأردن، بأن دولة الكيان هي صاحبة القرار والسيطرة والسيادة في الأقصى ولا وصاية لأحد خارج إطار سيادة دولة الكيان،وحتى الإشراف الإداري للأوقاف الإسلامية سينزعه،ومن بعد ذلك توالت اقتحاماته للأقصى في ايار وتموز/ 2023.
محاولات تهويد الأقصى طويلة ومستمرة وممتدة الى ثورة حائط البراق عام 1929،ولم تتوقف دولة الكيان عن محاولاتها لكي،تعمل على تهويد الأقصى عن طريق خطوات تراكمها شيئاً فشيئاً ،كل عام تطورها وتبني عليها وتتقدم خطوة الأمام، في ظل " تطويع" للعقول الفلسطينية والعربية والإسلامية،والتي يبدو بأنها قابلة ل" التطويع" والإستجابة، في ظل حالة عجزها وإنهيارها كنظم ومؤسسات ،جامعة عربية، منظمة تعاون إسلامي وهيئة علماء مسلمين ولجنة قدس ومرجعيات دينية ..الخ.
لقد تحقق للكيان اول مسمار في مسار التهويد، لكي يتبعه بن غفير بمسامير جديدة،حيث جرى الموافقة على التقسيم الزماني للصلاة في الأقصى بين المسلمين واليهود في لقاء وزير الخارجية الأمريكية انذاك كيري مع الأردن ،وصمت وموافقة فلسطينية،وعدم بروز أية ردود عربية وإسلامية،دفع بالإدارة الأمريكية ووزارة خارجيتها،لكي تتقدم خطوة على طريق تغيير تسمية المسجد الأقصى لأول مرة في تاريخها من الحرم القدسي إلى الحرم القدسي – جبل الهيكل،وطبعاً هذه التسمية تحمل دلالات تهويدية وتلمودية توراتية.
مع تشكل حكومة التطرف والفاشية بقيادة الثالوث نتنياهو وبن غفير وسموتريتش، في تشرين ثاني /2022، تسارعت خطوات التهويد في الأقصى بشكل غير مسبوق،ليس فقط لجهة زيادة اعداد المقتحمين من المتطرفين برفقة رموز دينية وسياسية، بل عبر إستغلال أي مناسبة " قومية" ودينية وتوظيفها لخدمة تهويد الأقصى،في سعي واضح لفرض وقائع جديدة ،تمر عبر فرض القسيم المكاني وصولاً الى تغيير جذري في وضع الأقصى،بما يغيير من ملامحه من مكان حصري القدسية الإسلامية الى مقدس مشترك،يغير ملامحه للهيكل المزعوم.
لم تكتف ما يعرف بالحاخامية الكبرى وجماعة ما يعرف بالسنهدرين الجدد،بالتقدم لبن غفير بثلاثة عشر مطلباً ،تغيير بشكل جذري من ملامح الأقصى، منها الإقتحام حق لليهود من جميع الأبواب،عدم اغلاق المسجد الأقصى أمامهم في الأعياد الإسلامية،عدم اخراج اليهود منه،وإدخال كل مقتنيات العبادة الى داخله،بما في ذلك النفح في البوق وشالات الصلاة واللفائف السوداء ولباس الكهنة البيضاء وقرابين الفصح حيوانية ونباتية ،والأخطر من ذلك،الحق المتساوي لأتباع الديانات بممارسة شعائرهم الدينية في الأقصى، أي الشراكة في المكان.
في الأعياد اليهودية الثلاثة ( رأس السنة العبرية) 17/ايلول،(يوم الغفران) ،25/أيلول،وما يعرف بعيد (العرش او المظلة)،من 1/نشرين أول وحتى 7/تشرين أول ،تزايدت الإقتحامات وتوسعت ،مترافقة مع مسيرات استفزازية واغلاق للبلدة القديمة ومنع دخول السكان الفلسطينيين ،ومنع دخول المصلين دون سن الخمسين الى الأقصى،وضرب وسحل واعتقالات وأبعادت بحق المرابطين والمرابطات،والنشطاء المقدسييين،والأخطر من ذلك اخراج المصلين من الأقصى في فترى الإقتحامات،ومنع المصلين من أداء صلاة الظهر يوم الثلاثاء 3/10/2023 ،وإستباحة الأقصى بشكل غير مسبوق بإستكمال أداء طقوس إحياء الهيكل المعني من سجود ملحمي،إنبطاح المستوطنين على وجوههم كأعلى شكل من أشكال الطقوس التلمودية، النفخ في البوق، الدخول بلباس الكهنة البيضاء، إدخال اللفائف السوداء وكل مقتنيات العبادة،محاكاة ذبح القرابين في الهيكل، إدخال قرابين الهيكل النباتية،سعف نخيل واغصان صفصاف وثمار حمضيات مجففة ،وأداء صلوات وطقوس توراتية علنية في الأقصى.
وليبلغ عدد المقتحمين للأقصى في تلك الأعياد الثلاثة (8241 ) مقتحم،منها (5800) مقتحم في عيد العرش لوحده.
صحيح بأن حالة التطبيع للعديد من دول النظام الرسمي العربي المنهار والمتعفن،شجعت دولة الكيان ومتطرفيها،لكي يعبث بشكل غير مسبوق بورقة الأقصى،وكذلك هي ردود الفعل العربية والإسلامية الباهتة والضعيفة ،والتي لا يمكن ان تأخذها دولة الكيان في أي من حساباتها، لأنها لا تخرج عن إطار اللازمة والإسطوانة المشروخة ،بيانات شجب واستنكار و"جعجعات" كلامية واستجداء على ابواب البيت الأبيض والمؤسسات الدولية،وكأن الأمتين العربية والإسلامية،ليس اكثر من امتين إفتراضيتين لا وجود لهم في الواقع.
الكيان نجح في " تطويع" العقول العربية والإسلامية والفلسطينية،وهو يستعد الآن لفرض قدسية وحياة يهودية في الأقصى،بحيث يكون عام 2024، عام مطالبة بن غفير وكل الجماعات التلمودية والتوراتية لمكان في الأقصى يمارسون فيه علانية كل طقوسهم التلمودية والتوراتية على طريق تحويل ملامحه للهيكل المزعوم.ولعل التطبيع المتقدم درجات كبيرة بين دولة الكيان والسعودية نحو العلانية،يراد له ان يكون تطبيع بين مكة عاصمة العالم الإسلامي،وبين "اورشاليم"عاصمة دولة الكيان،ولذلك فالتطبيع السعودي مع دولة الكيان، الذي يحكمه تحالف يميني عنصري يقول بأن الضفة هي يهودا والسامرة وأن القدس هي أورشليم ولا يعترف بأي شرعية دينية وتاريخية للفلسطينيين والعرب والمسلمين في فلسطين والقدس، فهذا معناه قبول الرواية اليهودية الصهيونية لأن الاعتراف السعودي بإسرائيل هو في نفس الوقت الاعتراف بحكومتها وبرنامجها.
المذكرة الأردنية التي قدمها الأردن للمجتمع الدولي والمؤسسات الدولية حول الإنتهاكات الإسرائيلية التي طالت كامل مساحة المسجد الأقصى ال(144) دونماً ،والتقرير الوارد في تلك المذكرة يتحدث عن المسلمين من أداء الصلاة ومنع مكبرات الصوت من رفع الأذان وإغلاق أبواب الأقصى وإعادة فتحها بحراسة مسلحة للمستوطنين وشتم المصلين الفلسطينيين والسماح للشرطة بإغلاق أبواب المصليات الداخلية ومنع كنائس القدس من قرع الأجراس والشتم والبصق على رجال الدين المسيحيين والزوار والأمكان الدينية المسيحية .وتوهم عمان ورام الله بأن تقديم تلك المذكرة للجهات الدولية سيحدث فراقاً،فما يقوم به اليمين "الإسرائيلي" ،ليس فقط ضد الوصاية الأردنية،بل يتجه بثبات نحو تثبيت التقسيم الزماني والمكاني ودفعه للتعامل معه كأمر واقع أو واقع جديد مفروض على أهل مدينة القدس خلافاً طبعاً لتقويض الوصاية تمهيداً لما يسميه خبراء اليمين" "الإسرائيلي" بتوقف مرحلة إدارة الصراع لصالح مرحلة حسم الصراع.