حالة ما قبل الانتفاضة الموجودة في "المناطق" هي حالة مشتعلة جدا، حتى دون تسميتها باسمها. الدليل على ذلك أحداث ليلة الاربعاء – الخميس الماضية. في مخيم طولكرم تم القاء عبوات ناسفة، وتم إطلاق النار على قوة لحرس الحدود كانت تقوم باعتقال مطلوب. بعد ذلك أيضا انفجرت قنبلة وأصابت خمسة جنود من وحدة المستعربين، ثلاثة منهم إصابتهم بالغة، وقرب مستوطنة افنيه حيفتس القريبة أطلق الفلسطينيون النار من سيارة مسافرة على سائق دراجة نارية إسرائيلي، لكنه لم يُصب، وبدأت قوة تابعة للجيش الإسرائيلي في المطاردة، وقتلت اثنين من المسافرين في السيارة، وفي قبر يوسف في نابلس، حيث يصمم الجيش الإسرائيلي على استمرار دخول المصلين بضغط من المستوطنين والحريديين، تم تفعيل عبوات ناسفة نحو قافلة حافلات، هذه المرة بدون اصابات.
تقريبا ثلاث كتائب ووسائل كثيرة تم تخصيصها ايضا في هذه المرة لجهود الحماية في نابلس. قبل ذلك ببضع ساعات، في ظهيرة الاربعاء، أغلق الجيش مدة ثلاث ساعات شارع حوارة – نابلس امام حركة السيارات الفلسطينية في اعقاب احداث كثيرة من رشق الحجارة على السيارات الإسرائيلية. وتم تشويش مداخل ومخارج نابلس الجنوبية بالكامل. بعد ظهر أول من أمس تم اطلاق النار في حوارة على سيارة إسرائيلية، ولم تكن هناك أي اصابات.
في الضفة الغربية يسود وضع جديد، لم يعد يقتصر على جنين فقط. هذا يمثل نضوجا لعدد من العمليات، التي تمتد على مدى بضع سنوات، وترتبط ايضا بالضعف المتواصل للسلطة الفلسطينية. أحد العوامل الرئيسية للتوتر المتصاعد هو طبيعة الحكومة الحالية. أكمل الوزير الثاني في وزارة الدفاع، بتسلئيل سموتريتش، فعلياً السيطرة على منظومة رخص البناء في المستوطنات وفي البؤر الاستيطانية، وهو يستخدم هناك سياسة تهدف الى ضم الضفة الغربية. تغلب سموتريتش على المعارضة الضعيفة التي واجهها من قبل وزير الدفاع، يوآف غالنت، وقيادة الجيش الإسرائيلي.
في الوقت ذاته تلاحظ العناصر المتطرفة في اوساط المستوطنين وبحق أن الحكومة الى جانبها، وتهتم بأن لا تتم محاكمتهم بسبب الهجمات العنيفة ضد الفلسطينيين. هذا التسامح ذاته يتم املاؤه من أعلى، من قبل السلطات، تجاه كل من يستخدم العنف ويعتبر من "جماعتنا" – من يقومون بالدوس ومهاجمة المتظاهرين ضد الانقلاب النظامي، ومن يقومون بالبصق على الرهبان والمصلين المسيحيين، وحتى اعضاء "لافاميليا"، ومن يؤيدون بيتار القدس الذين يضربون مشجعي فريق كرة قدم آخر، بالضبط المبررات الملتوية ذاتها يتم اسماعها في كل الحالات، من قبل وزراء واعضاء في الكنيست من اجل ادانة العنف ظاهريا، وفي الوقت ذاته ايجاد ظروف مخففة له.
تعكس الحادثة الشديدة في طولكرم توجها مقلقا يستمر منذ سنة وأكثر، تسلُّح التنظيمات الفلسطينية بوسائل متقدمة وعبوات ناسفة، بعضها تقني. هذه المرة يدور الحديث عن تبادل لاطلاق نار من مسافة قصيرة. ولكن ايضا وضع عبوات ناسفة قاتلة في حفر تم حفرها تحت الشارع، يزيد الخطر على القوات الإسرائيلية عندما تدخل من اجل تنفيذ عمليات اعتقال. العبوات التقنية تم ارسالها أيضا لاهداف أخرى، من عائلات جريمة عربية داخل الخط الاخضر ومن خلايا "ارهابية" ايضا. عشية رأس السنة تم اعتقال فلسطينيين في القدس بتهمة تفجير عبوة ناسفة في متنزه اليركون.
ارتفاع عدد الاحداث ايضا هو نتيجة جهود حثيثة من الخارج، بمبادرة من ايران و"حزب الله"، الذين يحولون الاموال والسلاح والتعليمات للتنظيمات في الضفة. في الجيش وفي "الشاباك" يعرفون أن مجال الخطأ لديهم تقلص. خلية تخطط لتنفيذ عملية ولم يتم اعتقالها في القصبة أو في مخيم اللاجئين ستقابل في القريب عائلة إسرائيلية تسافر في شوارع الضفة، واذا كانت طموحة اكثر فان اعضاءها سيصلون ايضا الى تل ابيب.
الحادثة نفسها أثارت كما هو متوقع عدة ردود بافلوفية لا اساس لها. قال رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إن إسرائيل تعتبر ايران هي "المسؤولة المباشرة عن الموجة الارهابية في يهودا والسامرة"، وكأنه لا يوجد هنا، اضافة الى ذلك، نضال فلسطيني عنيف اسبابه معروفة. في حين أن الجمعية الحريدية القومية المتطرفة "عقيدة القتال" أعلنت بأن اصابة جنود حرس الحدود كانت نتيجة "إهمال مجرم لسفك دماء الابطال". وقالوا في الجمعية بأن الحكومة تتبع "سياسة أمنية ليسار تقدمي"، لأن الجيش الإسرائيلي كما يبدو قام بتكبيل يد الجنود، ولم يستخدم النار الجوية لقصف المخيم.
يدير الفلسطينيون الصراع ضد إسرائيل بدون أي صلة بآمال السلام التي يتم إطلاقها في الفضاء في القناة الإسرائيلية – السعودية. ولكن هذه التطورات الايجابية في مفاوضات التطبيع مع الرياض يمكن أن يكون لها تأثيرات ايضا في "المناطق" وعلى الحدود مع لبنان. من جهة تأمل إسرائيل بأن تكتفي السلطة الفلسطينية بخطوات وتسهيلات يتم الاتفاق عليها في المحادثات، وستعمل على تهدئة المنطقة. من جهة اخرى، معسكر الرفض من ايران وحتى "حماس"، ستكون له اهداف جيدة للتشويش على نجاح الاتفاق من خلال إشعال المنطقة.
مرحلة التحفظات
في مكان إجازته في واحة الطيب، المحطة الاخيرة حتى الآن في رحلة الاستجمام الطويلة التي رتبها لنفسه في الصيف الحالي، يبدو نتنياهو غير مسرور بشكل خاص من الانباء التي تأتي من واشنطن. العزل الاستثنائي لرئيس مجلس النواب الأميركي، كيفن مكارثي، بدعم جزء من اصدقائه في الحزب الجمهوري، يعكس تصعيد المنافسة المتوترة ايضا بين الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة. كلما زادت احتمالات اعادة انتخاب دونالد ترامب مرشحا عن الحزب الجمهوري للرئاسة، فان الاجواء امام الديمقراطيين يمكن أن تتعقد.
هذا ما يجب أن يقلق نتنياهو، رغم صداقته الطويلة مع ترامب (التي اهتزت قليلا بعد الاهانة التي وجهها له الرئيس السابق في مقابلة مع براك ربيد). يكمن السبب، مثلما في معظم ما حدث في الاشهر الاخيرة بين القدس وواشنطن، في الصفقة السعودية. نتنياهو والرئيس الأميركي غارقان في الصفقة، كل لاسبابه. يأمل رئيس الحكومة بالنجاة من خلال انجاز سياسي مدوّ من الشرك الذي سقط فيه بعد تشكيل حكومته. استهدف تبني عملية تمرير قوانين الانقلاب النظامي وقف تورطه القضائي، ولكن بدلا من ذلك وضع الدولة في ازمة غير مسبوقة، وحول نتنياهو الى رهينة برغبة شركائه المتطرفين سموتريتش وبن غفير وياريف لفين.
من أجل تمرير الصفقة يجب تجاوز المعارضة في الداخل، في أميركا وفي إسرائيل. أحد طلبات السعودية من الأميركيين تتعلق بالتوقيع على اتفاق دفاع مشترك بين الدولتين، يقتضي مصادقة ثلثي اعضاء مجلس الشيوخ. هنا تنتظر بايدن صعوبة مزدوجة. ففي الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي يتوقع أن يجد تحفظات شخصية على ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وتحفظات مبدئية على بادرات حسن النية الضعيفة التي تلوح في الاتفاق بخصوص الفلسطينيين (20 عضوا في مجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطي أرسلوا رسالة حول هذا الشأن، هذا الاسبوع).
بالنسبة للجمهوريين، أملوا في الادارة الأميركية بأن يمهد نتنياهو الارضية لدعم جزئي لهذا الاتفاق، رغم نيته السماح للسعودية باطلاق مشروع نووي مدني. ولكن هذه التوقعات يمكن أن تواجه بمعارضة ترامب – الخط المشوش الذي قادته زمرته في الكونغرس، هذا الاسبوع، حول اقالة مكارثي يبرز هذه الاحتمالية. في نهاية المطاف سيضطر ترامب الى الحسم بين اغراء أن يعد الطرفين بانتظار صفقة افضل بعد فوزه المتوقع في الانتخابات، وبين المصالح الاقتصادية الكثيرة له مع السعودية. ولمن يسألون، يبث نتنياهو بأنه على الاقل في الموضوع الفلسطيني ستتم تسويةالامور. بطريقة ما يعتقد أنه سيتم الاتفاق على خطوات ستكون كافية لارضاء توقعات السلطة الفلسطينية، وفي الوقت ذاته لن تسقط حكومته، بضغط القيود الجديدة. في هذا الاسبوع نشر في "هآرتس" بأن مقربيه استخفوا في المحادثات مع الأميركيين بمكانة محمود عباس في المفاوضات. حسب رأيهم، "رئيس بلدية رام الله"، لن يقرر تفاصيل اتفاق التطبيع بين قوتين عظميين في الشرق الاوسط.
زادت خيبة أمل الفلسطينيين مما يحدث على خلفية تطورات اخرى. ففي المحادثات الاولية مع الأميركيين والسعوديين وافق ممثلو السلطة الفلسطينية على تبني مسار السعي الى اتفاق مرحلي في "المناطق". وهو الأمر الذي امتنعوا عنه بشكل مستمر منذ بداية اتفاقات اوسلو قبل ثلاثين سنة. يشعر كبار رجال السلطة أن الادارة الأميركية لا تعطي الوزن المناسب لخطوتهم، التي اتخذت كدرس من قضية اتفاقات ابراهيم في 2020، حيث بقيت السلطة بالضبط خارج صورة الاتصالات. من بين الطلبات التي قدمتها السلطة بشكل منفصل للأميركيين وللسعودية (يبدو أن الوثائق غير متطابقة تماما)، هناك توقع بالمصادقة على الاتفاقات السابقة. القصد هنا هو أوسلو – يعتبر هذا عقبة واضحة أمام نتنياهو؛ لأنه من الصعب رؤية ظروف يؤيد فيها سموتريتش وبن غفير مثل هذه المصادقة. ربما بالطبع أن الدول التي وقعت ببساطة ستتجاهل طلب الفلسطينيين هذا.
نتنياهو، الذي يطمح الى الاتفاق، يمكن أن يجد نفسه في موقع مساومة صعب. ليونته بخصوص الخطوات لصالح الفلسطينيين محدودة، إزاء ضغوط الائتلاف. في المقابل، ربما أن السعوديين سيتوقعون منه تعويض ذلك عن طريق تنازلات حول المشروع النووي. في هذه الاثناء الإسرائيليون والأميركيون ايضا يقولون إنه يمكن التوصل الى اتفاق سيمكن وبحق السعودية من السيطرة على دائرة انتاج الوقود النووي، ولكنه يضع آلية رقابة أميركية مشددة بما فيه الكفاية لتهدئة التخوفات. من أجل إقناع الجمهور الإسرائيلي بذلك، والسيناتورات وأعضاء مجلس النواب في الولايات المتحدة، فان بايدن ونتنياهو بحاجة الى استخدام ثقل المهنيين في الدولتين على فرض أنهم سيباركون الاتفاق.
عن "هآرتس"