تجري حرب في "يهودا" و"السامرة".. حرب يومية مليئة بالأحداث والعنف، نهايتها بعيدة بل في ذروتها.
رغم كثافتها، تكاد هذه الحرب لا تصل إلى علم الجمهور الإسرائيلي. وسبب ذلك هو النسبة غير المعقولة من النجاحات الاستخبارية والعملياتية لـ"الشاباك" والجيش الإسرائيليين، والتي تتيح لإسرائيل أن تكون في كل الحالات تقريباً يدها هي العليا. عملياً، لا يتعرف الجمهور عليها إلا عندما يكون هناك مصابون، مثلما في النشاط التي نفذ، أول من أمس، في طولكرم. لم تلق عشرات الحملات المشابهة، التي جرت في الأيام الأخيرة، الصدى لأنه تحققت فيها النتيجة – الاعتقالات ومصادرة الأسلحة – دون أن يرافقها أي ثمن.
تتواصل هذه الحرب في "المناطق" منذ أشهر طويلة بقوى متغيرة. سيكون هناك من يدعي أنها تجري منذ 75 سنة بل أكثر. لكن الأشهر الأخيرة قاسية ودامية أكثر من الماضي، لجملة من الأسباب. أساسها الانخفاض الحاد في مستوى حوكمة السلطة الفلسطينية، ونتيجة لذلك في النجاعة العملياتية لقوات الأمن الخاصة بها في الميدان. سمح هذا لجهات مختلفة - بعضهم "إرهابيون" بعضهم جنائيون – برفع الرأس وألزم إسرائيل بتعميق أعمالها في المنطقة. والنتيجة أعمال إسرائيلية أكثر تصطدم بعنف فلسطيني أكثر وتجر إصابات أكثر، ما يستدعي توسيعاً إضافياً للأعمال الإسرائيلية وهلمجرا..
وسائل قتالية إيرانية في الميدان
ثمة سبب إضافي هو تعميق الدور الإيراني في المنطقة. في الماضي عملت إيران أساساً في الساحة الشمالية وقليلاً في غزة. نفذ عملها في الضفة، هذا إذا نفذ على الإطلاق، من خلال مبعوثيها في المنطقة. أما اليوم فالدور الإيراني أكبر بكثير، وبعضه ينفذ بشكل مباشر عندما ينتقل المال، الوسائل القتالية، والتعليمات الإيرانية للنشطاء في الميدان. بالتوازي تطالب إيران بمقابل للمال الذي تستثمره في "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وهي تحصل عليه في الضفة.
السبب الثالث هو السياقات الداخلية في إسرائيل. فمحافل "الإرهاب" تلاحظ ضعفاً في الجانب الإسرائيلي، وتعتقد أن هذا هو الوقت للهجوم. محافل أخرى كانت تعتبر حتى الآن براغماتية نسبياً ترى في تطرف الحكومة الحالية مؤشراً على أنه لا يوجد من يمكن الحديث معه، وتنضم إلى المعركة. وحتى لو كانت هذه معاذير فقط، فالسطر الأخير واضح: مزيد من "الإرهاب" والعنف، وقليل من الاستقرار والأمن في الميدان.
الرد الإسرائيلي على كل هذا خليط من العصي والجزر. محاولة لتعزيز السلطة الفلسطينية وجهات الحوار في أوساطها من جهة، ومكافحة موازية لـ"الإرهاب" من الجهة الأخرى. ترافق هذه السياسة إسرائيل منذ سنين، وليس فيها من جديد.. من يطالب بتغييرها من خلال حملة واسعة لا يقترح حلاً حقيقياً للمسألة الأساس، ما العمل مع 3 ملايين فلسطيني في الضفة (ومليونَين آخرَين في غزة)، في اليوم التالي لحملة عسكرية واسعة أخرى.
إحباط 95% من العمليات
إمكانية حملة كهذه توجد كل الوقت على جدول الأعمال. في هذه الأثناء، كما أسلفنا ينجح "الشاباك" والجيش الإسرائيليين في إنتاج ما يكفي من المعلومات الاستخبارية النوعية التي تسمح بإحباط نحو 95% من العمليات. لكن بالتوازي مع إحباط "الإرهاب" الشديد، يتعاظم تحدي "الإرهاب" الذي أساسه رشق الحجارة والزجاجات الحارقة. في هذا المجال الذي يعرض الحياة للخطر سجل مؤخراً ارتفاع دراماتيكي ما يلزم الجيش الإسرائيلي بفرز قوات كبرى لـ"المناطق" في محاولة للردع أو على الأقل للفصل بين "المخربين" والمدنيين.
لا ينجح هذا الجهد حالياً في تهدئة المنطقة. العكس هو الصحيح: كل أسبوع يخيل أنه أعنف من سابقه، حين يكون لكل حدث احتمال دائم لإشعال نار كبرى (بما في ذلك بغزة). إمكانية الاتفاق (المبارك بحد ذاته) مع السعودية من شأنها أن تسرع هذه المسيرة، إذا ما شعر الفلسطينيون بأنهم بقوا وحدهم. ولما كانت إسرائيل ستبقى وحدها مع المشكلة، فإن من واجبها أن تبحث بنفسها عن حلول قبل أن تعلق بعنف واسع وأكثر دموية بأضعاف.
عن "إسرائيل اليوم"