كلف العائق في غزة ثلاثة مليارات ونصف المليار شيكل. من فوق الأرض، من تحت الأرض، مجسات، كاميرات... إلخ. أول من أمس، مع نشوب الحرب، انهار العائق، وأصبح سوراً من ورق. ليس العائق هو المذنب؛ الناس هم المذنبون، قال لي، أول من أمس، احد المسؤولين عن إنشائه. أول من أمس، بعد الظهر استخدم سلاح الجو 40 طائرة من أنواع مختلفة فوق العائق، كل الوقت، كي يسد المعبر من غزة إلى إسرائيل ومن إسرائيل إلى غزة. كان الجهد بطولياً، وكان التأخير فظيعا.
في الجيش الإسرائيلي، يطلبون في هذه اللحظة وضع القصورات جانباً. يجب ترك رئيس الأركان والجنرالات ليركزوا على القتال. ستأتي التحقيقات بعد ذلك. "صمتاً، يطلقون النار"، كتب عميرام نير الراحل في بداية حرب لبنان الأولى. أعتقد انه يوجد الكثير من الحق في هذا التوقيت: لو نجح الجيش الإسرائيلي في تطهر جيوب "المخربين" في بلدات غلاف غزة، فإن المهام التي سيتصدى لها في الأيام القادمة معقدة وكثيرة المتطلبات؛ أولاً وقبل كل شيء مشكلة المخطوفين في غزة، ومشكلة الردع تجاه الساحات الأخرى. يجب أن تدار الحرب برأس نقية؛ كل ما تبقى أقل إلحاحاً.
لكن الإعفاء الذي أُعطي للجنود لا يتضمن ملايين الإسرائيليين الذين تابعوا، أول من امس، دهشوا، وتخوفوا، الحرب التي لم يعدّهم لها احد. في نظري، 7 أكتوبر 2023 كانت إهانة عظمى، إهانة لم يشهد الجيش الإسرائيلي مثيلاً لها في كل سنواته. وسأشرح: الإهانة الأولى كانت استخبارية. مرة أخرى، مثلما في 1973، رأت المنظومة كل المؤشرات الدالة لكنها استنتجت بغرورها بأن هذه مجرد مناورة، تدريبات عابثة. الثانية كانت السهولة التي تجاوز فيها "مخربو حماس" العائق. الثالثة كانت السهولة التي عادوا فيها إلى غزة، مع عشرات الرهائن. الرابعة هي البطء الذي رد به الجيش الإسرائيلي على التوغل. يتجول عشرات "المخربين" في معسكر مدرعات وكأنهم يتجولون في بيوتهم ولم توجد مروحية هجومية تطلق عليهم النار.
ستقولون: كّلف قصور "يوم الغفران" عدداً اكبر بكثير من الضحايا، بلا تشبيه. هذا صحيح، بالطبع. لكن في غفران 1973 واجهنا اكبر الجيوش العربية، وليس منظمة "إرهاب" من الدرجة الثانية. ومن الحرب الأليمة ذاتها خرج سلام يصمد حتى اليوم، بعد 50 سنة من وقف النار. من الصعب أن نرى في هذه اللحظة ما هو الخير الذي سيخرج من الحرب الحالية.
فضلاً عن التفاصيل كانت ثمة دهشة مما بدا سلسلة طويلة من القصورات. أعترف: شعرت فجأة بأني لا أعيش في إسرائيل، التي أفتخر بها، بل في الصومال.
في العام 2006، بعد اختطاف "حزب الله" جنديين، حولت طائرات سلاح الجو الضاحية الشيعية في بيروت جزر خراب. كان القصف ناجعا. استمرت الحرب. ظاهراً، مطلوب ضربة مشابهة في غزة: لا مانع عملياتيا لفعل هذا. السؤال هو ما هو الهدف الذي سيتحقق من قصف ارض في غزة. تعبنا من المحاولات المتكررة لتلقين "حماس" الدرس من خلال القصف من الجو. إذا كان الحدث، أول من أمس، علمنا شيئا ما عن "حماس"، فقد علمنا بأن منظمة "الإرهاب" هذه غير قابلة للترويض.
والأساس، مصير عشرات الرهائن، أطفالا صغارا، نساء، شيوخا وجنوداً، معلق في الهواء. لن يحسن القصف المكثف فرصهم للعودة إلى الديار بسلام. "حماس" يمكنها دوماً أن ترفعهم إلى الأسطح درعاً بشرياً. باختصار: القصف هو ما اعتاد الجيش على عمله، رد الفعل الشرطي، لكن من المشكوك فيه أن تكون ثمة جدوى.
الخيار الثاني، هو اختيار المفاوضات. في صفقة شاليت حرر نتنياهو 1.027 "مخربا" مقابل جندي أسير واحد. الثمن المعاد بـ"الإرهاب" كان قاسياً، وثمة من يقول أقسى من الاحتمال. كم "مخرباً ستطلب "حماس" تحريرهم مقابل عشرات الأسرى؟ ستعطي الصفقة "حماس" انتصاراً آخر. والأساس، ستوجه ضربة قاسية، ضربة إضافية، إلى الردع تجاه ايران و"حزب الله"، وستضعف السلطة اكثر فأكثر. الخيار الثالث هو الخروج إلى عملية برية. أربع فرق أنزلها الجيش الإسرائيلي إلى الجنوب لم تخرج للدفاع عن بلدات غلاف غزة، بل خرجت كي تنضم إلى عملية برية، إذا ما وعندما تتخذ القيادة السياسية القرار. سيؤيد معظم الجمهور عملية كهذه في بدايتها. بعد ذلك ستطل الأسئلة: ما الذي سيحصل بعد يوم من الاحتلال، إذا بقينا ننزف هناك؟ وإذا خرجنا فماذا نكون حققنا؟ هل نعتزم أثناء الاحتلال تصفية كل سلسلة قيادة "حماس"؟ من سيأتي مكانهم؟
يتوقع الجمهور، هذه المرة، الحسم وليس جولة أخرى. هل هذا ما يريده نتنياهو؟ في كل سنواته في الحكم دفع "حماس" قدما على حساب السلطة، بسياسة "فرق تسد" وتهدئة بكل ثمن. في الأشهر الأخيرة أعطى "حماس" كل ما أوصى الجيش بإعطائه؛ عملاً لعشرين ألف غزي في إسرائيل، توريد واسع، تحويل مال قطري. سموتريتش، وزير نصف الدفاع في حكومته، قال، مؤخراً، إن "حماس" هي ذخر، والسلطة هي عبء. فهل نتنياهو مستعد ليغير القرص؟
يوجد عندي سؤال آخر، يزعجني منذ سنين. "القبة الحديدية" هي ابتكار رائع، أنقذ حياة مئات الإسرائيليين. من الواضح ماذا كان سيحصل لنا لو لم تكن لنا قبة حديدية: بشكل لا مفر منه كنا سنخرج إلى معركة حاسمة تجاه "حماس"، بما في ذلك احتلال غزة. ألا يحتمل أن يكون كل ما حققناه في "القبة الحديدية" تأجيلا لبضع سنوات لحسم لا مفر منه؟ أفلا نفعل في المستقبل ما كان يتعين لنا أن نفعله منذ زمن ولم نفعله؟
للحدث في غزة معانٍ سياسية وحزبية بعيدة الأثر، سيتبين وزنها في المستقبل. انتصار "حماس" هو بشرى سيئة للصفقة السعودية. إذا كان مئات القتلى في غزة وأولئك الذين سيقتلون في الأيام القريبة القادمة لا يميت الصفقة فإنهم سيدخلونها التجميد العميق. الخوف من حرب متعددة الساحات، في الشمال، في الضفة، في القدس، وفي غزة يقلل أكثر فأكثر مجال المناورة العسكرية.
اقترح يائير لابيد، أول من امس، على نتنياهو تشكيل حكومة طوارئ تضم "الليكود"، "يوجد مستقبل" و"المعسكر الرسمي" وتقوم على تجميد شامل للتشريع من مصنع الحكومة الحالية. الاقتراح جيد للابيد وجيد للدولة. من المشكوك فيه أن يكون بوسع نتنياهو القبول به. وداع سموتريتش وبن غفير وربما أيضا يريف لفين وقسم كبير من كتلة "الليكود" ثمن يصعب على نتنياهو أن يدفعه. ومثلما اعترف ذات مرة بنفسه؛ أن يدفع ثمناً أمر صعب عليه.
يعرف نتنياهو أن ليس فقط الناخبون في كابلان يصعب عليهم التسليم بالحدث المهين، أول من امس، بل أيضا الناخبون في "أوفاكيم"، "سديروت"، "نتيفوت"، "ريشون". وعليه فهو يعمل كي يبعد نفسه عن المسؤولية. وجهته المستقبل. "ما حصل اليوم"، قال بيان نشره، أول من أمس، "لم يشهد في إسرائيل. سأحرص على ألا يحصل هذا اكثر".
عن "يديعوت"
استنفار عالمي لمنع حرب لبنان..واستمراء حرب غزة!
30 يوليو 2024