امام الحيرة التي تعصف الان فكر قيادة الجيش الاسرائيلي في مواجهة انفاق غزه وتخبطها الحالي في اختيار الوسيلة الانجع من كل تلك الوسائل التي تتزاحم في وعيها الاستراتيجي من اجل مجابهة هوس الانفاق فانها تصطدم بالخيار العملياتي الاستخباري المعلوماتي والذي يقف حائلا امام كل وسيله ممكنة فتحيلها الى غير ممكنه .
ان محاولات حل تلك العقدة بدات ارهاصاتها تتكشف من خلال تعيين نداف ارغمان رئيسا جديدا لجهاز الاستخبارات العامة ( الشاباك) خلفا ليوسي كوهن الذي يقترب من نهاية خدمته .
أرغمان الذي يبلغ من العمر خمس وخمسون عاما عمل خلالها وعلى مدار عشرون عاما في مجال العمليات الاستخبارية وجمع المعلومات والذي راكم خبراته وتجاربه من خلال التنقل في نفس الرواق العملياتي الى ان كان له الدور الرئيس في تطوير فكرة حرب السايبر وانشاء ذراع السايبر الامني في الشاباك ليشكل ذراعا معلوماتيا عبر مواقع التواصل الاجتماعي .
وفي حديث رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في سياق الاعلان عن تكليف ارغمان رئيسا للشاباك قال مطمئنا الاسرائيليين إنه واثق من أن “الشاباك” سيكون في أيدي أمينة تحت قيادة أرغمان حيث سيواصل الجهاز التطور على المستوى العملياتي والتكنولوجي وسيواصل حمايته لأمن “إسرائيل”.
ان الصعوبة التي يواجهها الجيش الاسرائيلي في مجابهة انفاق غزة لا تنحصر في الوسيلة العسكرية التي من الممكن استخدامها بقدر الصعوبة في بناء الخطة الاستراتيجية وما يرافقها من شح في المعلومات الامنية ولان الخطط العسكرية الهجومية تبنى عادة على قاعدة توفر المعلومات الاستخبارية فاننا نجد اليوم ما يبرر حالة الحيرة والتردد التي تنتاب قيادة الجيش الاسرائيلي في اتخاذ القرار الصائب والمناسب بشأن انفاق غزه والذي كان مدعاة لخلق حالة من الجدل والاصطفاف والانقسام في الاراء داخل المنظومة السياسية والعسكرية الاسرائيليه مما جعل اتخاذ القرار بالهجوم امرا مربكا .
يبدو ان أرغمان هو الضالة التي عثر نتنياهو عليها في وعيه المتطرف باعتباره المخلّص الذي ارسله الرب ليخلص شعب اسرائيل وساستهم من حالة التيه الاستراتيجي والعمى السياسي التي الحقت بهم جراء هوسهم من انفاق غزه وغياب المعلومات الاستخبارية المتعلقة بها .
وما كان اعتراف ايزنكوت رئيس اركان الجيش الاسرائيلي عقب تعيين أرغمان وقوله بفشل القدرات الاستخبارية في اسناد الجيش من اجل مواجهة العمليات الفردية التي يقوم بها الفلسطينيون في الضفة الغربية بشكل عام والقدس على وجه الخصوص الا تاكيدا على التماهي مع فكرة نتنياهو الحالية عن أرغمان بولايته الحصرية في وضع حد لحالة الجدل في اختيار الطريقة المثلى من اجل توجيه ضربة استباقية لانفاق غزه اعتمادا على قدرات الرجل الطويلة في ادارة العمليات وتحديدا الاستخبارات وجمع المعلومات .
ومما لا شك فيه ان للرجل صولات وجولات كثيرة في الوعي الامني الفلسطيني والتي من الحكمة ان لا نغض الطرف عنها وننكرها فهي جديرة بالاهتمام والدراسه ليس ارتعاشا او خوفا بقدر الانتباه لابعاد قدراته تلك في ادارة عملياته والتي كانت نتائجها منبثقة من عمليات الاختراق الامني الكبيرة والمؤثرة في صفوف المقاومة الفلسطينية والتي وصلت ذروتها في التمكن من الوصول الى احمد الجعبري القائد الفعلي الاول في كتائب عز الدين القسام واغتياله بعملية سهلة وبسيطة التعقيد كما قالت الاوساط الامنية الاسرائيلية انذاك وهذا امر منطقي وبديهي يعزز فكرة الجهد العملياتي المعقد في الاستخبارات و جمع المعلومات الذي هيأ الامر للتنفيذ لينتج عنه عملية ناجحة وسهلة وبسيطه التعقيد .
ان ما سبق يعطينا تصورا للفلسفة التي سوف تعتمدها الاروقة الاستخبارية الاسرائيلية بقيادة أرغمان رئيس الشاباك الجديد لمجابهة ومواجهة غول الانفاق على المدى الاني والقريب من اجل انهاءها كورقة رابحة في الوعي الاستراتيجي الفلسطيني وعلى النقيض تماما في الوعي الاستراتيجي الاسرائيلي .
ويمكن اعطاء لمحة عن هذا التصور والدور المنوط بالاستخبارات الاسرائيلية في المدى الاني والقريب :
اولا : تنشيط الفعل الاستخباري المضاد من خلال جمع المعلومات العامة والخاصة عن كل ما يتصل بالانفاق من خلال ما يتردد في الوسط وفي الشارع المحلي .
ثانيا: حصر وتحليل المعلومات المتعلقة بالانفاق من خلال الاعلام المرئي والمسموع والمقروء .
ثالثا : تقصي ومتابعة المنشورات والصورالفوتوغرافية والفيديو المتصلة بالانفاق على مواقع التواصل الاجتماعي وتحليلها واستنباط واستخلاص المعلومات من خلالها .
رابعا : تفعيل ادوات ووسائل المراقبة والتنصت من خلال الهواتف الثابتة والذكيه .
خامسا : تفعيل دور البرامج والتطبيقات المتطورة الخاصة بالهواتف الذكية وتجييرها لخدمة هذا الغرض .
سادسا : انشاء مواقع الكترونية وهمية على الويب او على مواقع التواصل الاجتماعي تتعلق بالعمل عن بعد في مجال الصحافة وكتابة التقارير الصحفية والتحري والتحليل الصحفي .
سابعا : العمل على اعادة تفعيل دورة حياة التجنيد الاستخباري المباشر وغير المباشر من اجل الحصول على المعلومات المتصلة بالانفاق .
ثامنا : الحصول على عينات من التربة ومن اماكن مختلفة من اجل فحصها جيولوجيا ونسبها الى بيئتها .
تاسعا : بث الدعاية والاشاعات بشان الانفاق في الوسط المحلي من اجل التفاعل معها وتحريك المياه الراكدة .
عاشرا : التخلي عن بعض الحذر في الحفاظ على سرية مصادر المعلومات من خلال دفعهم للمخاطرة من اجل الحصول على المعلومات .
اما الدور المنوط بالفلسطينيين من اجل مجابهة هذا النشاط الاستخباري الاسرائيلي المحموم فيتمثل في تعزيز الوعي الامني من خلال ترسيخ قيم السرية والتكتم والحذر داخل المجتمع الفلسطيني بشكل عام ومجتمعات التواصل الاجتماعي بشكل خاص من خلال وضع خطة تحتوي على برامج تثقيفية وتوعوية وتنفيذها بحيث تستفيد منها كل فئات المجتمع الفلسطيني ولان موازين القوى العملياتية واللوجستية والاستخباراتية المتعلقة بالتكنولوجيا والمصادر البشرية والمادية تميل بشكل كبير لصالح الاسرائيليين لكنه بالامكان الاستعاضة عن هذا من خلال القوى البشرية وحسن الادارة والتفكير الابداعي الخلاق في ابتكار الوسائل والاجراءات الامنية البناءة في مجابهة هذا كله على ان لا نغفل قاعدة المحافظة على النسيج الاجتماعي من الوقوع في حالة الهوس والوساوس الامنية الخطيره .