حاول المعلق العسكري الشهير لموقع يديعوت، رون بن يشاي رسم الخطوط العريضة للخطة الإسرائيلية للتعامل مع القطاع بعد زيارة بايدن. وكتب أن تغيير الوضع من أساسه وإيجاد ترتيب مستقر للمديين المتوسط والقريب للمسألة الغزية بعد الحرب هو ما يتم التطلع إليه خصوصا في ظل عدم وجود وصفة لتسوية بعيدة المدى أو حل نهائي للصراع. وأشار إلى أنه وفق ما تراكم لديه من معلومات يمكن رسم الخطوط العامة للخطة الكبرى التي توجه المؤسسة الأمنية، وبدرجة ما أيضا جهات العون الامريكي. وهذه الخطة تستند إلى خمس فرضيات أساسية:
1. أولا أن "جيوش الإرهاب التي أقامتها حماس والجهاد الإسلامي على بعد مئات الأمتار من مستوطنات شمال النقب و70 كيلومترا من تل أبيب تشكل خطرا يعرض للخطر الأمن المادي لمواطني إسرائيل، وشعورهم بالأمن وقدرتهم على إدارة حياة طبيعية واقتصاد عادي. وقد تجسد هذا الخطر في 7 اكتوبر بعدما هاجم آلاف المسلحين الطافحين بالحافز والمدربين والمجهزين جيدا وتسللوا إلى إسرائيل، وكذلك الرعاع الغزي الذي جاء في أعقابهم. دولة إسرائيل ومواطنيها لا يمكنهم ولا يريدون الحياة بعد الآن بجوار هذا الخطر، الذي ترعاه إيران وتساعده في تركيم قدرات فتاكة، لذلك فإن هذا الخطر قد يغدو أشد. وإسرائيل بحاجة لأن تستعيد لنفسها على وجه السرعة ثلاثة مقومات هامة للأمن القومي: الردع الاستراتيجي تجاه دول المنطقة الذي تقوض جدا يوم السبت المشئوم، والأمن المادي في الجنوب والسشعور ببالأمن والثقة بالقيادة السياسية وبأذرع الأمن".
2. يعيش في قطاع غزة أكثر من 2 مليون فلسطيني أغلبهم يودون العيش بشكل طبيعي مع امن مادي وشعور بالأمان. وهؤلاء يريدون أن يعتاشوا وأن ينالوا قدرا أساسيا ولكن أيضا كافيا من حرية الحركة والتمتع بالخدمات المدنية (صحة وتعليم، مياهن كهرباء ومجاري عامة). وهم لا ينالون الحد الأدنى بسبب أن مالك السيادة في غزة، حماس، هو حاكم مزدوج الوجهة: ذراعه المدنية تسعى لخدمة الناس، لكنها مضطرة للعمل تحت إمرة الذراع العسكري وبموازاته، حيث أن همها المركزي هي المقاومة التي تدير حربا إسلامية مقدسة ضد الدولة اليهودية. والعمل الحربي للذراع العسكري يقود مرة بعد أخرى سكان القطاع نحو أزمات اقتصادية وانسانية شديدة، وجهود إعادة بناء ما دمر وهكذا دواليك.
3. من هنا فإن من يهدد إسرائيل وقدرة الغزيين على الحياة الطبيعية هي حماس والجهاد الإسلامي ومنظمات إرهابية أخرى في القطاع. لذلك فإن الشرط الضروري لتغيير الوضع هو إزاحة حكم حماس وتدمير قدراته العسكرية والتنظيمية الأخرى من أساسها ) ولا يمكن تدمير الدافع الجهادي لدى التنظيمات، لكن بالوسع منعها من الانتظام في أطر كبيرة يمكنها تنفيذ عمليات ارهابية والقتل على نطاق استراتيجي). ولكن هذا الشرط غير كاف. ينبغي ضمان أن حماس والمنظمات الأخرى لا يمكنهم إعادة ترميم قدراتهم العسكرية والسلطوية أو إنشاء بنى تحتية جديدة تحت غطاء أو بأشكال جديدة.
4. الأبعاد السياسية والاقليمية: هناك احتمال معقول بأن حزب الله وربما إيران أيضا وجهات أخرى في المحور الشيعي الراديكالي سينضمون للحرب ويفتحون ضدنا جبهة أخرى في الشمال وربما أيضا في الشمال الشرقي. مكذلك فإن الأزمة الغزية تثبت مرة تلو أخرى أن إسرائيل بحاجة إلى اسناد سياسي (مشروعية)، لوجستي، إعلامي بل وحتى اسناد عملياتي من جانب الولايات المتحدة (اعتراض صواريخ). وهذه ظاهرة لن تغيب وإنما ستكبر على الأقل طالما أن إيران تدير معركة متواصلة هدفها إزالة إسرائيل عن الخريطة. لذلك يحسن بنا أن نقر بهذا الواقع ونساعد الامريكيين في إعانتنا من دون أن نفقد حرية القرار والعمل الأمني والسياسي المستقل. كذلك واضح أن إسرائيل لا ترغب في خسارة اتفاقيات أبراهام واحتمالات التطبيع مع السعودية.
5. ينبغي الإقرار بواقع أنه حتى الآن لا توجد جهة في العالم، بما في ذلك أمريكا، تملك وصفة قابلة للتنفيذ لتسوية مستقرة طويلة الأمد للصراع النشط على حدود غزة، أو حلا للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني عموما. وشعار "حل الدولتين" في هذه المرحلة ليس أكثر من شعار ولا يرق إلى خطة سياسية قابلة للتنفيذ في المستقبل المنظور. كما ليست هناك وسيلة للقضاء على أن تغييب الإسلام الأصولي الدموي الطامح لإقامة إمارة عالمية على أساس إمارات محلية تقوم على أنقاض "الدول الكافرة"، بما فيهن الدولة اليهودية. والأخوان المسلمون هم أحد أذرع هذا التيار، بما فيه حماس والجهاد الإسلامي.
وأضاف بن يشاي في تحليله لمعطيات السياسة والحرب التي توجه صناع القرار والتي ستستخلص منها خطة العمل للدولة والجيش. رأى أن هذه الخطة تحتاج للتنفيذ على مراحل: الأولى هي القتال الدائر حاليا ونحن في بدايته، والأخيرة هي تجسيد تسويات لمدى متوسط يسمح بإعادة الجيش الإسرائيلي إلى قواعده. وهذه هي خمسة أهداف الحرب التي حددتها إسرائيل.
أ. عملية على شاكلة السور الواقي : هجوم يتضمن احتلال لشمال القطاع لإحراز سيطرة عسكرية ميدانية تتيح جمع معلومات استخبارية تفصيلية وتفعيلها الفوري. ولذلك من أجل إيقاف الإطلاقات نحو الداخل ومن أجل "قطع رأس" قيادة وتدمير قدراتها العسكرية والسلطوية حماس والجهاد الإسلامي. وهذا هدف القصف الجوي الدائر حاليا. فالسيطرة المادية في كل شمال غزة حتى وادي غزة ضرورية للمس بالمقاتلين وبالبنية العسكرية وأيضا من هناك المس بالمركز السلطوي العملي والرمزي لحكم حماس الذي فقد "عاصمته".
ب. في جنوب القطاع ستعمل إسرائيل لتحقيق الأهداف ذاتها بأسلاليب خرى ععلى أساس معلومات استخبارية دقيقة باتت موجودة لدى الشاباك وشعبة الاستخبارات العسكرية أو أية معلومات استخبارية يتم الحصول عليها أثناء القتال.
ت. في الشمال يواصل الجيش الإسرائيلي مقارعته لحزب الله وللفلسطينيين العاملين من الأراضي اللبنانية وأيضا لميليشيات مسلحة من سوريا ومن العراق. وكل ذلك في مسعى لإبقاء الصدام دون مستوى الحرب وحصرها في مناطق الحدود، على الأقل مدى أيام القتال. والجيش سيواصل الحفاظ على جاهزية لعمل حربي شديد وواسع النطق في لبنان، بما في ذلك شن عملية برية، إذا حزب الله بأوامر إيرانية بدأ حربا شاملة. بطبيعة الحال، إسرائيل تفضل التركيز وضخ خيرة قواتهاا ومواردها إلى غزة من أجل تحقيق انجازات سريعة. ولكن إذا حزب الله والإيرانيين قرروا التصعيد لحرب شاملة، فإن لدى الجيش الإسرائيلي قدرة إدارة حرب فعالة على نطاق واسع في جبهتين. وهذا سيقود إلى إطالة زمن الحرب أكثر من المرغوب فيه.
ث. وبموازاة القتال في شمال وجنوب القطاع ستعمل إسرائيل سوية مع أمريكا والأمم المتحدة في المجال الإنساني من أجل المحافظة على المشروعية والدعم السياسي واللوجستي الذي توفره أمريكا وحلفاؤها للعملية العسكرية. وهذا يشمل إقامة ممرات إنسانية وملاذات آمنة تخدم الفلسطينيين غير الضالعين في القتال الذين هجروا بيوتهم في غزة بناء على الاوامر الإسرائيلية. وسوف يزداد تدفق هؤلاء مع بدء القتال. وستوفر جهات دولية ودول عربية لهذه المناطق، تحت إشراف ومراقبة الجيش الإسرائيلي والأمم المتحدة، الحاجيات الضرورية ومنها الماء والغذاء والأدوية والخدمات الحيوية مثل الكهرباء (مولدات) ومساكن مؤقتة (خيام والشتاء يقترب).
ج. وبحسب النتائج المتحققة ميدانيا في أسابيع القتال الأولى، ينبغي لإسرائيل أن تتوصل سوية مع الولايات المتحدة إلى قرارات بشأن "خطة الخروج" المرغوبة. وأن تحرك الخطوات السياسية الضرورية لرعايتها وتشغيلها. وينبغي لخطة الخروج من القطاع وإجراءات التسوية على الأرض بعد تركها أن تضمن تحقيق الأهداف الاستراتيجية المرغوبة لإسرائيل وأمريكا في المدى المتوسط (5 إلى 10 سنوات).
الأهداف الاستراتيجية الخمسة
لدولة إسرائيل خمسة أهداف استراتيجية هي معنية بتحقيقها في المدى المتوسط مع أنهاء القتال في الجبهة الغزية:
1. ينبغي أن يغدو قطاع غزة بأسره منزوع السلاح ومطلوب ترتيبات وآليات تضمن ذلك.
2. ينبغي للحكم في غزة أن يكون مهنيا ومدنيا، ليس أيديولوجيا دينيا ولا سياسي، والمصلحة والدافع الوحيد له هو الاهتمام برفاهية السكان الفلسطينيين. وسوف تنبع صلاحيات هذا الحكم من قاعدة مشروعية دولية واسعة وينبغي لها أن تتأسس على إدارة وموظفين مدنيين محليين وبشرط أن لا يكونوا نشطاء سبقين في الذراع العسكري لحماس أو التنظيمات الأخرى. وستستند آليات هذا الحكم، فضلا عن الشركطة المحليةن على قوة دولية لفرض القانون والنظام مع انتهاء الحرب. وستحصل غزة على ميناء بحري عميق يتم تشغيله تحت رقابة أمنية ويسمح أيضا بحرية الحركة والسياحة من قبرص وإليها.
3. ينبغي لإسرائيل أن تقيم على الحدود منظومة إنذار ودفاع مشتركة توفر الأمن لمواطنيها في حال عدم الوفاء بالشروط المرغوبة في القطاع، أو في حال انتهاكها. وتشمل الترتيبات الأمنية محيط أمني بعرض يتراوح بين كيلومتر واحد إلى ثلاثة كيلومترات، لا يسمح فيه لسكان القطاع بدخوله من دون إذن خاص. ومن يدخل إليه من دون إذن يعرض حياته للخطر.
4. الجيش لن يبقى في غزة فترة طويلة أكثر من المطلوب لتحقيق أهداف الحرب الفورية ويسمح بإقامة حكم بديل في القطاع. ومع ذلك فإنه يبقى للجيش والشاباك الحق بما يعرف ب"المطاردة الساخنة" لإحباط عمليات ارهابية ونوايا حربية حتى بعد أن يعود إلى الأراضي الإسرائيلية.
5. اسرائيل تأخذ بالحسبان المصالح والاعتبارات الاستراتيجية العالمية لأمريكا والاعتبارات الداخلية، والمصالح الدينية والاستراتيجية لدول المنطقة الإسلامية التي لنا معها اتفاقيات سلام، تطبيع وعلاقات دبلوماسية.
وخلص بن يشاي إلى أن الجهات المختصة في إسرائيل قررت أن هدفها هو تغيير الوضع من أساسه في غزة وأن المؤسسة الأمنية تقر بالحاجة إلى تغيير جوهري في أنماط التفكير والعمل لدى المستويين السياسي والعسكري. وبالتأكيد فإنه مقارنة بجولات سابقة مع غزة، جرت وفق افتراض المستويين السياسي والعسكري أن حماس ستبقى في نهية الحرب صاحب السيادة في غزة. تغيير نمط العمل ميدانيا مع تمديد مراحل القتال من أجل تحقيق النتائج الأفضل، وفقط الاستمرار على هذا النحو. وهذا يفسر، مثلا، طول مدة الضربات الجويى، البحرية والمدفعية استعدادا للدخول البري.
كما أن إدارة صنع القرار والعمل السياسي والعسكري ستختلف: فالقرار بشأن الاستمرار في كل مرحلة سيتخذ وفق نتئج المرحلة السابقة لها. والمرونة في التفكير والعمل إلى جانب الصبر واستخدام القوة ببطء وبعد دراسة وتعاون وثيق مع الأمريكيين هي مبادئ الحرب الجارية.