نقلت وكالات الأنباء عن خبراء عسكريين قولهم أن شبكة الأنفاق التي بنتها حماس في قطاع غزة يحتمل أن تشكل أحد أخطر التحديات أمام الجيش الإسرائيلي إن غزا القطاع بريا. وأنه عدا شبكة المنشئات تحت الأرضية في كوريا الشمالية، فإن حماس تستخدم وفق التقديرات شبكة الأنفاق الأكبر في العالم.
وقال جون سبنسر، رئيس دراسات الحرب المدينية في معهد الحرب الحديثة في الاكاديمية العسكرية الأمريكية وست بوينت أن حجم "التحدي في غزة مع الأنفاق تحت أرضية فريد من نوعه". وفي مقالة نشرها قبل بضعة أيام أضاف سبنسر، وهو ضابط سابق في الجيش الأمريكي، أن شبكة الأنفاق الكبيرة والمتشعبة تخلق مشكلة "لا حل كامل لها وتنتظر القوات البرية الإسرائيلية".
ووفق التقديرات، فإن شبكة الانفاق تحوي 1300 نفق بطول حوالي 500 كيلومتر، حيث تقع بعض الأنفاق بعمق 70 مترا تحت سطح الأرض، وأنه وفقا للتقارير، معظم هذه الانفاق بارتفاع مترين فقط وبعرض مترين". ويقدر الخبراء بأن من المحتمل أن يكون المختطفون في هجوم حماس في 7 أكتوبر يتواجدون في داخل هذه الأنفاق، الأمر الذي قد يستخدم أيضا لتخزين وسائل قتالية وغذاء وماء ووقود. ويعتقد باحثون سبق وحققوا في شبكة أنفاق حماس أن قسما من قادة التنظيم يتواجدون في داخل الأنفاق هذه.
ويقول خبراء أن الأنفاق ستزيد تعقيدات سيناريو الحرب في حال تمت العملية البرية في القطاع وقال سبنسر أنها تسمح "للمقاتلين بالتنقل بين مختلف مواقع القتال بأمان وبحرية". وقال مايك مارتين، وهو خبير نفسي في الحرب في كينغز كوليج في لندن: "باختصار، هذه الأنفاق تحدث توازنا لأنها تحيد مزايا إسرائيل التسليحية، والتكتيكية، والتكنولوجية والتنظيمية، كما أنها تحيد خطر انعدام القدرة على التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية التي تتطلب الفحص وفق القانون الدولي. لذلك فإن الجيش الإسرائيلي يواجه مشاكل في كل ما يتعلق بالعمليات العسكرية داخل المناطق المدنية، التي يمكن وصفها بأنها قتال ثلاثي الأبعاد". وأوضح ما يقصده بالقتال ثلاثي الأبعاد فقال: "ستكون هناك جهات تطلق النار من فوق أبراج سكنية وسيكون أيضا من يطلق النار من تحت الأرض. إذا هدم بنء فإنه سيتحول إلى كومة ركام، سرعان ما تتحول بعد ذلك إلى منطقة تدميرية جدا، بمعنى أنها ستغدو مكانا يسهل فيه على كل مسلح أن يتمترس ويطلق النار. وأضاف أن "القتال في المدن هو أحد المناطق الأصعب التي يمكن لأي جيش أن يواجهها".
وأشار التقرير إلى أن الأنفاق في غزة أعدت في البداية لتهريب البضائع من مصر إلى غزة وبالعكس، لكنها مع مرور الوقت وبسبب زيادة المراقبة الجوية الإسرائيلية بواسطة مسيرات ومعدات تجسس ألكتروني أخرى في القطاع شرعت حماس بتوسيع شبكة الأنفاق، لكن الجيش الإسرائيلي لم يكتشف خطر وتعقيدات هذه الأنفاق إلا بعد العملية الحربية في غزة عام 2014. في أعقاب ذلك شرعت إسرائيل ببناء عائق حدودي تحت أرضي على طول قطاع غزة كي تمنع التسلل عبر الأنفاق إلى أراضيها.
ويقول الخبراء أنه يصعب اكتشاف الأنفاق لأنها مقامة تحت أبنية مختلفة، لكن هناك طرق مختلفة لتشخيصها، مثل استخدام الرادار وتقنيات قياس بصمات أصبع مغناطيسية، حرارية وبأجهزة الايكو. ومع ذلك في الغالب يتم اكتشاف هذه الأنفاق عن طريق بحث بشري، وفق مركز راند للابحاث في مؤتمر عقد بهذا الشأن عام 2017. وبحسب راند فإن البحث البشري أعد للمساعدة في اكتشاف الغياب الفجائي لشارة هاتف نشيط حماس المتابع ألكترونيا في طريقه نحو الأنفاق.
في كتابها "Underground War" قالت دفنا ريتشموند باراك، واحدة من أبرز الاختصاصيين في العالم، أن الغاز المسيل للدموع أو الغازات الكيماوية تستخدم في القضاء على الأنفاق، لكن هذه ليست أساليب مشروعة حاليا. ويقول الخبراء أن بالوسع تفجير هذه الأنفاق حيث تملك إسرائيل ما يسمى ب"قنابل مخترقة الملاجئ" أعدت للتغلغل في عمق الأرض، ولكن نظرا لطول قطاع غزة حوالي 40 كيلومتر، وعرضه بين 6 إلى 14 كيلومتر وعديد سكانه البالغ 2.2 مليون نسمة فمن الصعب جدا السماح باستخدام هذه القنابل حتى إذا تمكنت لإسرائيل من تحديد أماكن الأنفاق.
وحسب باحثين في مركز راند، إسرائيل استخدمت في الماضي ما يسمى ب"القنابل الدقيقة الموجهة" من أجل إغلاق هذه الأنفاق لكنها لم تحرز نجاحات كبيرة. وحسب الخبراء يصعب القتال في داخل الأنفاق لأنها مظلمة وباردة جدا، وأن الاطلاقات الكثيفة من الاسلحة في داخلها تثير غبارا ويمكن أن تكون مفخخة.
في ضوء هذه المخاطر سمح في الماضي لجنود إسرئيليين بالدخول إلى أنفاق فقط بعد أن تم تأمينهم على أيدي طواقم خاصة. ومنذ 2014 ينشر الجيش الإسرائيلي وحدات قتال خاصة بالأنفاق مدربة في أجواء أنفاق مشابهة ومدربين على استخدام مجسات تهدف للتعرف على ما يجري في الأنفاق وأجهزة خاصة بالقتال في الأنفاق عن طريق روبوتات وكلاب.
ويقول سبنسر أنه لم يسمع أبدا عن جيش مدرب جيدا للقتال في الانفاق مثل الجيش الإسرائيلي. ومع ذلك كتب ريتشموند باراك في تقريره ل"فايننشال تايمز" أن أسرائيل "ستضطر للانشغال بالغارات الجوية والبرية بعيدة المدى ةالواسعة من أجل تدمير البنى تحت أرضية هذه. وحتى في هذا السيناريو، الذي قد يوقع إصابات كبيرة، ليس متوقعا أن ينجح في تدمير كل شبكة الأنفاق في غزة.
ويتفق مايك مارتين على أن هذه الأنفاق تشكل تحديا كبيرا: "رغم أن لدى إسرائيل كل الأساليب المتطورة مثل الرادارات والخبرة السيسمية التي يمكن استخدامها لتشخيص الأنفاق، فإنني أحذر من أمر واحد: هناك هوة في منظومة جمع المعلومات الاستخبارية في إسرائيل. لقد أخطأوا في تقدير هجوم بحجم كبير على إسرائيل كما حدث في هجوم حماس في 7 أكتوبر".
وفي مقابلة مع DW أضاف "أن هذا يعني أن لديهم عدة نقاط خفية يبدو منها أنه بسبب الثغرات في المعلومات لدى إسرئيل، فإنها فعلا لن تعرف ماذا تنوي حماس أن تفعل، أو كيف ستدافع عن غزة، أو عن أي خطط أخرى. حينها يبدو أن هناك علامات استفهام كبيرة حول ما تعرفه إسرائيل وما لا تعرفه".+