تجتهد عديد القنوات الإسرائيلية في التخطيط لما بعد "حماس" في غزة، ما بين الطرح والطرح المناقض، وعلى فرضية تحقيق النصر! ويسابقها على جناح الريح مراكز الأبحاث الاميركية !
لم نجد أشد حرصًا على أمن "إسرائيل" فقط، من مركز واشنطن لسياسات الشرق الأدنى الذي ترك أطنان القنابل تدك القطاع وتسقط آلاف الضحايا في مذابح متواصلة بغزة والضفة، مع تراكم الجثث من الاطفال والشيوخ والرجال في كل مكان متعاميًا عن النظر إلا الى الضحايا الإسرائيليين، ليؤكد للإسرائيليين المشغولين بالحرب أنه يهتم بهم أكثر منهم! فيديم النظر كيفية إدارة غزة ما بعد "حماس" في خطته التي يهديها لصانع القرار الإسرائيلي والاميركي.
بعد أن يحدد المركز نظرته التاريخية للحدث من الجملة الأولى حين يقول: "أن حماس ارتكبت أسوأ جريمة قتل جماعي لليهود منذ المحرقة ("الهولوكوست")"، لا يضع أدنى إشارة (من باب الموضوعية) للتاريخ الصهيوني الأسود وسلسلة المذابح منذ النكبة حتى اليوم.
لا يشير المركز للحق الفلسطيني حتى في دولة على المتاح منها (دولة 22%) فيما هو غلو باستنشاق الهواء من منخري القادة الإسرائيليين فقط، وما هو استكمال أو استباق للغلو الاستعماري الغربي الذي قدم الى القاهرة ليعلن تجريد غزوة استعمارية غربية جديدة للمنطقة العربية كلها، والذي دعا الرئاسة المصرية المحبطة من المؤتمر لأن تصدر بيانًا ينضح بالحزن على القيم الانسانية والأخلاق وينعى العالم الذي لا يرى الا بعين واحدة في واحد من أشد البيانات قوة ودعمًا للقضية اوالحق الفلسطيني.
نعود لمركز واشنطن وللثلاثي القيادي للمركز روبرت ساتلوف ودينيس روس وديفد ماكلوسكي الذين اجتهدوا لتقديم الحل للاحتلال الإسرائيلي (نشرالتحليل بموقع المركز يوم 17/10/2023) فيما بعد سقوط حماس، وبالطبع من ورائها فكرة الثورة والمقاومة ككل كما ذكرنا في مقال سابق، بل وتمادوا بالإشارة الى أن هذا الحل سيعني نهاية القضية الفلسطينية فيما بين السطور.
ماذا يريد الاميركان بعد "حماس" عبر معهد واشنطن؟
يطرح المركز "بعد النصر في المعركة"! ضرورة تحديد معالم اليوم التالي حيث عبر التخطيط لذلك ما"سيوفر راية يمكن أن يجتمع تحتها حلفاء إسرائيل لمناصرة قضيتها، ومظلة يمكن لشركاء السلام العرب الضعفاء الاحتماء في ظلها بانتظار انتهاء القتال".
يطرح المركز أن المباديء العامة هي إنهاء سيطرة "حماس" على غزة بلا أي تأني وتركها تحت الأنقاض، ويجب تلبية مطالب الحكومة الإسرائيلية الثلاثة وهي بالنص:
- ضمان عدم قدرة "حماس" على شن هجمات في المستقبل.
-استعادة ثقة الإسرائيليين بقدرة حكومتهم وجيشهم على توفير الأمن لهم.
-إعادة تأسيس قوة الردع الإسرائيلية بنظر الأصدقاء والخصوم في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ويحدد المركز الدور الاميركي بوضوح من خلال:
-مساعدة إسرائيل على تحقيق هذا الهدف بأقل تكلفة ممكنة من ناحية التسبب بإصابات في صفوف المدنيين الفلسطينيين.
-ردع أعداء إسرائيل الآخرين لكي تتمكن البلاد من التركيز على تحقيق النجاح بأسرع وقت ممكن.
-مساعدة الإسرائيليين والفلسطينيين على البدء الآن بالتخطيط لفراغ الحكم الذي قد ينجم عن إنهاء حكم "حماس".
ما هي الخطة للحكم بعد حماس؟
يطرح المركز في ضوء المباديء والتأكيدات السابقة ضرورة تشكيل "إدارة مؤقتة" لحكم إوإدارة قطاع غزة ضمن "الفترة الانتقالية" التي يقترحها لسنوات ثلاث، مؤكدًا بلا لبس أن المؤقت قد يصبح دائمًا!؟
بمعنى أن فكرة التأقيت هي تحايل على العالم والتفاف على شرعية فلسطينية سواء ممثلة بالسلطة الوطنية الفلسطينية أو منظمة التحرير التي لا يرد ذكرها لا من قريب ولا من بعيد وبالطبع لا يرد ذكر الدولة الفلسطينية ولو مجاملة !
تنطلق الخطة الاميركية التي يعرضها المركز من ضرورة إبقاء فكرة الكيانين المنفصلين في الضفة مقابل ذاك بالقطاع!؟ رغم الأشارات الخجولة أو المتملصة اقترابًا وابتعادًا من دور ما للسلطة الوطنية الفلسطينية التي يتهمها وينتقص من دورها ولا يرى بها قيمة بحقيقة الامر.
ترتسم ملامح الخطة الاميركية على 3 ركائز هي: إقامة "إدارة مدنية"، و"جهاز للسلامة العامة/انفاذ القانون" (تسمية جديدة للشرطة والأمن) يتم تسليمه لعدد من الدول العربية (مؤقتًا) وثالثًا تحالف دولي للإعمار تقوده أميركا، وتدفع الاموال بكل وضوح وبشكل صريح في التحليل للمركز كل من دولة الإمارات العربية المتحدة حيث أن" دولة الإمارات، التي هي شريك سلام مع إسرائيل، وتمتلك الموارد المالية الكافية لتكون جهة مانحة كبيرة"، والمملكة العربية السعودية!
"الإدارة المدنية": يوضحون حلهم بالتالي حيث تتكون "الإدارة المدنية" التي يطرحونها لغزة من: "التكنوقراط من غزة والضفة الغربية والشتات الفلسطيني، بالإضافة إلى شخصيات محلية مهمة من بلدات قطاع غزة وعشائره إدارة إدارات الحكومة المحلية العاملة بكامل طاقتها..."
ويضيفون أنه "سيشكل الاتصال المستمر بين "الإدارة المؤقتة في غزة" وإسرائيل المسألة الضرورية بل الحساسة، في عالم لم تعد فيه "حماس" قوة سياسية أو عسكرية في غزة"، ويبدأ الكلام حينها عن ميناء وبداية ضعيفة لإيجاد فسحة في الحصار مع تبرير جلي للحصار الكائن!
وبلا لبس فإن علاقة "الإدارة المدنية" لغزة من التكنوقراط الفلسطيني يكون له "ارتباط طبيعي بالسلطة الفلسطينية" لكن مع تأكيد مشدد على أن "الإدارة المؤقتة" "ستعمل بشكل مستقل ضمن الإطار الموصوف هنا." وهذا يعني "الكذب عيني عينك" والإبقاء على فكرة تمزيق أي رابط فلسطيني بنفس المسلك الإسرائيلي السابق الذي يسير المركز بوضوح على نهجه!
وكيف يكون حسب المركز أن ترتبط "الإدارة" المدنية" لغزة بالسلطة الفلسطينية، والثانية خلال سنوات الإدارة المدنية المؤقتة-الدائمة لغزة حسب المخطط سيقابلها "عملية إصلاح السلطة الفلسطينية" في دفن واضح لفكرة استقلال دولة فلسطين القائمة بالحق الطبيعي والقانوني والقائمة تحت الاحتلال.
"جهاز السلامة العامة": يقترح الثلاثي في مركز واشنطن أن ترسل الدول العربية ذات العلاقة مع إسرائيل "مفارز من الشرطة وليس وحدات عسكرية نظامية" لتولي دور "جهاز السلامة العامة"، على أن "يتزعم القوة ضابط من دولة ليس لها أي صلة إقليمية بالمناطق الفلسطينية، مثل المغرب"، مع ضرورة وجود "مكاتب اتصال مع الجيشين الإسرائيلي والمصري".
تحالف الإعمار: مع مشاركة الاوربيين ووكالات الامم المتحدة والدول المكلفة بالدفع بالإعمار،الا أن الدور الاميركي الضروري هو الأعظم كما يذكرون والأساسي لأنه "القادر على تحقيق الحشد وتنظيم الجهود بل وضمان تنفيذ كافة العناصر للخطة". لا ينسى الثلاثي بالمركز الإشارة لضرورة اضطلاع الشركات الاميركية بالطبع بالإعمار وإعادة الإعمار في غزة مابعد "حماس" فاميركا يجب أن تكسب دومًا من المصائب والمذابح والنكبات أكثر وأكثر.
وبالخروج من الحيرة كيف سيتبنى العالم هذه الخطة ، حيث يطرح الثلاثي أفكارًا مثل تفويض مجلس الامن لأميركا بعمل ذلك، او كبديل تفويض الجامعة العربية، أو ضمن ولاية "منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط"، الأمر الذي قد لا يتطلب إجراءات إضافية من جانب مجلس الأمن" لكن يؤكد المركز أنه "في نهاية المطاف، قد يكون من الضروري بناء "الإدارة المؤقتة في غزة" كتحالف للراغبين".