"إسرائيل" ومصيدة غزة.. أيّ سيناريوهات قادمة بعد الهدنة؟

1.webp
حجم الخط

بقلم شرحبيل الغريب

في ظل تصاعد وتيرة التهديد والوعيد الإسرائيليَّين بالعودة إلى الحرب مجدَّداً بعد انتهاء الهدنة وإبرام صفقة جزئية لتبادل الأسرى، ووسط الجهود المبذولة من جانب أوساط عربية ودولية لتمديد التهدئة، بات المشهد الميداني في قطاع غزة يشوبه عدد من التوقعات والسيناريوهات.

فالعودة إلى الخيار العسكري، في ظل فشل "إسرائيل" الكبير في حربها على قطاع غزة على مدار خمسين يوماً وعدم قدرتها على تحقيق أيّ من الأهداف والمكاسب في المناطق التي توغلت فيها، تعني مزيداً من الهزيمة أمام المقاومة الفلسطينية. وهذا ما يخشاه الاحتلال الإسرائيلي، وتسعى أميركا لتفاديه، أكثر من أي وقت.

تنحصر اتجاهات المشهد وتلتفت الأنظار مجدداً في قطاع غزة إلى الميدان، فهو القادر على رسم سيناريوهات المشهد المتوقعة ومآلاتها.

السيناريو الأول: يكمن في إجماع ثلاثي مجلس الحرب الإسرائيلي، نتنياهو وغانتس وغالانت، على استئناف التصعيد العسكري لفترة محدودة، ومحاولة تحقيق أي منجز عسكري على الأرض. وهذه فرصة جديدة لهم، على رغم ضعف احتمال هذا السيناريو في تحقيق أي رصيد أو إنجاز على الأرض. وهذا السيناريو يأتي من منطلق اعتقادهم أن وقف الحرب سيؤدي إلى سقوط نتنياهو سياسياً من جهة، وإلى هزيمة جيش الاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى. 

السيناريو الثاني: لم تكن "إسرائيل" في حاجة إلى ما يقرب من 50 يوماً من القتل وسفك الدماء وارتكاب المجازر بحق الأطفال والنساء كي تصل إلى هدنة تفرج فيها عن جزء من أسراها وأسيراتها لدى المقاومة. وهذا المشهد يُعَدّ صورة مصغَّرة عن سيناريو أكبر، استفادت منه عدة أطراف في المنطقة، وتعمل على تمديد الهدنة والبحث في مسار الإفراج عن أسرى جدد، على نحو يشكّل مخرجاً لصفقة كبرى مع المقاومة الفلسطينية.

الإدارة الأميركية، التي دعمت الحرب بكل إمكاناتها في بدايتها، هي أيضاً، بعد 50 يوماً، غيّرت وبدلت مواقفها، بل باتت هي التي تمسك ملف حرب غزة نيابة عن "إسرائيل"، بعد معطيات كثيرة طرأت على المشهد، جعلت استمرار الهدنة وتمديدها مصلحة أولية لها، وهذا ما يجعل باب المناورة أمام الاحتلال الإسرائيلي ضعيفاً، في الوقت الحالي، أمام انعدام الخيارات لديه بمعاودة سلوك الطريقة ذاتها لإخراج أسراه، عبر التزام الاتفاق الأصلي الذي نص على تهدئة لأربعة أيام، والعمل على تمديدها، وخصوصاً بعد فشل تحرير أي منهم بالقوة العسكرية.

مقاييس الربح والخسارة لدى الإدارة الأميركية تجاه مسألة وقف الحرب على قطاع غزة تنحصر في اتجاهين رئيسين، أحدهما خارجي والآخر داخلي. على الصعيد الخارجي، ظهرت زيادة الضغط على الإدارة الأميركية، وصولاً إلى شعورها أو تسليمها بنتيجة، مفادها أن استمرار الحرب أمداً أطول من ذلك يؤدي إلى تناقض كبير مع مصالحها في المنطقة، وبالتالي فإن مقياس النجاح لهذه الخطوة بدا واضحاً في تصريحات الرئيس الأميركي، والتي دعم فيها تمديد الهدنة. 

يعزز هذا المسار ما كشفته وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، والتي رجحت السيناريو الثاني، إذ أشارت إلى تزايد كبير في حجم الضغوط الأميركية على "إسرائيل" من أجل إطالة أمد وقف إطلاق النار في قطاع غزة، معللة ذلك بوجود حاجة ماسة إلى وقف القتال من أجل تسهيل وصول المساعدات وإطلاق مزيد من الرهائن. 

أمّا على الصعيد الداخلي لدى الشعب الفلسطيني من جهة، والاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى، فبدأ يتولد شعور لدى أوساط كثيرة في "دولة" الاحتلال الإسرائيلي بأن كل ما يقوم به الجيش في غزة لن يحقق من ورائه أي هدف من أهدافه. بمعنى أدق: هو يسير ويأخذ "شعبه"، المستنزف في الأساس من تبعات الحرب، أمنياً واقتصادياً، إلى مساحة المجهول. 

أمّا فلسطينياً فسطّر الشعب الفلسطيني ملحمة بطولية تاريخية، وحالة صمود غير مسبوقة، أحبط عبرهما، على مدار أيام الحرب الخمسين، كل مخططات النيل منه أو تصفيه قضيته وتهجيره.

و"إسرائيل"، عبر الموافقة على الهدنة الأولى وصفقة الأسرى الجزئية، وقعت في مصيدة غزة أمام فشلها في تحقيق أهدافها، وتحت وطأة الضغوط الأميركية الدولية من أجل وقف الحرب. والمعطيات جميعها تعزز أنه ليس أمامها إلّا تمديد الهدنة بعد فشل تحرير أسراها بالقوة، والاستعداد لدفع فاتورة الصفقة الكبرى والجديدة. فبعد خمسين يوماً لم تفلح في تثبيت قدميها في غزة، ونظريتها لفرض الردع مع غزة فشلت بامتياز، وصورتها أمام العالم أصبحت مقترنة بالدم والقتل وحرب الإبادة الجماعية والخراب والدمار. 

هي الهزيمة، عسكرياً وأخلاقياً، والتي كتبت عنها مقالاً في الميادين نت في الأسبوع الأول من طوفان الأقصى، تتحقق الآن. فالنصر والهزيمة هما معطياتٌ في الميدان، وتوازنات على الأرض، لكنهما أيضا انطباع وشعور وصورة وإحساس. والمتابع لمجريات تنفيذ صفقة تبادل الأسرى الجزئية يتيقن من أن تداعياتها أكبر من عدسات الكاميرات. 

نتنياهو خسر الحرب وسقوطه بات وشيكاً، وجيشه، الذي لا يُقهر، مُرِّغ أنفه عند تخوم غزة وبين شوارعها، والوضع الأميركي الحالي بإدارة بايدن أصبح في مهب الريح، بسبب دعمه المطلق لحرب "إسرائيل" على قطاع غزة.