عن الردع وإسرائيل «النووية»

WptCE.jpg
حجم الخط

بقلم رجب أبو سرية

 

 

 

أياً يكن مآل الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة، أي بغض النظر عما إن كانت الهدنة الإنسانية، التي تم التوصل إليها لإجراء عملية التبادل بين المدنيين المحتجزين لدى «حماس» مقابل المدنيين من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية من نساء وأطفال، ستؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار، أو على الأقل إلى توقف الحملة العسكرية الإسرائيلية المسعورة، أم أن تلك الحرب ستتواصل بعد هدنتين أو ثلاث أو أكثر، ثم وبغض النظر عن أي من القراءات المتعددة، أو المختلفة، والتي ستتناقض على الجانين حول قراءة نتائج تلك الحرب، في حال توقفت وانتهت عند الحدود الحالية، أو بعد جولة أخرى تجري على نفس النمط، فإن هنالك ما يمكن أن يقال حول ما أثارته تلك الحرب من أسئلة وتساؤلات لا حصر لها، تبدأ بيوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولا تنتهي بيوم توقف الحرب.
أول تلك الأسئلة مرتبط بحقيقة قوة إسرائيل العسكرية، فضلا عن قوتها السياسية التي هي أقل بالطبع، فإسرائيل التي سعت طوال سبعة عقود ونصف، إلى إقناع الآخرين بأن لديها قوة عسكرية لا تقهر، وبأن جيشها هو أقوى جيش في الشرق الأوسط، وانه يعد خامس أقوى جيش في العالم، وبأن الولايات المتحدة حافظت طوال الوقت على الإبقاء على التفوق العسكري الإسرائيلي على كل دول الشرق الأوسط مجتمعة، وهو ما أكدته حروب إسرائيل مع الدول العربية خلال عامي 1948، 1967، حيث أنه تبين بأن قوة إسرائيل الحقيقية ما هي إلا قوة من ورق، وأن النمر العسكري الإسرائيلي ما هو إلا نمر وردي، ولم يكن الأمر كذلك فقط ارتباطاً بما وصف بأنه إخفاق استخباراتي، والاستخبارات العسكرية بالطبع هي جزء مهم من الحروب العسكرية، ولكن الأمر يتعدى ذلك، رغم أهمية الاستخبارات، فليس صحيحاً تماماً بأن الصدمة التي تعرضت لها إسرائيل في ذلك اليوم مردها للإخفاق الاستخباراتي.
فإسرائيل طوال أعوام مضت، كانت تقول بأن هناك تقديرات أمنية لديها بوجود خمس جبهات عدوة، في حال فتحت كلها عليها دفعة واحدة، فإنها ستواجه مشكلة حقيقة في التصدي لها، رغم ان معظم هذه الجبهات، ما هي إلا جبهات مقاومة شعبية، لا تمتلك سوى مجموعات مسلحة، وليست جيوشاً مدربة أو محترفة، وينطبق هذا على جبهات غزة والضفة وجنوب لبنان، فإسرائيل وبعد مرور خمسة وسبعين عاماً على وجودها، وبكل تلك القوة العسكرية التي لديها، احتاجت فورا إلى الحماية الأميركية لإغلاق الفتح الممكن أو المحتمل للجبهات الأخرى، ومنحها الفرصة للتفرد بغزة، وغزة منطقة محاصرة وصغيرة جداً جغرافياً، ورغم ذلك فإن إسرائيل احتاجت إلى ثلاثة أسابيع من القصف الجوي، حيث ليس هناك قوة جوية تتصدى لها، ولا حتى قبب حديدية تحمي سماء غزة، ولا حتى مضادات الطائرات، واحتاجت إسرائيل إلى أكثر من ثلاثة أسابيع أخرى للتوغل البري، ولم تنجح سوى بتطويق شمال قطاع غزة، بما فيه مدينة غزة، وحتى أنها تجنبت مواجهة منطقة الشجاعية، أو منطقة مدينة غزة، الذي تخشاه منذ عام 2014.
وبالعودة إلى يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإن قوات القسام التي اقتحمت بلدات غلاف غزة، لم تتجاوز 1200 عنصر، ورغم ذلك فإنها فوجئت هي نفسها بانهيار قوات النخبة الإسرائيلية، من قوات جفعاتي وجولاني، التي لها مهمة التوغل والاجتياح والحرب مع غزة، إذا لم يكن ذلك اليوم صادماً فقط لإسرائيل، بل مثيراً للجميع في المنطقة، خاصة كل من صدقوا مقولة الجيش الذي لا يقهر، ومقولة التفوق العسكري الإسرائيلي على جميع جيوش المنطقة.
إعمال الخيال فيما يخص هذه الصورة، يمكن أن يتخيل حال إسرائيل لو أن جبهات غزة والضفة ولبنان، سورية واليمن وإيران والأردن ومصر، ومعهم الدول العربية والإسلامية، قد وقفت كما وقفت أميركا ودول الغرب الاستعماري، على الجانب المقابل، وخشية أميركا نفسها مما أسمته توسيع الحرب، كان في حقيقة الأمر خشية إلحاق هزيمة مدوية بها، وإسقاطها بالضربة القاضية عن عرش النظام العالمي.
في تفسير ما اعتبره الإسرائيليون من دلائل قوتهم العسكرية، ومن ثم ما ظهر من قوة خادعة، هناك أسباب عديدة، منها أن إسرائيل وحتى أميركا يقومون بحسبتهم بناء على لديهم من طائرات ودبابات ومن جنود مقاتلين، صواريخ وعتاد، وما عليه أسلحتهم من تطور أو تقدم تكنولوجي عسكري، لكنهم لا يضعون ضمن حساباتهم الإرادة الفردية، وكل ما له علاقة بالإنسان والبشر، كذلك لم يخطر ببالهم، بأن سر ضعفهم في كونهم على باطل، أي أنهم قوة احتلال وقهر لشعب آخر، تضامن العالم كله معه، وهم لا يرون ما هم عليه من عنصرية بغيضة، يدفع قوة الاحتلال إلى أن تحرق الدنيا بسبب سقوط ضحايا في صفوفهم، ولا تهتم لسقوط أضعافهم على الجانب الآخر، ولا ما هي عليه من فاشية، يمكن القول معها بأن الجيش الإسرائيلي في حربه هذه على غزة، جمع تراث وإرث جرائم الاستعمار في القرن العشرين، وزج بها في حربه على غزة، وقد تضمن ذلك قتل الأطفال والنساء والمدنيين بشكل جماعي ومتعمد، وقصف وتدمير المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس على من فيهم دون سابق إنذار، وكل ذلك للتعبير عن نزعته الفاشية، وقطع الماء والكهرباء والدواء والغذاء عن كل البشر، وان كان هناك من هدف بعيد المدى، فهو التهجير القسري، وهو أيضا جريمة حرب.
ورغم كل هذا فإن الخوف قد تملك قادة العدو الفاشي، ورغم أن كل الدنيا تشاهد وتتابع تصريحات وقرارات وأقوال وأفعال جوقة الحكم في إسرائيل، وهي مجموعة فاشية عنصرية، مارست وقالت وعبرت عن فاشيتها بإنكار وجود الشعب الفلسطيني، وطالبت بحرق حوارة، وباركت كل ما هو غير شرعي من جرائم الاحتلال، بحق البشر والمقدسات للمؤمنين من غير اليهود، ولسنا هنا بحاجة للتذكير، بأن الغرب ومنه أميركا نفسها، قد ضاقت ذرعاً، ببن غفير وسموتريتش وحتى بنتنياهو نفسه، الذي لم يستقبله جو بايدن في البيت الأبيض، منذ تسلمه رئاسة الحكومة الإسرائيلية مطلع العام، وهكذا وجد العنصريون الإسرائيليون الفرصة مناسبة، لتحقيق انجاز فاشي حاسم، يتمثل بالخلاص من الشعب الفلسطيني الموجود في وطنه دفعة واحدة، أي من خلال قتل أو تهجير كل الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية.
ولم يكتف الفاشيون الإسرائيليون الذين هم في الحكم حاليا، بإلقاء أربعة آلاف طن من المتفجرات التي تقارب قوتها 3 أو 4 قنابل نووية من مثل تلك التي ألقيت على هيروشيما ونغازاكي، ويكفي أن نشير إلى أن إسرائيل كانت تلقي على غزة خلال أسبوع من متفجرات ما يعادل ما ألقت به أميركا على أفغانستان خلال عام، بل أنهم طالبوا علنا بإلقاء القنبلة النووية على غزة.
فوزير التراث ألميحاي الياهو الذي ينتمي لحزب القوة اليهودية الذي يتزعمه ايتمار بن غفير، أشار إلى أن استخدام السلاح النووي هو أحد الخيارات أمام حكومته للقضاء على حماس، فيما كانت العضو في الكنيست عن حزب الليكود تالي غوتليف قد سبقته بالمطالبة باستخدام ما وصفته بسلاح يوم القيامة، وذلك في إقرار واضح  بامتلاك إسرائيل للسلاح النووي، الذي تتكتم حوله، وإن كان العالم كله يرجح امتلاكها لنحو 70_80 رأساً نووياً.
وهذا يعني بكل بساطة بأن المتغيرات الكونية تحتمل إمكانية إلحاق الهزيمة العسكرية بإسرائيل، في يوم ما، حينها لن تتردد في استخدام تلك القنابل التي يمكن أن تدمر كل الشرق الأوسط، ولهذا ربما كان ليس فقط من حق إيران، وحتى غيرها من دول المنطقة مثل تركيا، مصر، والسعودية وغيرها، أن تمتلك السلاح النووي كرادع لنووي إسرائيل، بل يتوجب عليها ذلك لحماية أمن ومستقبل شعوب الشرق الأوسط.