العرب و"إسرائيل" وحُكم الآخر؟

تنزيل (2).jpg
حجم الخط

بقلم د بكر أبو بكر

 

 

 لطالما برز السؤال الكبير من يحكم الآخر أمريكا أم "إسرائيل"؟! وهل العلاقة قديمة أم حديثة؟
هل بدأت العلاقة عام النكبة 1948 والتصويت لصالح قيام الكيان الصهيوني بعد 11 دقيقة فقط من "إعلان الاستقلال"! أم بدأ الأمر مع موافقة الرئيس الأمريكي المتصهين "وودرو ولسون" الذي وافق على أعلان بلفور عام 1917 أم قبل ذلك؟
لقد كتب الكثيرون بالموضوع ولربما من القديم طالعنا المفكر والقيادي الكبير خالد الحسن عضو اللجنة المركزية بحركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح بورقته الهامة بالموضوع ذات الفهم الاقتصادي المصلحي.
كثير من الكتاب والمفكرين أيضًا تصدوا لفهم هذه العلاقة العجيبة!
فكتبت دراسات حول الموضوع، وكتبنا نحن كتابًا بعنوان: "شخصيات ساهمت في تأسيس الكيان الصهيوني"، بالطبع كان منها الدور الرئيس للشخصيات الاستعمارية الانجليزية والامريكية، وما سبقهما من رواد المسيحية البروتستانتية.
أشار الكثير من الكتاب والبحاثة للعلاقة الملتبسة ما بين السياق الثقافي الديني (الأسطوري) ارتباطًا بالصهيونية الإنجيلية (البروتستانتية الإنجيلية) في أمريكا عبر طائفة البيوريتان-التطهريين التي غزت امريكا في القرن 17 وفتكت مع غيرها بملايين السكان الأصليين دون طرفة عين!
إن الصهيونية الانجيلية والمقدر عدد أتباعها 80 مليون في أمريكا، تؤمن بعودة المسيح الواجبة والمرتبطة بعودة اليهود الى فلسطين! والتي يعتبر الرئيس الامريكي دونالد ترامب أحد روادها، او المتساوقين معها.
يقول د.يوسف الحسن في كتابه جذور الحركة الانجيلية الصهيونية أن: "المسيحية الصهيونية" هي "مجموعة المعتقدات الصهيونية المنتشرة بين مسيحيين، بخاصة بين قيادات وأتباع كنائس بروتستانتية، تهدف إلى تأييد قيام دولة يهودية في فلسطين بوصفها حقاً تاريخياً ودينياً لليهود، ودعمها بشكل مباشر وغير مباشر، باعتبار أن عودة اليهود إلى الأرض الموعودة – فلسطين – هي برهان على صدق التوراة، وعلى اكتمال الزمان وعودة المسيح ثانية. وحجر الزاوية في الدعم الشديد لهؤلاء المسيحيين لـ"إسرائيل" هو الصلة بين "دولة إسرائيل" المعاصرة و"إسرائيل التوراة". لذلك أُطلِق على هذه الاتجاهات الصهيونية في الحركة الأصولية اسم الصهيونية المسيحية". وبالتالي يمكننا القول أن البعد الديني الأيديولوجي الثقافي الخرافي يعد ركنًا من أركان العلاقة التبادلية بين أمريكا والكيان الصهيوني.
وحيث جادل الكثيرون بعدم كفاية البعد الديني الأيديولوجي الثقافي لفهم العلاقة مكتملة، يكتب المؤيدون للكيان الصهيوني وكما يذكر د.هيثم مزاحم في دراسته المعنونة: "إسرائيل" وأمريكا من الرصيد إلى العبء الاستراتيجي" أن:
1-"إسرائيل" هي ذخر استراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
2-" إسرائيل" هي قاعدة إمبريالية أمريكية في المنطقة العربية.
3-تقاطع المصالح الاستراتيجية بين "إسرائيل" والولايات المتحدة في المنطقة.
4- الولايات المتحدة تشعر بالتزام ديني – أخلاقي تجاه الدولة اليهودية.
5-اللوبي اليهودي الأميركي قوي جداً إلى درجة تجعله يملي السياسة الأميركية الشرق أوسطية.
بالحقيقة ومن مجمل الدراسات فإن العامل الديني الخرافي واضح للعيان مما تمثله الصهيونية الدينية اليوم في أمريكا وحجم تأثيرها على الساسة الامريكان وبالتالي القرارات بشأن الوليد الاستعماري بالمنطقة.
كما الحال مع واقع الاستئثار ثم الاستفراد الأمريكي بحكم العالم، (وإن الى حين في ظل المتغيرات العالمية الداهمة) وخاصة المنطقة العربية عبرالهيمنة الامريكية ومن بوابة التخويف المباشر لكل بلدان المنطقة من "البعبع" الإسرائيلي لتظل خاضعة خانعة تصب أموال النفط صبًا في جيوب الشركات الأمريكية والأوربية العابرة للقارات.
إن "إسرائيل" تشكل "الرصيد" الثمين للولايات المتحدة الامريكية بالمنطقة وإن ظهرت مؤخرًا بصورة "العبء" او "العجز" حين غرقت في رمال غزة وبحرها، وهي رغم العجز الأخير مازالت تمثل (مسمار جحا) للإمبريالية الامريكية، كما هي (بعبع تخويف) لدول النفط أساسا.
وفي السياق الاقتصادي حيث بلغ الدعم الامريكي ل"إسرائيل" حتى السنة الحالية ما يقارب 3 تريليون دولار حسب أحد الدراسات (حسب الباحث الاقتصادي الأمريكي توماس ستوفر عام 2003 من دراسة د.هيثم مزاحم)، وفي دراسات أخرى تم تقديرها بأقل من ذلك وبما يقرب من 260 مليار دولار، ناهيك عن أوجه تعاون مختلفة.
ولك النظر أيضًا فيما قدمته ألمانيا للدولة الإسرائيلية منذ نهاية الحرب الاوربية الثانية (المسماة العالمية) حتى العام 2018 الذي بلغ 86.8 مليار دولار (أنظر الكاتب محمد حسن سويدان بمقاله: دعم ألمانيا الأعمى لإسرائيل في غزة) أنظر والى ذلك ومع انتهاء تعويضات الناجين للمحرقة! فلقد وافقت ألمانيا على تمديد واستمرار التعويضات حتى العام 2027م.
نستطيع القول أن الدولة الإسرائيلية هي اختراع غربي بامتياز، وقد تلقفت هذه الفكرة أو تنبهت لها الحركية الصهيونية، وتعاملت معها ومع البُعد الاقتصادي كما يشير هرتسل بكتابه "دولة اليهود" بكل وضوح، واندمجت بالمشروع الذي مكنّه لها الاحتلال الانجليزي بالحديد والنار في فلسطين مع الدعم والمباركة الأمريكية.
وهي علاقة نتاج تعانق الأيديولوجية الدينية الخرافية من القرن 17، ثم لاحقًا في اجتراح آلية لحل هذه العلاقة الملتبسة بين المسيحيين الاوربيين العنصريين ضد مواطنيهم من الديانة اليهودية في أوربا، ما بين كراهيتهم الدينية الأوربية المتأصلة عبر العصور، ثم الاقتصادية، ما أدى الى التخلص منهم منذ حوارات 1905-1907 وصولًا لاعلان أرثر بلفور الكاره لليهود.
ثم ما كان من الاعتراف بالدولة واعتبارها مصلحة استراتيجية للغرب أو كما صرح به الرئيس الامريكي الحالي "بايدن" وهو ما قاله اليوم عام 2023 وما قاله قبل 37 عامًا: "لو لم تكن هناك إسرائيل لكان على أمريكا خلق إسرائيل لحماية مصالحها".
يتحدث خالد الحسن عن التحالف الامريكي الإسرائيلي في ورقته عام 1981م بالقول للعرب مما يفهمه من التحالف حينها: "لقد قالت لنا واشنطن: أنتم صفر العالم، كلكم هذا الصفر، و"اسرائيل" بمفردها تستحق أن تكون الرقم". ويضيف: "أن الدول العظمى لا تتراجع عن خطوة تتخذها ولكنها قد تتراجع عن اتخاذها قبل إعلانها إذا واجهت الحزم الذي يوجبه احتمال وقوع هذه الخطوة".
ويعلق بوضوح قاصدًا الامة العربية أننا "نواجه كل موقف امريكي داعم ل"إسرائيل" وضاغط علينا ومهين لكرامتنا ومفرط بحقوقنا، نواجه، بزيادة التعاون مع امريكا والاعتماد عليها والتعامل الأوسع اقتصاديا معها"
يخلص د.هيثم مزاحم في دراسته عن العلاقة الثنائية بين أمريكا و"إسرائيل" بالقول أنه لا يمكن الاقتصار في تفسير العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية على تفسير أحادي يضع الحقيقة في عامل واحد وإغفال العوامل الأخرى، بل لعلّ التوفيق بين هذه التفسيرات المتداخلة والمميزة (العامل المصلحي – الاستراتيجي، اللوبي، والهوية الثقافية – الإيديولوجية) معًا هو ما يعطي مساحات حركة وتأثير للوبي الصهيوني، في مقابل أن أمريكا ليست دُمية بيد اللوبي اليهودي، وتمارس على "إسرائيل" نوع من التبعي والقوة.
بينما يخلص المفكر خالد الحسن في ورقته: من يحكم الآخر أمريكا ام إسرائيل؟ الى أنه: " تلاقت مصلحة أمريكا ومصلحة "اسرائيل" في التعاون وأخذت "اسرائيل" تضغط لتحقيق استراتيجيتها متسللة من واقع المفهوم الاستراتيجي الامريكي، وخلقت بذلك بؤر الضغط والتأثير التي عرفناها باسم "اللوبي الصهيوني". ونظرا لتشابك المصالح فإن دور اللوبي الصهيوني ليس مؤثرا إلا في حدود الزيادة أو التعديل ولكنه لا ينسف القرار الامريكي حين تحزم واشنطن أمرها وتكون لها مصلحة ذاتية مستقلة عن القياس الذي عرضنا هنا."
مما يعني أن العرب في ظل عوامل قوتهم المجتمعة لو امتلكوا الإرادة فإنهم بوارد النهوض والتحدي واستقلالية القرار! فما بالك والغطاء في ظل مذبحة ومقتلة غزة 2023م قد انكشف!
دعنا نقول بالختام: إن النظرة الأمريكية أو الغربية عامة ل"إسرائيل" سواء كامتداد ثقافي أيديولوجي قيمي (خرافي أو أسطوري تناخي)! أوكأكثر من حليف، وكعمود فقري للرأسمالية الغربية ومصالحها الاقتصادية المتضخمة بالنهب والهيمنة، وقيمها الامبريالية، او أنها مسمار جحا في منطقة غريبة، او أنها فزاعة وعامل تخويف او كل ذلك بالمنطقة مع ما يجلب ذلك من المليارات المرتبطة بما سبق وبتجار الحروب والسلاح والهيمنة الغربية، هو ما يتفق مع حقيقة اعتبارها مصلحة واستثمار ورصيد لا يقدر بثمن، مهما كانت الأعباء المالية ضخمة، كما هو حاصل اليوم في الحرب الإسرائيلية الامريكية على فلسطين، ولكن في الامر فسحة يمكن النفاذ منها حين تبرز قوة الامة مجتمعة.