يتم التركيز في هذه الأيام على صفقة لتبادل الأسرى تفضي إلى وقف مؤقت لإطلاق للنار، وربما إعادة تموضع لقوات جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة والسماح بمزيد من المساعدات الإنسانية للمواطنين المحاصرين والنازحين في كافة مناطق القطاع.
وبالرغم من مطلب حركة "حماس" بأن الوقف الكامل لإطلاق النار شرط للبدء بالتفاوض على الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين في غزة، إلا أن الأمور على ما يبدو ذاهبة باتجاه صفقة محدودة قوامها 40 - 50 محتجزاً إسرائيلياً مقابل هدنة قد تمتد إلى شهر.
وهذا ربما يشكل تغيراً في الموقف الذي أعلنته "حماس" ويظهر أنه رغبة منها في الحصول على وقت مستقطع لإعادة تنظيم صفوفها، خصوصاً أن الحكومة الإسرائيلية لن تتوقف عن مواصلة الحرب على غزة.
الإدارة الأميركية والوسطاء يرغبون في التوصل إلي أي هدنة إنسانية ويضغطون من أجل هدنة إنسانية سريعة.
وهناك ضغط على حكومة بنيامين نتنياهو من الداخل وبالذات من أهالي الأسرى والمحتجزين وكذلك من قطاعات واسعة من الجمهور الإسرائيلي من أجل إرجاع كل المحتجزين في غزة بأسرع وقت نظراً للمخاطر المحدقة بهم جرّاء القصف الإسرائيلي وعملية الاجتياح البري، حيث قتل عدد منهم بنيران القوات الإسرائيلية.
والحكومة الإسرائيلية مستعدة لصفقة جديدة طالما لا تلزم إسرائيل بوقف الحرب بصورة نهائية.
الهدنة مهما كانت مدتها لن تغير الواقع بصورة جدية وهي ليست أكثر من متنفس؛ لأن احتياجات قطاع غزة الأساسية لن تتوفر لا بشهر ولا بسنة، والمسألة الجوهرية بالنسبة للناس هي وضع حد للقتل والتدمير والتجويع وللمأساة الكارثية.
اللافت للنظر أن المبادرات التي تتعلق بوقف إطلاق النار والمرتبطة بالإفراج عن الأسرى والمحتجزين حتى لو كانت في إطار الكل مقابل الكل، تتحدث عن وقف الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي وفي أحسن الأحوال تشكيل حكومة تكنوقراط لإعادة الإعمار ولإدارة الوضع في غزة والضفة.
بمعنى أنه لو قبلت إسرائيل هذه الفكرة، وهي بالمناسبة لا تقبلها لأن حكومة نتنياهو تريد استكمال الحرب حتى لو في إطار مرحلة ثالثة أقل حدة وفتكاً لمدة شهور طويلة وربما لأكثر من عام، فلن يكون هناك حل سياسي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
وهناك فرق بين الدعوات للتسوية السياسية على أساس حل الدولتين وبين الواقع الذي تفرزه الحرب على جبهتي فلسطين وإسرائيل.
في إسرائيل، لن يكون هناك أي تناول جدي لمرحلة ما بعد الحرب قبل أن يشعر نتنياهو بأنه وصل إلى خط النهاية.
ومع حكومة معتمدة بالأساس على دعم حزبي الصهيونية الدينية بزعامة سموتريتش وبن غفير لا يمكن البحث في فكرة حل الدولتين.
بمعنى لو وصلنا إلى نهاية للحرب في غضون الأشهر القادمة سنضطر للانتظار حتى تسقط حكومة نتنياهو سواء بانتخابات مبكرة تحت ضغط الشارع أو بانتظار انتهاء ولايتها بعد ثلاث سنوات.
من الصعب رؤية ضغوط أميركية ودولية جدية على إسرائيل لفرض حل الدولتين، على ضوء كل التجارب السابقة.
وفي الجانب الفلسطيني، هناك عجز كبير وربما عدم وجود رغبة في توحيد القيادات الفلسطينية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية على أساس برنامج واحد يمهد لإنجاح المساعي السياسية لتحقيق هدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
فلا "حماس" مستعدة للتخلي عن السيطرة على قطاع غزة ولا القيادة الفلسطينية مستعدة لوحدة كل الأطياف في إطار المنظمة بما في ذلك الذهاب نحو انتخابات عامة رئاسية وبرلمانية.
وعملياً لا يوجد أي حوارات وطنية جدية حول مرحلة ما بعد الحرب وكأن الجميع ينتظر لرؤية ما الذي سينتج عنها. وظروفنا لا تساعد في إقناع القوى المؤثرة في العالم بأننا جاهزون للحل.
والخشية الحقيقية هي أن نصحو جميعاً على النتائج الكارثية التي نجمت عن الحرب، وتنتهي الحرب مع هذا الكم الهائل من الضحايا والدمار الذي لا يمكن تحمله، والذي بحاجة لإعادة إعمار قد تستغرق سنوات وإعادة بناء وترميم طويلة لكل أوجه الحياة، مع هجرة واسعة للمواطنين في قطاع غزة الذين لن يكون بمقدورهم أن يعيشوا دون توفر شروط الحد الأدنى من الحياة الإنسانية في انتظار سنوات من أجل الحصول على بيت أو لقمة عيش كريمة.
وفي ظل الإعلان عن انتصار معنوي لا مردود سياسياً له، كما حصل في الحروب السابقة، مع فارق كبير وجوهري في حجم الضحايا والخسائر والأضرار التي لا يمكن تعويضها.
للأسف، لا يوجد ما يوحي بأن الجميع مستوعب لمدى الضرر والدمار الذي لحق بالمجتمع الفلسطيني، ولا يوجد أي إشارات لسلوك قيادي مختلف عن الروتين المعتاد الذي جعل كل شيء طبيعياً لدرجة أننا اعتدنا على عدد الشهداء والجرحى والحديث عن حجم الأضرار ومطالبة العالم بالمساعدة.
وكل شيء يمضي رتيباً وكأننا لسنا في حرب كارثية غير مسبوقة على مستوى الكون.
ونحن ننتظر أن يتدخل المجتمع الدولي العاجز أصلاً لإنقاذنا في حين أننا لا نقوم بالحد الأدنى المطلوب لمساعدة أنفسنا وإنقاذ الوضع من كارثة أكبر قد تقضي على كل ما حققناه عبر عقود طويلة من الكفاح والتضحيات.